فاجأنى المخرج الكبير جلال الشرقاوى بأن الرقابة لابد أن تكون من داخل نقابة الفنانين، وليس من خلال جهاز خاص بها، مؤكداً أنه ليس من المقبول أو اللائق أن يقف الفنان المتهم أمام المحضر فى قسم الشرطة ثم أمام المحقق فى النيابة، ثم فى المحكمة أمام القضاء. وشتان بين الشكلين أن تراقب نقابة فنية الفنان وبين أن يراقبها جهاز تابع للقضاء.. وفي حواره مع «الوفد» تحدث الشرقاوى عن رفضه لائحة المهرجان القومى للمسرح ووصفها بالعشوائية وتحدث عن مستقبل المسرح المصرى ووصفه بالأسود. قلت لجلال الشرقاوى: لماذا تطالب بإلغاء الرقابة على المصنفات بعد ثورتى يناير ويونية؟ - أنا أطالب بإلغاء كل أصناف الرقابة سواء المصنفات الفنية أو السياسية أو الدينية. وأنا أفعل ذلك منذ أكثر من عشرين عاماً.. وقد اقترحت أن يكون البديل هو النقابة وليس الرقابة، ففي كل نقابة فنية يمكن تشكيل لجنة من الفنانين ومعهم عضو من القضاء. وهنا الفرق بين الرقابة والنقابة كبير، ففي النقابة اللغة مشتركة بين اللجنة وبين العضو المتهم. ثم إن العضو يكون أمام قاضيه الطبيعى وهو زميله.. أما الرقابة فإن الفنان المتهم يكون أمام المحضر في قسم البوليس ثم أمام التحقيق في النيابة.. ثم أمام المحكمة، وشتان بين الشكلين.. ولكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادى. تثار في الشهور الأخيرة تساؤلات خبيثة لمحاولة تشويه ثورة 25 يناير.. كيف تراها؟ - بكل تأكيد 25 يناير بدأت ثورة وخرج الشعب المصرى ضد الفساد وضد الاستبداد.. تفشى الفساد في عصر مبارك خاصة في النصف الثانى من الأعوام الثلاثين لحكمه.. وكانت هذه نتيجة طبيعية عندما تزاوجت السلطة مع المال.. ولم يكتف الانتهازيون بنهب الدولة وسرقتها، بل جرفوا مصر بمباركة النظام، فإذا أضفنا إلي ذلك أسلوب القمع البوليسى الذي كان موجوداً في تلك الفترة لقلنا إن الشعب المصرى كان علي حق عندما خرج عن صمته ولو أن ذلك جاء متأخراً.. هكذا بدأت ثورة 25 يناير وما أن مضت عدة أيام حتي تكالب أصحاب المصلحة في الوثوب إلي كرسي السلطة. وأعني بهم الإخوان الإرهابيين وأنصارهم وأعوانهم في الخارج والداخل.. فأعني بالخارج التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، وهؤلاء اختطفوا الثورة من يد الثوار، وحولوها إلي هذه الفترة الكئيبة السوداء في تاريخ مصر واندلعت الحرائق والخراب والدمار. وسقط القتلى والجرحى في سجون مصر وفي أقسام مصر وفى شوارعها في كل محافظاتها من الإسكندرية حتي أسوان ولقد تنبه الشعب المصرى، إلي هذه الجرائم فهب مرة أخرى لكي يعدِّل مثار ثورته الأولى فكانت ثورة 30 يونية التى لبى الجيش نداءها، وفي 3 يوليو أنهى جندى من جنود الله هو عبدالفتاح السيسي، تلك المرحلة الكئيبة السوداء وبدأ مرحلة أخرى جديدة، كل الشعب يتفاءل بها ويأمل فيها كل الخير. مسرحنا اليوم كيف تراه؟ - المسرح المصرى اليوم في قمة التردى والانهيار.. وكان هذه خطة ممنهجة ارتآها نظام مبارك الأسبق وكرس من أجلها وزيراً للثقافة أجاد في أداء عمله، فقتل المسرح المصرى.. كان النظام يعلم جيداً مدى تأثير المسرح على الجمهور، لأن المسرح هو الوسيلة التعبيرية الوحيدة التي يلتف فيها بشر علي خشبة المسرح مع بشر في صالة المسرح وتظل السينما والفيديو صور لبشراً وليس البشر أنفسهم.. كان النظام السابق يدرك خطورة المسرح ولذلك كان يريد أن يقضى عليه وقد لجأ في ذلك إلى وسائل عدة نفذها الوزير الأسبق فاروق حسني بكل صدق وإخلاص وهى: أولاً تم هدم أو تحويل إلي جراحات إلى