لا شك أن البيئة السياسية والمجتمعية التي أفرزت دستور 2013 تمثل مرتكزاً أساسياً يمكن من خلاله التأكيد علي انحيازه للمصالح الوطنية العليا، دون اعتبار لمكاسب فئوية أو حزبية، وهو أمر يرسخ من أقدام المسيرة الوطنية نحو إرساء دعائم الدولة الحديثة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً. فقد عاني الوطن والمواطن من دستور 2012 الذي وضع في ظل بيئة تموج بأيديولوجيات تصطدم بمفهوم الدولة؛ ومن ثم شاعت ممارسات اتخذت الكثير من المواقف العدائية تجاه المصالح الوطنية العليا، إلي حد «التغاضي» عن وجود منطلقات فكرية يمكن من خلالها تمرير سياسات تستبيح مقدرات الوطن وسلامة أراضيه. ولعل أهم متغيرات المرحلة الراهنة تتجسد فيما اتسمت به البيئة السياسية والمجتمعية التي أفرزت دستورنا الجديد، فاعتلت المسئولية الوطنية آفاق العمل الوطني، وتراجعت كثير من الممارسات التي خرجت الملايين في الثلاثين من يونيه لإقصائها بعيداً عن المسار الثوري. ففي ظل رغبة جماعة الإخوان في الاستئثار بالقضايا الوطنية الأساسية، وأهمها وضع الدستور، كان حرص الجماعة شديداً علي أن يأتي دستور 2012 «آخراً» بعد إحكام السيطرة علي السلطتين التشريعية والتنفيذية من قبل أنصار الجماعة، في حين توافقت القوى السياسية والمجتمعية بعد الثلاثين من يونيه علي أن يأتي الدستور «أولاً»، بوصفه ملكاً للجميع، لا ينبغي أن يندرج في عباءة الممارسات السياسية، وما تخفيه في طياتها من مزايدات لا تبتغي تجسيد الإرادة الشعبية الحقيقية. وقد كان توجه الجماعة منافياً للمنطق السياسي الراسخ في كثير من عمليات التحول الديمقراطي التي عرفتها تجارب دولية عديدة؛ ذلك أن الدستور بوصفه العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة، بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، لا ينبغي أن يحل علينا ضيفاً لا يملك من أمرنا شيئا، في حين أنه منوط به التأسيس لكافة السلطات، وتحديد اختصاصاتها وعلاقاتها بعضها ببعض، بل يمتد الدستور إلي كونه الإطار الحاكم لتوجهات المجتمع بشكل عام، ومن هنا كان بديهياً أن يأتي الدستور «أولاً» لتتوافق معه كافة خطواتنا القادمة علي طريق تحقيق طموحات الثورة المصرية المجيدة. ولا شك أن في دستور 2013، بما يتضمنه من مواد تنتصر للمواطن، ما ينبغي أن يدفع بجهود القائمين علي إدارة شئون الدولة، بعد إقرار كافة المكونات الدستورية، إلي إجراء كثير من التطوير علي طبيعة العلاقة بين المواطن وأجهزة الدولة علي اختلافها، الأمر الذي من شأنه إعلاء روح الانتماء الوطني، وفض كثير من المنازعات التي لا طائل من ورائها، مع ما تخلفه من جهود وأموال مُهدرة. ويأتي الواجب الوطني للمواطن، صاحب الوطن... والدستور... والسلطات، فيضع علي عاتقه مسئولية تغيير كثير من السلوكيات التي ترسخت عبر عقود طويلة تحت حكم أنظمة مُنافية للحريات بشتى أشكالها، شاءت إقصاء المواطن عن القضايا الوطنية، وألهته بصعوبة البحث عن لقمة العيش، وأبت إلا أن يظل مغترباً داخل وطنه. والآن وبعد أن استرد المواطن وطنه... ودستوره... وسلطاته، ليس من المقبول استمرار العيش في ظل مفاهيم تتعارض وسيادة القانون، طالما نبع القانون بصدق من دستور كان الوطن والمواطن هدفه ومنتهاه. إذن ... لتظل البيئة الصحية التي أفرزت الدستور تظلل المسيرة الوطنية، تحتمي بها كافة مفردات العمل السياسي والمجتمعي، ما بقي الوعي الجمعي للشعب المصري مستمسكاً بروح ثورته المجيدة. «الوفد»