السيد وزير التربية والتعليم أصدر قراراً (بجرة قلم)، بدون قانون أو دستور، أو موافقة كبير أو صغير، ودون احترام حتي لحقوق الإنسان، بتحصيل رسم علي كل كتاب دراسي خارجي، مقابل (الانتفاع بالملكية الفكرية للمادة العلمية )... وهذا الرسم كبير....جداً.... ولقد طرحت كلمة كبير جداً هذه علي أكثر من مائة شخص، من المثقفين والمتخصصين والعامة في الشارع، وطلبت منهم وضع توقعاتهم لتلك الرسوم، من منطلق أنها كبيرة جداً، ومجنونة جداً أيضاً، فأجاب كل منهم بأرقام تبدو من وجهة نظره مجنونة ومبالغة للغاية، مع الوضع في اعتبارهم الهوس غير الطبيعي لسيادته بالسلطة وإصدار القرارات، وتراوحت أرقامهم بين العشرة آلاف جنيه، والثلاثين ألف جنيه كرسوم استخراج ترخيص النشر للكتاب الواحد، وبعدها ألقيت عليهم الأرقام الفعلية، وسجلت وجهات نظرهم وانطباعاتهم، التي ستشعرون بها، مع معرفة مدي ما بلغه سيادته من تجاوز... لقد طلب سيادته رسوماً تتراوح بين أربعمائة ألف، إلي مليونين ومائتين وخمسة وعشرين ألف جنيه، للكتاب الواحد.... راجعوا الأرقام التي أذهلتكم أولاً، قبل أن تنفجروا بالضحك، كما فعل البعض، أو تخرج منكم كلمات يعاقب عليها القانون، كما فعل البعض الثاني، أو تربطوا هذا بوالده، وأيضاً بما يعاقب عليه القانون، كما فعل البعض الثالث، الذي انفعل في شدة... والوزير، الذي يعد أسوأ من تولي منصب الوزارة، منذ عهد التاريخ المطبوع، في تجاوزه كل الأعراف والقوانين والآداب والدساتير، ومواثيق حقوق الإنسان، علي نحو يوحي إليك بأنه لا يعترف بكل هذا، أو بأن سيادته يحتاج إلي درس خصوصي، في حدود سلطات أي وزير، أو إلي كتاب خارجي، في السياسة وحقوق الإنسان، طلب هذه الرسوم باعتبار أن وزارته صاحبة الملكية الفكرية لما تنشره في كتبها، ربما لأنه لم يستشر أي محامٍ محترم، قبل أن يصدر قراره، أو حتي الأستاذ دسوقي الوكيل بتاعه، لأن الأستاذ دسوقي وكيل المحامي، كان سيخبره أن أبسط بنود قانون الملكية الفكرية، لا يمنح الناشر ذرة واحدة من الملكية الفكرية لما ينشره، بل إن هناك جريمة في القانون، تسمي بجريمة الاعتداء علي حق الملكية الفكرية، إذا ما حاول شخص ما أن ينسب لنفسه الملكية الفكرية لأمور لم يبتكرها أو يسجلها باسمه، ولو حاول تسجيلها، وهي منسوبة فعلياً لآخرين..... والأستاذ دسوقي وكيل المحامي، كان سيخبر سيادته أنه لو طالب بحقوق الملكية الفكرية، دون أن يمتلكها فعلياً، فكل متضرِّر من هذا يمكنه أن يقاضيه بتهمة الاعتداء علي حقوق الملكية الفكرية، ولكن سيادته يحتاج إلي كتاب سلاح الوزير، ليعلِّمه الكثير والكثير، قبل أن يرتكب ما هو أكثر وأكثر.... والدرس الأوًَّل، الذي ينبغي أن يتعلمه سيادته، هو أنه مجرًَّد وزير، في دولة لها قانون ودستور، ومحاكم، وجمعيات حقوقية محلية، ذات ارتباط وثيق بالجمعيات الحقوقية العالمية، وأن قراراته ذات صلاحيات محددة، ومخالفاته تخضع للقانون، كما يخضع له أي مواطن، وأنه ليس إمبراطورا أو طاغية، وأن له رئيس وزراء ورئيس جمهورية، وإللي مالوش كبير يدوًَّر له علي كبير.... والدرس الثاني والأهم، هو أننا لسنا شعباً ملطشة، كل من هبًَّ ودبًَّ من حقه أن يصدر فيه وضده قرارات برسوم، لأن القانون لا يفرض رسوماً، إلا من خلال قنوات شرعية، يصر جنابه الإمبراطوري علي تجاهلها كلها، باعتبار أنه