تأتى زيارة الرئيس السيسى إلى الصين فى إطار الجهود الرامية إلى تحرير القرار المصري، وتحقيق الانفتاح المتوازن على القوى الدولية المختلفة، كسبيل وحيد لدفع الدور المصرى إلى موقعه المستحق على الساحة الإقليمية والدولية. فى هذا السياق ينبغى اللجوء إلى نظرة موضوعية تتيح قدرًا أكبر من الرؤية المستندة إلى طبيعة العلاقات الدولية المعاصرة، وكيف أنها ترتكز على المصالح المشتركة، دون اعتبار للكثير مما تزدحم به الأدبيات الرائجة إعلاميًا فى الساحة الداخلية توصيفًا لعلاقات مصر مع الكثير من أطراف الأسرة الدولية. فليس من شك أن السياسة الخارجية تصنع أولًا فى الداخل؛ ومن ثم فأفق ومقومات وعناصر السياسة الخارجية المصرية، كلها مفردات لا يمكن عزلها عن تفاصيل العملية السياسية فى مصر، ومدى نجاحها فى التحول الديمقراطى المنوط به تجسيد الإرادة الشعبية الحرة التى عبرت عنها الثورة المصرية فى يناير، وأكدت عليها ثورة الثلاثين من يونية. ففى إطار الاندماج فى المنظومة الدولية ينبغى قبول المعطيات التى أفرزتها مرحلة النظام العالمى الجديد، الذى تجسده زعامة الولاياتالمتحدة للنظام العالمي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتى فى مطلع التسعينات من القرن الماضي. فقد باتت تحكم العلاقات الدولية منظومة من القيم العالمية، لا يمكن مواجهتها بكثير من الخيارات، ولا ينبغى التراخى فى التأكيد على أولويتها فى أجندة العمل الوطنى للدولة المصرية الجديدة، خاصة وقد ألحقناها وصفًا «بالديمقراطية الحديثة». على خلفية ذلك، يمكن رصد تصريحات الرئيس السيسي، خاصة بعد لقاءاته مع أطراف المجتمع الدولى وممثلى الإعلام الدولي، وما بها من مضامين تؤكد حتمية إجراء الانتخابات البرلمانية فى «موعدها»، مع توفير الدولة لكافة ضمانات نزاهة العملية الانتخابية. وربما غاب ذلك الأمر عن دعاة تأجيل الانتخابات، بل والبعض منهم ذهب إلى حد أنها أمر «مكلف» ولا طائل من ورائه استنادًا إلى شعبية الرئيس السيسي!، ما مثل أحد أوجه الخطاب الهزلى الداعى فى حقيقته إلى «تكريس» منهج نظام مبارك الفاسد، فى استبعاده وتزييفه للإرادة الشعبية، مع ما فى ذلك من تملق واضح لمؤسسة الرئاسة، هو أيضًا قاسم مشترك آخر يجمع ما بين المشهد الحالى وعهد مبارك المستبد. والواقع أن قدرة مصر على بلوغ موقعها المستحق على الساحة الإقليمية والدولية، يظل رهنًا بقدرتها على إعلاء شأن ما تمتلكه من عناصر القوة الشاملة، وبقدر نجاحها فى إصلاح أوجه الخلل فى هيكل القوة الشاملة المصرية، وهى مفردات كثيرة، لها طرق ومعايير لحسابها متفق عليها دوليًا، ولا تقبل اجتهادات أهل الهوى. ولعل رغبة فى استلهام التجربة الصينية، لا تدفع بنا باتجاه نلتقى فيه بقيم ومبادئ الثورة، وما تقرره من ضرورة التحول الديمقراطي؛ ذلك أن للصين خصوصية ربما لم تتوفر فى غيرها من التجارب؛ ففى التجربة الصينية إعلاء لشأن العنصر الاقتصادى فى هيكل القوة الشاملة للدولة، سحبًا من الرصيد السياسي، وهو أمر بالقطع لا يتفق وروح «الثورة الشعبية» من جهة، كما أنه يستند، فى التجربة الصينية، إلى تراكم اقتصادى لا يمكن مجاراته عمقًا وأثرًا فى منظومة القوة الشاملة للدولة المصرية. ومن هنا أجدر بنا التأكيد على «القوة الجديدة» التى أفرزتها الثورة المصرية، فى يناير ويونية على التوالي، والممثلة فى «القوة السياسية»، وما تضمه من محتوى ديمقراطي، تعبر عنه تعددية سياسية حقيقية وجادة، ما يمكن أن ينتج عنه مردود سريع، يدفع قاطرة التنمية الشاملة للوطن إلى آفاق بعيدة، فى ظل خصوصية التحديات والمخاطر المحيطة بالأمن القومى لمصر، والتى لا تحتمل تراجع دور «القوة السياسية» على مقياس القوة الشاملة لمصر. «الوفد»