يوجد ارتباط وثيق بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية، فالدولة تكون قوية ومؤثرة في السياسة الخارجية بمقدار قوتها في الداخل، أي بمحصلة عناصر القوة الشاملة الاقتصادية والعسكرية والديموجرافية والاستراتيجية، فكلما تزايدت عناصر هذه القوة في الداخل أصبحت الدولة أكثر استقلالية وأكثر قدرة على التأثير في محيطها الإقليمي وعلى المستوى الدولي، وبنفس المنطق فإن السياسة الخارجية تكون ناجحة بقدر تأثيرها في الداخل أي بمقدار ما تطرحه من آثار إيجابية يشعر بها المواطن ويشعر بتحسن مستواه المعيشي وهو ما يتحقق من خلال قدرة السياسة الخارجية الناجحة على تحقيق تقارب مع الأطراف الدولية المختلفة وما يترتب على ذلك من دفع عملية التنمية واجتذاب الاستثمارات وإقامة المشروعات الحيوية في مختلف المجالات، مع ملاحظة أن لعنصر الزمن أهميته القصوى في هذا الإطار، ذلك أنه بالإضافة إلى التحدي الذي تمثله التنمية في حد ذاتها، فإن التحدي الآخر شديد الأهمية هو تحدي الزمن، أي ما هي الفترة الزمنية التي يتم خلالها تحقيق التنمية، ومن المرغوب فيه في جميع الأحوال تقليل هذه الفترة الزمنية لسرعة الاستفادة من عوائد وثمار التنمية. ويوضح ذلك مدى الارتباط الوثيق بين السياسة الخارجية والسياسة والأوضاع الداخلية وإن هناك علاقة تأثر وتأثير متبادل بينهما، ويتضح ذلك على سبيل المثال في الزيارة التي قام بها الرئيس للصين والتي سبقتها زيارات أخرى لروسيا وإيطاليا وفرنسا والأردن، فضلاً عن لقاءات مع رؤساء وقادة اليونان وقبرص، بالإضافة إلى لقاءات متعددة مع رؤساء وزعماء ورؤساء وزارات بمناسبة إلقاء خطاب مصر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف 2014، وأيضا ما يمكن أن يستجد من زيارات ومباحثات في المستقبل مع رؤساء وقادة دول آخرين، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الأساسية التالية:- الملاحظة الأولى: إن هذه الزيارات واللقاءات تأتي في إطار ما يطلق عليه «دبلوماسية القمة» أي دبلوماسية القادة والزعماء ورؤساء الدول ويتسم هذا النمط من الدبلوماسية وهو من الأنماط المستحدثة بأهمية الموضوعات والقضايا التي يتم بحثها في هذه اللقاءات، فضلاً عن السرعة في اتخاذ القرارات وعقد الاتفاقات بالإضافة إلى سرعة التنفيذ ولذلك يمكن أن يشعر المواطن بآثار هذه اللقاءات على مستوى القمة وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً. الملاحظة الثانية: إن السياسة الخارجية المصرية بدأت تتجه نحو مزيد من التوازن والاستقلالية والمرونة في الحركة نتيجة تعددية المحاور التي تتحرك خلالها، فمن الملاحظ أن مصر اتجهت في الآونة الأخيرة إلى اتباع سياسة نشطة تجاه المنطقة العربية سواء في المشرق العربي أو في المغرب العربي أو دول الجوار والخليج العربي وبحيث أصبح الأمن القومي المصري مرتبطاً ارتباطاً شديداً بالأمن القومي العربي، كما اتجهت السياسة الخارجية المصرية أيضا نحو الجنوب أي نحو القارة الأفريقية ذات الأهمية الحيوية لمصر والتي ينبع منها نهر النيل العظيم شريان الحياة لمصر منذ فجر التاريخ، كذلك اتجهت مصر في سياستها الخارجية نحو الشرق أي نحو القارة الآسيوية بعد عقود من الزمان كان العالم فيها بالنسبة لمصر يكاد يقتصر على الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية، وفي هذا الإطار أي التوجه نحو الشرق يمكن فهم أهمية زيارة روسيا وأهمية زيارة الصين وخصوصا بعد أن تم الاتفاق خلال زيارة الصين على أن تصبح العلاقة بين مصر والصين علاقة استراتيجية وهو ما يعني تكثيف التعاون في المجالات المختلفة المهمة والمشروعات التنموية والكهرباء ووسائل المواصلات والتكنولوجيا والطاقة والبحث العلمي وغيرها من المجالات، حيث تم التوقيع خلال هذه الزيارة على قرابة 30 اتفاقية. الملاحظة الثالثة: إن هذه الاتفاقات التي تم توقيعها مع الصين في إطار الشراكة الاستراتيجية يتوقع أن يشعر المواطن المصري بآثارها الإيجابية خلال المديين القصير والمتوسط مما يحقق دفع التنمية مع في مصر مع الأخذ في الاعتبار تحدي الزمن والذي سبقت الإشارة إليه، كذلك قد يكون من المفيد الاستفادة من خبرة الصين ذات الكثافة السكانية الكبيرة والتي تصل إلى قرابة 1.5 مليار نسمة في مجال المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وذلك للاستفادة من المورد الذي تتمتع فيه مصر بوفرة نسبية وهو المورد البشري مما يساعد على القضاء على البطالة وخصوصا البطالة لدى الشباب، كذلك قد يكون من المفيد في المستقبل المنظور الانفتاح على قوى آسيوية إضافية ويقصد بذلك بصفة خاصة اليابان والتي استطاعت تحقيق انجازات مهمة في مجال الصناعة والتكنولوجيا المتطورة بالإضافة إلى دول النمور الآسيوية والتي لديها تجارب مهمة في التنمية الاقتصادية رغم ضعف الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى التنمية السياسية والتحول الديمقراطي مع الحفاظ على الهوية وعلى الاستقرار السياسي وهو ما يمكن أن تستفيد منه مصر وهي تتجه نحو التنمية السياسية والاقتصادية وبحيث تطرح السياسة الخارجية المصرية تأثيرها الإيجابي والمستمر على الأوضاع الداخلية. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة