الأربعاء الماضى شعرت العائلة المالكة فى بريطانيا بالملل من نظام الحياة الروتينية التى يعيشونها.. وأخذوا يفكرون فى طريقة لكسر هذا الملل.. فقرروا الخروج للعشاء خارج القصر.. وارتدوا ملابسهم اللائقة للخروج.. وركبوا سياراتهم منطلقين خارج القصر.. وما هى إلا خطوات.. وأوقف رجل شرطة الموكب الملكى.. لماذا يا سيدنا حتى يتأكد من هوياتهم.. وسلامة رخص القيادة.. أى والله هذا ما حدث يوم الأربعاء الماضى ببريطانيا. وعلى الفور أوقف الأمراء والأميرات سياراتهم.. وأخرجوا بطاقات هوياتهم.. ورآها رجل الأمن.. وعرف من هم.. وشخصياتهم الأميرية.. فلم يهتز.. ولم يطرف له رمش.. حتى تأكد من سلامة أوراقهم بالكامل.. كل ذلك والأمراء والأميرات يقفون بكل احترام وتوقير لرجل الشرطة.. لم يضايقهم تعطيل الوقت.. ولم يثر أعصابهم برود أعصاب الشرطى.. الذى قضى وقتاً لا يستهان به فى التأكد من سلامة الهويات والرخص.. هذا سلوك الأمراء والأميرات أبناء وبنات ملكة البلاد!! تعالوا معى نقارن بين هذا السلوك الراقى.. الذى صدر من أولاد الأصول.. لنقارنه بالسلوك الذى يصدر فى مصر من ولاد الإيه الذى شاء حظنا.. أن يلتحق أحدهما أو والده بوظيفة سيادية كالقضاء والشرطة مثلاً.. وهى التى تمنح صاحبها حصانة فوق البشر.. وتجعله فوق القانون والدستور الذى سوى بين المواطنين كأسنان المشط.. ومع ذلك.. فبمجرد أن يحصل سيادته على كارنيه الوظيفة.. تتلبسه روح الحصانة.. ويعتقد أنه بات كائناً من كوكب تانى.. فوق كل البشر. لذلك لو تجرأ رجل مرور مثلاً.. على سؤال جنابه عن هويته أو رخصة قيادته.. يكون كمن أخطأ فى صحيح البخارى.. وهنا تقع الكارثة الكبرى.. التى تبدأ من الكلمة الشهيرة فى بلادنا.. انت مش عارف أنا مين.. وأحيانا يتبعها بلفظ يا حمار.. يصف به رجل الأمن الغلبان.. حتى يدخل الهيبة والخوف إلى نفسه.. فإذا ما أصر رجل الأمن على تطبيق القانون.. يبقى وضع نفسه أمام القطر.. وراح فى دوكة!! وتحضرنى هنا واقعة حقيقية حدثت فى إحدى محافظات الصعيد.. حيث كان مدير الأمن يسير.. وبصحبته طاقم حراسته.. وفجأة وجد مدير الأمن سيارة تسير عكس الاتجاه.. يقودها شاب دون الثلاثين.. فأوقفه مدير الأمن فوراً.. وطلب منه إبراز بطاقته.. ورخصة القيادة.. ففوجئ بالشاب يقول له فلان الفلانى، مدير نيابة.. فلم يهتز مدير الأمن.. وأصر على اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الشاب الأرعن.. الذى خالف القانون.. وسار عكس الاتجاه.. وعرض حياة الآخرين للخطر.. وبالفعل تم سحب رخصة القيادة والسيارة!! وعاد مدير الإمن إلى مكتبه ليجد مفاجأة كبرى فى انتظاره.. إذ وجد عسكرى ينتظره.. يحمل فى يده أمر ضبط وإحضار لسيادته.. يعنى المفروض أن العسكرى - لا مؤاخذة - يجر جنابه.. لأن سيادة وكيل النيابة كتب مذكرة قال فيها إن مدير الأمن أهانه!! وانقلبت الدنيا.. ودار صراع هائل بين النيابة العامة.. ووزارة الداخلية.. فالنيابة العامة صممت على مثول مدير الأمن للتحقيق.. تمهيداً لإحالته للمحاكمة العاجلة بتهمة إهانة وكيل النائب العام!! وضباط الداخلية غضبوا من إهانة مدير الأمن.. لمجرد حرص الرجل على تطبيق القانون!! ودارت بين الطرفين حرب أشد ضراوة من حرب داحس والغبراء.. كل طرف مصمم على رأيه.. حتى استدعى الأمر.. تدخل وزيرى الداخلية والعدل.. وانتهت المسألة باعتذار صريح وواضح من مدير الأمن.. لمدير النيابة الشاب.. فى حفل علنى.. اعتبرته أنا «مآتم» لدولة القانون!! وبالطبع بعدها.. وبعد أن رأى رجال الشرطة رأس الذئب الطائر.. وما حدث لمدير أمنهم.. أصبح الواحد منهم.. إذا ما استوقف أحداً وقال له نيابة - حتى لو كان سيادته نصاباً ومنتحلاً لصفة النيابة - فإن رجل الأمن يضع ثوبه فى أسنانه.. ويفر من أمامه.. وسلملى على دولة القانون!! كل ذلك وأكثر منه تذكرته.. وأنا أقرأ.. عن عسكرى المرور الإنجليزى.. الذى أوقف الموكب الأميرى ليتأكد من هوياتهم ورخص قيادتهم.. وهم واقفون بكل احترام وتبجيل.. دون تبرم أو تململ.. احتراماً لرجل الشرطة الأمين.. الذى لم يتهيب أو يخاف أن يوقف ركب أمراء الأسرة المالكة.. رغم تعرفه عليهم.. لتطبيق القانون.. والذى يسوى فى بلادهم بين ابن الملكة.. وابن الكناس.. دون أن يقول له أحد.. هو انت مش عارف.. إحنا مين.. يا حمار!!