سلطة تفوق كل سلطة في مصر، حتي سلطة الرئيس نفسه... وقرار جنابه الإمبراطوري، المخالف لكل القوانين، ليس مجرًَّد مواجهة بينه وبين الكتب الدراسية الخارجية، والتي لن تستثني الجمعيات الحقوقية العالمية أصحابها، من اعتبارهم بشراً أصحاب حقوق، ولكنها سابقة سياسية شديدة الخطورة، وذات تداعيات مدمِّرة، لو تم تجاوزها، لقلبت معايير السياسة المصرية رأساً علي عقب، ولحوًَّلت هذا الشعب المسكين إلي شعب مصطلي ويلات الجحيم في الدنيا ؛ فالقرار يعني - كسابقة مرعبة - أنه من حق أي وزير أن يفرض علي أية جهة، أي مقدار من الرسوم (المجنونة)، تحت أي مسمي كان، دون ضابط أو رابط... وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهه شعب، حتي ولو كان في دولة تتنفس الديكتاتورية والطغيان مع كل نسمة هواء... فلو أقر هذا المبدأ، أو تم تجاوزه، فسيطلق هذا موجة من الإرهاب السياسي في الدولة كلها، وسيتسابق الوزراء لإثبات ولائهم للنظام (وليس للشعب) طبعاً، وسيحاولون إسعاد السيد الرئيس، بجباية أكبر قدر ممكن من الرسوم (المخبولة)، من كل الجهات، تحت كل المسميات، ودون قانون أو دستور.... وإن لم يتضح لكم بعد مدي خطورة هذا، فدعونا ننظر إليه من وجهة نظر مستقبلية، بافتراض أن تلك الرسوم (المخبولة) قد مرًَّت دون حساب، علي الرغم من مخالفتها كل القوانين.... تعالوا نتخيًَّل وزير السياحة، وقد راقت له الفكرة، ووجد أن جناب إمبراطور التعليم الطاغية قد جمع برسومه أموالاً من جهة ما، باعتبار أن أصحابها يربحون، علي الرغم من أنهم يدفعون الضرائب علي أرباحهم، وعلي الرغم من أن أرباحهم، في عشرة أعوام، لن تبلغ نصف ما يطلبه جنابه الإمبراطوري ال (.....)... وزير السياحة سيري أن الفنادق والمطاعم تربح، ولن يعنيه أنها تدفع ضرائب أرباحها للدولة، وسيفرض - بجرة قلم - رسوماً قدرها مليون جنيه، علي كل فندق ومطعم سياحي، تحت مسمي تنمية السياحة... ثم سيأتي وزير الطيران، ويري أن كل من يسافر خارج البلاد شخص مقتدر، فيفرض علي سفره رسوماً - بجرة قلم برضه - قدرها عشرين ألف جنيه علي المسافر الواحد... وزير الداخلية أيضاً ستروق له اللعبة، خاصة أن لديه إدارة مرور، ترخص أو تجدِّد التراخيص لآلاف السيارات في كل يوم، ومادامت العملية سبهللة، لا ضابط لها ولا رابط، فليفرض رسوماً - بجرة قلم - علي تجديد كل سيارة، مقدارها خمسة آلاف جنيه للسيارة الواحدة ( وطظ بقي في الدولة وكبيرها ومجلس شعبها وشورتها )..... ولكن سيارات التاكسي أيضاً تربح، فلماذا لا يتم فرض رسوم سنوية مقدارها خمسة آلاف جنيه إضافية، علي السيارة الواحدة، مادامت العملية كلها بجرة قلم؟! ثم لماذا تبذل الدولة جهوداً، وتعقد اجتماعات، من أجل زيادة سعر البنزين أو السولار؟!... إنه قرار - بجرة قلم - بفرض رسوم مقدارها ثلاثة جنيهات علي سعر لتر البنزين، وجنيهاً علي لتر السولار... ماهي فوضي بقي وبلد بايظة.... والمدارس والجامعات الخاصة أيضاً تربح، فلنفرض عليها رسوما - بجرة قلم - بالملايين... ومحال السوبر ماركت، تربح أيضاً، وتستخدم أطعمة ومشروبات ومعلبات وبقوليات، فليفرض عليها وزير التضامن الاجتماعي إذن رسوماً - بجرة قلم - مقدارها مائة ألف جنيه في العام الواحد، وليس المهم بعدها أن ترتفع أسعار السلع، أو يجوع المواطنون، المهم أن جنابه الإمبراطوري راضٍ وسعيد، ويضحك ضحكات دراكيولا ؛ لأنه امتلك سلطة، تبيح له تخطي كل شيء وأي شيء... باختصار، لو أننا تجاوزنا ذلك المرسوم الإمبراطوري المختل، فسيرتفع سعر السكر والزيت والصابون، بعد أقل من عام واحد، ارتفاعات خرافية، لا قبل للمواطنين بها.... قرار من وزير تعليم، يرفع أسعار السلع....