كلما مررت من أمام مجلس الشعب الذى أصبح اسمه مجلس النواب فى التعديل الدستورى الجديد اسأل نفسى متى تدب الحياة فى هذا المبنى الذى يرقد فى غرفة العناية المركزة منذ سنوات؟ تذكرت أن مصر قدمت للعالم أقدم النظم الإدارية والتشريعية، نشأت فى مصر أقدم حكومة مركزية منظمة عرفها التاريخ وعرفت مصر الحياة النيابية فى تاريخها الحديث مع تولى محمد على باشا وبدأت الحياة النيابية المصرية عام 1824، وتعاقبت على البلاد العديد من النظم النيابية فطبقنا نظام المشورة الذى أنشأه محمد على عام 1829، ثم مجلس النواب 1866 1882، ومجلس النواب المصرى 9 سبتمبر 1881، ومجلس شورى القوانين 1883 1913 والجمعية التشريعية 1913 1923، ثم عرفنا نظام المجالس النيابية فى ظل دستور 1923 وكان البرلمان فى ظل هذا الدستور يتكون من مجلس للنواب وآخر للشيوخ، وفى ظل دستور 1930 تشكل مجلس للنواب وآخر للشيوخ، ثم عاد العمل بدستور 23 مرة أخرى عام 35، وتم حل البرلمان فى يناير 52 عقب حريق القاهرة، وظلت مصر بدون برلمان حتى قيام ثورة 52. وتشكل أول مجلس نيابى فى ظل ثورة 52، فى 22 يوليو 57 وأطلق عليه مجلس الأمة، وعقب الوحدة مع سوريا صدر دستور مارس المؤقت وتم تشكيل مجلس أمة مشترك من 400 عضو مصرى و200 سورى وعقد أولى جلساته يوم 21 يوليو 1960. وعندما صدر الدستور المؤقت عام 64 قام مجلس أمة منتخب مكون من 350 عضوًا وعشرة يعينهم الرئيس، وفى يوم 11 سبتمبر 1971 تم وضع دستور 71 وفى ظله جرت انتخابات مجلس الشعب الذى عقد أولى جلساته فى 11 نوفمبر 1971 وهو أول مجلس يستكمل مدته الدستورية وهى 5 سنوات كاملة وفى عام 1956 تم إجراء انتخابات جديدة فى ظل نظام المنابر السياسية وأعلن السادات تحويلها إلى أحزاب سياسية فى بداية انعقاد مجلس الشعب فى 11 نوفمبر 1976. وفى 19 ابريل 1979 وافق مجلس الشعب فى استفتاء عام على انشاء مجلس الشورى، وتم تعديل الدستور ووافق الشعب عليه يوم 2 مايو 1980. وأضيف باب جديد إلى الدستور يتضمن الأحكام الخاصة بمجلس الشورى الذى عقد أول اجتماعاته أول نوفمبر 1980. وعندما قامت ثورة 25 يناير 2011 تم حل مجلسى الشعب والشورى، وسرق الإخوان الثورة وحصلوا على الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى، وصدر دستور الإخوان الانتقامى، وقامت ثورة 30 يونية، وتم وضع الدستور الحالى، الذى الغى مجلس الشورى، واكتفى بمجلس النواب، وأنا ماشى فى شارع قصر العينى أمام هذا المجلس الذى قمت بتغطية جلساته لجريدة الوفد على مدى 20 عامًا عندما كان يتكون من مجلسى الشعب والشورى سألت نفسى متى تجرى الانتخابات لتشكيل مجلس النواب واستكمال الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل. ودار فى رأسى شكل مجلس النواب القادم وتساءلت مرة أخرى ممن سيتكون هذا المجلس، ما هى القوى التى ستكون ممثلة فيه، من هم نوابه، ما مواصفاتهم، شاهدت على مدى العشرين عامًا التى قضيتها بين جدران مجلسى الشعب والشورى أصنافًا عدة من النواب منهم تجار الحصانة ومنهم حاملو أختام الدولة، ومنهم من كان يجرى وراء عربة الرئيس أو عربة الرش، ومنهم الحرامى، والعصامى، ومنهم من كان يتقى الله فى الشعب الذى انتخبه ومنهم من جاء رغمًا عن الشعب، عرفت نوابا سرقوا الشعب ونوابا باعوا الوظائف وتاجروا فى التأشيرات المجانية، ونوابًا استولوا على أراضى الدولة ومصانعها، ونوابًا كانوا يتسابقون لتقديم حقائب الأموال لمن بيدهم قرار وضعهم فى مناصب برلمانية كرئاسة اللجان ورئاسة الوفود الخارجية، ومنهم من كان يقدم سيارات وشققا هدايا على طريقة اطعم الفم تستحى العين، ومنهم من كان متهمًا فى قضايا مخلة بالشرف والآداب العامة، ومنهم من كان يحمل حقيبة الوزير الذى كان يعمل عنده مستشارًا، ومنهم من كان يعارض بشرف ويقول للأعور أعور فى عينه، ومنهم من كان يرفع شعار الموافقة على طول الخط، ومنهم من كان هاربًا من التجنيد ومن كان أميًا لا يعرف القراءة والكتابة. وتساءلت من هم نواب برلمان 2015 وتساءلت هل فعلاً سيكون هناك برلمان فى 2015 وفى أى شهر منه فى الثلث الأول أم فى الثانى أم فى الثلث الأخير. ثم تذكرت اننا أقدم حكومة مركزية وأقدم دولة عرفت الحياة النيابية، وتذكرت اننا أصحاب حضارة عمرها 7 آلاف سنة لكن لم يفارقنى سؤال أين مجلس النواب ومتى يتشكل، لن يعود الماضى، فقد أصبح ذكرى، ولكن لابد أن يكون لنا حاضر، كيف نختار نوابنا، لا يمكن أن نلدع من الجحر مرتين.