لماذا اختارت أمريكا«قطر» لأداء دور فى تنفيذ الخطط الأمريكية؟ دور قناة الجزيرة فى مراحل التمهيد والتنفيذ للمخطط الأمريكى شغلت قناة الجزيرة منذ إطلاقها الجماهير العربية عامة والإعلاميين والمثقفين بشكل خاص الجميع رحب بهذا الصوت الذى كسر أسوار التعتيم الإعلامى العاتية التى أقامتها أنظمة حكم قمعية. وتفجرت ثورات الربيع العربى، وبادرت الجزيرة بتقديم الدعم الإعلامى لهذه الثورات فى بداياتها ورحبت الجماهير بهذا الدعم، وقفزت إلى مواقع السلطة جماعات الإسلام السياسى وحشدت الجزيرة قوتها لدعم هذه الأنظمة الجديدة. وعندما فشلت هذه الأنظمة المتشحة بالإسلام وثارت عليها الجماهير التى أرادت لثوراتها أن تسير فى طريق عصرى ديمقراطى يختلف مع الأنظمة المتشحة بالإسلام، كشرت الجزيرة عن أنيابها وبدأت توجه قذائفها لجميع الفصائل السياسية الرافضة لأنظمة الحكم الرافعة لشعارات إسلامية واتخذت الجماهير والإعلاميون والمثقفون مواقف متباينة من هذه القناة، الأغلبية الساحقة أدانت ممارساتها التى كشفت عن زيف الادعاء بالموضوعية والمهنية، وبطبيعة الحال رحبت جماعات الإسلام السياسى بتوجهات قنوات الجزيرة. وتبادل الطرفان العبارات الحادة والاتهامات التى تصل إلى حد الخيانة، وفضل فريق من الإعلاميين والمثقفين أن يتناولوا الأمر برؤية موضوعية تستند إلى شواهد وقرائن ترقى إلى مستوى المعلومات الموثوقة، واستناداً إلى هذه القرائن رأى هؤلاء الإعلاميون أن قناة الجزيرة مشروع أمريكى يمثل حلقة فى الخطة الصهيوأمريكية لإعادة تشكيل دول المنطقة العربية وبشكل خاص الدول التى تملك قوة عسكرية عصرية قادرة على مواجهة أى اعتداء على أراضى هذه الدول وفى مقدمة هذه الدول مصر والعراق وسوريا والدول التى تملك ثروات طبيعية وخاصة البترول والغاز ومن أهمها ليبيا والجزائر، والدول التى تتحكم فى مواقع استراتيجية مثل اليمن والصومال، وتعتمد الخطة الأمريكية على وجود قوة إعلامية مؤثرة تمهد لتقبل شعوب المنطقة للخطة الأمريكية مع وجود قواعد أمريكية قوية تستطيع عند الحاجة التحرك بسرعة لتنفيذ المهام التى يتطلبها تنفيذ هذه الخطة. الصفقة الأمريكية - القطرية استعرضت مؤسسات صنع القرار فى أمريكا الجهات العربية والمواقع التى تصلح للمشاركة فى تنفيذ هذه الخطة واستقر الرأى على اختيار إمارة قطر كأفضل خيار لتنفيذ شقى الخطة العسكرية بإقامة قاعدة أمريكية عسكرية للقوات البرية والجوية، ولإطلاق صوت إعلامى يستطيع أن يؤدى المهمة المطلوبة منه، ويبدو أن مبررات هذا الاختيار أقنعت الإدارة الأمريكية لتبدأ فوراً فى التنفيذ وبإطلالة سريعة على هذه المبررات نستطيع أن نفسر مواقف إمارة قطر منذ بدأت أمريكاوقطر الخطوات التنفيذية للخطة الصهيوأمريكية، والتى بدأت بانقلاب الشيخ حمد بن خليفة على والده الشيخ خليفة آل ثانى. 1 - كان الانقلاب الذى أطاح بأمير قطر الشيخ خليفة آل ثانى والذى نصب ابنه الشيخ حمد بن خليفة أميراً للبلاد وكان هذا الانقلاب ضرورة ليتولى الحكم شخص يقبل بتنفيذ المخطط الأمريكى، لأن الشيخ خليفة الذى أطاح به الانقلاب كان يرفض بحسم إقحام قطر فى أية صراعات عربية أو إقليمية وكان يرفض بإصرار عنيد القبول بإقامة قواعد أمريكية فى قطر. خطط للانقلاب وأداره رجل أمريكا القوى فى قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر وزير الخارجية. 2 - تضمنت الصفقة التى رعاها وزير الخارجية القطرى الشيخ حمد بن جاسم، تعهداً أمريكياً صريحاً وواضحاً بحماية الانقلاب الذى جاء بالشيخ حمدبن خليفة أميراً للبلاد، وكان الشيخ خليفة الأمير الذى أطاح به الانقلاب يجمع أنصاره ويحشدهم للإطاحة بابنه الشيخ حمد الذى تولى الإمارة بانقلابه العسكرى، وحدث بالفعل أن حاول الأمير الأب أن يقتحم بأنصاره حدود قطر انطلاقاً من أراضى الإمارات العربية المتحدة إلا أن أمريكا وظفت كل طاقاتها المخابراتية والعسكرية والسياسية لإجهاض محاولة الشيخ خليفة، وكانت هذه الحادثة سنداً قوياً لمنح وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم السلطة المطلقة لينفذ السياسات التى يريدها والتى تتطابق مع وجهة النظر الأمريكية. 