تداعٍ طبيعي لقرار يفتقر إلي الحكمة والقانونية والعقل، خاصة أن أحد أهم نتائجه أن تتوقًَّف صناعات كبري، من هول الرسوم المفروضة عليها، فتتضاعف نسب البطالة، وتقل - بشدة - حصيلة الضرائب، وتخسر الدولة الجلد والسقط... ومن المؤكد، لأن سيادته لم يستعن بسلاح الوزير في المواد السياسية، أنه لم يسأل نفسه: لماذا كانت كل هذه المحاورات والمناورات، والمناقشات والمجادلات حول قانون الضريبة العقارية ونسبه، ولماذا كل هذه الجلسات في مجلس الشعب لإقرار بنوده، مادامت العملية سايبة وسبهللة، والبلد ليس لها صاحب أو حاكم، أو رئيس، أو مجلس شعب قوي، يمكنه أن يحاسب أي وزير علي تجاوزاته؟!...لماذا لم يصدر وزير المالية قراراً - بجرة قلم - بفرض رسوم (هبلة) علي العقارات وخلصنا؟!.. أي وزير لم يفعل هذا ، لأنه وزير عاقل حكيم سياسي، لم يتعلًَّم في دنيا البلطجة، ولم يترب علي نظام طظ في الكل، واضرب الكبير بالشلوت يطلع له في قفاه كتكوت.... أي وزير لم يقدم علي هذه الحماقة من قبل ؛ لأن أصغر وزير في الوزارة يدرك أنه وزير في حكومة عيًَّنها رئيس دولة، له سلطات واسعة، لا ينبغي لموظف عنده أن يتجاوزها، أو يتكبَّر عليه نفسه.... أي وزير لم يفعل هذا ؛ لأن كل الوزراء درسوا سلاح الوزير، ويدركون أن هناك قانوناً يحكمهم، وأنهم ليسوا في دولة يحكمها حاكم ضعيف، حتي يتجاوزوه علي هذا النحو السافر ال (.....).. المشكلة أن سيادته تربية أمنية، كانت تعتمد في تاريخها علي سلاطة اللسان وعنف التعامل، والنظر إلي الجميع من أعلي، باعتبار أنهم آلهة، ومن حولهم عبيد، حتي أسيادهم، ولقد تم تعيين سيادته، ليس لأنه مناسب لمنصبه، ولكن لأنه ابن جناب إمبراطور سابق، تم عزله بسبب خطبة، استخدم فيها لسانه في غير الاستخدام السياسي... وهذه قضية أكثر خطورة...كيف يتم اختيار الوزراء؟!...أمن منطلق الخبرة، أم الثقة...أم الود والجدعنة؟!... القرار الإمبراطوري الديكتاتوري لسيادته يضعنا أمام أخطر سؤال في هذه الحقبة: أنحن في عصر سيادة القانون، أم في عصر سيادة الوزير، الذي لا يهمه قانون، ولا دستور، ولا ميثاق حقوق إنسان، ولا شعب، ولا مجلس شعب، ولا رياسة وزراء، ولا حتي رياسة جمهورية؟! هل صار سيادته هو الرجل رقم واحد في مصر، حتي يضرب كل شيء بالشلوت علي هذا النحو، دون ضابط أو رابط؟!!! ولو أنه رقم واحد، فماذا يصبح رئيس الوزراء، وماذا يصبح حسني مبارك نفسه... رقم اثنين؟!... القرار أيها السادة ليس خاصاً بكتب دراسية خارجية علي الرغم من أن أصحابها لهم كل الحقوق الآدمية، ويحق لهم مقاضاة الوزير شخصياً علي الكثير.... القرار أيها السادة هو تحوًَّل بالغ الخطورة في التاريخ السياسي لمصر كلها، وسابقة تداعيات مهولة، لو نظرنا إليها كما هي في الواقع، ولو رأيناها بمنظور شامل، وليس بمنظور محدود، كما يراه جنابه الإمبراطوري.... وإذا كان جنابه يحلم بتولِّي وزارة الدرك، فقد نجح بالفعل في تحقيق نصف حلمه، إذ هبط بكرامة وهيبة الوزارة إلي الدرك.... الأسفل...