الحصانة في العالم كله تمنح لبعض الموظفين الذين يعملون في وظائف خاصة، ويكون هدفها تسهيل مهمة الموظف ومساعدته علي أداء عمله بكل حرية ودون أي ضغوط.. هذا هو الهدف من الحصانة.. إذاً هي لا تمنح للشخص من أجل سواد عيونه، ولكن لطبيعة وظيفته.. وهي في النهاية لا تهدف إلا لخدمة المجتمع ومواطنيه. أما في مصر فالأمر يختلف عن ذلك تماما.. فالحصانة عندنا ما هي إلا نوع من الوجاهة والآلاجة، وتجعل حاملها يسير ويتمايل كالطاووس.. بل ويعتبر نفسه فوق القانون.. وفوق كل البشر خاصة إذا ما كان حاملها من صغار السن أو محدثى النعمة.. فتمنحه أهمية مبالغا فيها وغرورا لا مبرر له.. فالحصانة تعني أن صاحبنا علي رأسه ريشة.. بل ألف ريشة.. ويا ويل ويا سواد ليل من يوقعه حظه العاثر في طريق صاحب الحصانة.. حدث ذلك كثيرا مع بعض أعضاء مجلسي الشعب والشوري وقد استغل هؤلاء الحصانة أبشع استغلال، حتي أن بعضهم كان يتاجر في المخدرات ويسطون علي الأراضي والممتلكات العامة والخاصة محتمين بالحصانة التي تمنع الأجهزة الشرطية من ملاحقة العضو المبجل حتي لو كان لصا أو تاجر مخدرات! كل ذلك «كوم» ولكن أن تأتي هذه التجاوزات من بعض رجال النيابة والشرطة فذلك «كوم» آخر تماما.. فيا ويلك ويا سواد ليلك لو ابنك وقعت في موقف أمام وكيل نيابة شاب أو ضابط شرطة صغير السن.. ولو حظ سعادتك «مدوحس» اسأل جنابه عن بطاقة الهوية أو الكارنيه.. فيكفي أن جنابه يقول لك نيابة أو شرطة.. حتي تعطيه تعظيم سلام حتي لو كان نصابا أو منتحلا لهذه الصفة.. فلا يسأله عن هويته وإلا كانت وقعتك أسود من قرن الخروب! حتي لو جنابه خالف القانون.. مشي عكس بسيارته، أو كسر إشارة أو ارتكب أي مخالفة للقانون.. طنش ولا تقف أمام جبروت سعادته وإلا كان السجن في انتظار معاليك.. وهنا لن ينفك القانون.. والشعارات الجوفاء التي نرددها أننا سواسية وأن سيادة القانون علي الجميع كبير أم صغير!! منذ عام تقريبا كان أحد مديري الأمن بجلالة قدره يسير بموكبه وفجأة وجد أمامه سيارة يقودها شاب صغير السن من عمر أولاده يسير عكس الاتجاه فينزل مدير الأمن وأوقف قائد السيارة وطلب منه رخصة القيادة وهنا قال له راكب السيارة المخالف فلان الفلاني وكيل نيابة.. فلم يتراجع مدير الأمن وأصر علي سحب الرخصة، وما إن وصل مدير الأمن الي مكتبه حتي وجد استدعاء من النيابة العامة، فرفض الرجل الذهاب للنيابة لأنه لم يخطئ ونفذ القانون وفي اليوم الثالث فوجئ مدير الأمن بطلب ضبط وإحضار من النيابة العامة بحجة أن سيادته أهان وكيل نيابة.. يعني أن النيابة العامة ستحضره ولو من قفاه لا مؤاخذة!! وكانت مشكلة كبري لولا حكمة شيوخ القضاء واعتذار قيادات الداخلية عن الخطأ الشنيع الذي ارتكبه مدير الأمن في حق صاحب السعادة والحصانة وكيل النيابة الشاب المخالف!! والآن تتكرر نفس الحوادث في أماكن أخري في الجيزة وفي الغربية وفي ساقلتة حتي زادت علي حدها وللأسف كل طرف من الأطراف ينحاز له أهله وعشريته وزملائه انتصارا للنزعة القبلية أو تطبيقا خاطئا للحديث النبوي «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» وهنا لابد أن نؤكد لكل صاحب حصانة برلماني أو قضائي أو شرطي يا سيدي الحصانة لم تمنح لجنابك من أجل سواد عيونك ولكن حتي تكون مستقلا وبعيدا عن أي تأثير.. يعني هي لمصلحة الشعب وليست سيفا تشهره سعادتك في وجه كل من يسألك عن إثبات وظيفتك أو هويتك فإنني رجل قانون.. وينبغي أن تكون أكثر الناس احتراما له وحرصا عليه.. فكلنا ولاد تسعة ولا إيه!