3 - وقعت قطر مع أمريكا فى إطار هذه الصفقة معاهدة دفاع مشترك سمحت لأمريكا بإقامة أهم وأكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتحقق هذه القاعدة العسكرية لأمريكا مزايا بغير حدود. أ - وجود عسكرى برى قوى على مشارف وسط آسيا وتستطيع أمريكا من هذه القاعدة مراقبة القوى المعادية (إيران) والقوى المشتبكة معها فى صراع عسكرى مباشر (أفغانستان) والقوى التى تنمو اقتصادياً وعسكرياً بسرعة مذهلة تؤهلها لأن تكون قوى عظمى فى المستقبل المنظور (الصين والهند). ب - تستطيع أمريكا أن تحرك قواتها من هذه القاعدة بحرية كاملة لتنفيذ أى مهام، وكانت أمريكا تعانى من قيود ثقيلة تفرضها السعودية والكويت والبحرين والإمارات على أية تحركات عسكرية أمريكية خاصة لو أن هذه التحركات تتم لضرب بلاد إسلامية. 4 - تصدى الرجل القوى فى قطر فى هذه المرحلة لإطلاق فضائية تنفذ بحرفية عالية مخططاً يمهد لتمكين أمريكا من تنفيذ مخططها الذى أشرت إليه، وبدأ هذا الصوت الإعلامى منذ بدء البث يوجه انتقاداته العنيفة لأنظمة الحكم القمعية العربية، واستقبلتها الجماهير العربية التى تحاصرها هذه الأنظمة بقسوة بدأت ترى فى هذا الصوت «الجزيرة» صوتاً يعوضها عن غياب الصوت القادر على المعارضة من الداخل لقوة بطش هذه الأنظمة، ويبدو أن المخطط الأمريكى رسم بدقة لقناة الجزيرة أسلوب التنفيذ بطريقة كسبت بها ثقة الجماهير العربية التى رأت فيما تقدمه من نقد حاد لأنظمة الحكم القمعية واستضافة رموز المعارضة المحرومة من أى ظهور أو نشاط داخل بلادها، رأت الجماهير العربية فى هذا الخطاب الإعلامى للجزيرة الملاذ ونافذة الحرية التى تمكنها من معرفة الكثير من مثالب وأخطاء الحكام الطغاة. دور الجزيرة فى الخطة الأمريكية وتحقق أمريكا مكاسب مركبة من مثل هذا الخطاب ومنها: أ - التلويح للأنظمة الاستبدادية بمزيد من الهجوم حتى تقدم هذه الأنظمة المزيد من التنازلات التى تطلبها أمريكا وفى مختلف المجالات ومن أهمها التطبيع مع إسرائيل. ب - الاستمرار فى تزويد الجماهير العربية بشحنات من التعصب ضد أنظمة الحكم هذه تمهيداً لتغيير تريده أمريكا وترى أنه التغيير الذى يحقق لها مكاسب ويمكنها من تنفيذ مخططها الأصلى بإعادة رسم خريطة المنطقة، وأصبح هذا المخطط معروفاً بعد أن كشفت بعض الوثائق التى تم الإفراج عنها مؤخراً، وأبرز ما تضمنه المخطط اقتناع أمريكا أن تولى جماعات الإسلام السياسى للحكم فى هذه البلاد العربية هو الطريق الذى يضمن تحقيق المخططات الأمريكية دون مقاومة شعبية كبيرة، بل وباقتناع الجماهير التى تؤازر أو تتعاطف مع جماعات الإسلام السياسى. ج - بعد سقوط الأنظمة القمعية كرست الجزيرة كل إمكاناتها لدعم أنظمة الحكم التى ترفع الشعارات الإسلامية والتى تتصور أمريكا أنها المؤهلة لتنفيذ مخططات إعادة رسم خريطة المنطقة بقبول جماهيرى. د - بعد أن أزاحت الجماهير الجماعات الإسلامية من مواقع السلطة وبالذات فى مصر اتخذت الإدارة الأمريكية موقعاً عدائياً عنيفاً من السلطة الجديدة فى مصر. وبدأت «الجزيرة» فى أداء دورها باعتبارها الصوت الأمريكى بلسان عربى فكرست كل جهدها للهجوم بعنف على القيادات المصرية الجديدة، وتفعل الآن نفس الشىء بالنسبة للقيادات الجديدة فى تونس والتى أزاحت قوى الإسلام السياسى، وتحاول بإصرار دعم هذه الجماعات فى ليبيا وتهاجم بشراسة القوى المناهضة لجماعات الإسلام السياسى فى شرق ليبيا، بهذه المواقف كشفت «الجزيرة» بوضوح عن طبيعتها بصوت أمريكى بلسان عربى مسخر للترويج ودعم المخطط الصهيوأمريكى لإعادة رسم خريطة المنطقة وتنصيب قوى الإسلام السياسى على الكيانات التى ستحددها الخريطة الجديدة. وتستطيع إسرائيل فى هذه الحالة - التى تمنت أمريكا وإسرائيل تحقيقها - تستطيع إسرائيل أن تبرر مسعاها المرفوض تماماً بمنطق العصر وهو إنشاء دولة عنصرية يهودية، فوجود دول ترفع شعارات دينية إسلامية سيكون الحجة الأقوى لقيام دولة عنصرية تستند إلى الديانة اليهودية. ولا أبالغ إذا قلت إن هذه المواقف لقناة الجزيرة قد أفقدتها البريق الذى صاحب بداياتها، ودفعتها إلى التردى فى أخطاء مهنية قاتلة أفقدتها ثقة الجماهير العربية، هذه الثقة التى منحتها المنزلة التى تمتعت بها لسنوات ومنحتها مع الثقة نفوذاً قوياً، كل هذا البريق وتلك الثقة أضاعتهما الجزيرة بأدائها الذى أهدر كل القواعد المهنية المحترمة.