عمارات سكنية أو إلى دور عرض سينمائية أو بقيت إلي ما هي عليه إطلالاً تنعي بناها 30 دور عرض مسرحية فإذا قلنا إن ثورة يوليو 1952 لم تبن مسرحاً واحداً، وندرك مدي الكارثة التي حاقت بالمسرح المصرى. ثانياً: اخترع فاروق حسني ما أسماه بمهرجان المسرح التجريبى وجمع له من أوروبا حثالة الشوارع وأقام بهم هذا المهرجان علي مدي 23 عاماً قدموا فيها مسرح الجسد بكل ما فيه من عري وابتذال وصرف عليهم من 20 إلى 23 مليون جنيه في العام الواحد. لكي يقضى علي مسرح الكلمة، وتلك هي المعركة التي كانت بين مسرح الجسد ومسرح الكلمة. ثالثاً رفعوا إيجارات مسارح الدولة التي كانت تؤجر لفرق المسرح الخاص عندما تنهي مواسمها وتكون شاغرة بأجور كانت رمزية.. لا تزيد على الألف جنيه لليلة الواحدة.. وقد رفعوا هذه الإيجارات إلى 25 ألف جنيه لليلة الواحدة ويعني هذا أن تعجز أي موازنة أو فرقة قطاع خاص أن تؤجر مسرحاً شاغراً لا يعمل من مسارح الدولة. رابعاً: الرقابة والمصادرة فقد أحكمت الرقابة قبضتها علي رقاب المبدعين وكان الغلق والشمع الأحمر مصير بعض الفرق المسرحية التي تقدم مسرح الكلمة. أغلقوا مسرح الفن لمدة شهرين ونصف الشهر قبل ظهور مسرحية «انقلاب» وأغلقوا ذات المسرح بعد مسرحية «دستور يا سيادنا» لمدة عشر ليال وسحبوا الترخيص وحاصروا المسرح بعربات الأمن المركزى ثم جاءه المرة الثالثة عندما أغلقوا المسرح في أول سبتمبر 2008 ثم شمعوه بالشمع الأحمر ثم قطعوا عنه الكهرباء والمياه والصرف الصحى.. واستمر الحال هكذا لما يقرب من سنتين ونصف السنة إلي أن قدر الله وحدثت ثورة 25 يناير فعاد مسرح الفن حراً طليقاً. وها هى النتيجة المسرح المصرى في عداد الأموات. ونحن في هذه المرحلة نحاول أن نبعث فيه الحياة وأن نعيده مرة أخرى شامخاً عظيماً رائداً وسيحدث هذا بإذن الله وعونه. ما مستقبل قاعات العرض المسرحى.. وهل مسرح التليفزيون بديل مناسب؟ - أين مسرح التليفزيون؟.. حاول التليفزيون بعث الروح في مسرح التليفزيون ولكن محاولاته كلها باءت بالفشل، ليس لعيب في الفنان ولكن لأن هذه كانت طبيعة النظام كما قلنا أن يقضى علي المسرح بكل أنواعه وأشكاله.. والتليفزيون مالياً ليس مؤهلاً أن يعيد المسرح وأن هذه مهمة وزارة الثقافة ومهمة فرق القطاع الخاص. نحن لا نراك في مهرجانات المسرح التابعة لوزارة الثقافة.. لماذا؟ - رفضت الاشتراك في المهرجان القومي للمسرح المصرى كنوع من الاحتجاج على لائحته التي صممت في عهد الرئيس الأسبق والوزير الأسبق وهي مليئة بالعشوائية والخلط واللامنطق ولا تقوم علي أسس سليمة وقد حاولنا في السنوات السابقة أن ننبه ونلقي الضوء على سلبيات هذه اللائحة ولكن لم يستجب أحد، فقررت مقاطعة هذا المهرجان. كيف تري مستقبل المسرح المصرى؟ - بالرغم من تفاؤلى الدائم.. وتعويلى علي مسارح القطاع الخاص المحترمة.. فإنني أشك كثيراً بهؤلاء الناس الموجودين في قدرة مسارح الدولة علي أن تلعب دوراً مهماً في بعث المسرح المصرى، لأن البشر المسيطرين عليه لايزالون هم الذين عاثوا ومارسوا فساداً في نظام مبارك وفاروق حسني، أما بالنسبة لقيادات وزارة الثقافة فإن الأيدى لاتزال مرتعشة والرؤى لاتزال ضبابية في وزارة الثقافة وبالتالى فإن القرارات والإنجازات باهتة فأنا أشك كثيراً في قدرة وزارة الثقافة أن تلعب دوراً مؤثراً في نهضة المسرح المصرى. ماذا تتوقع بعد افتتاح المسرح القومى؟ - أعلن وزير الثقافة أن ترميم المسرح القومى الذي بدأ عام 2008 والذي لم ينته حتي الآن قد تكلف 104 ملايين جنيه وأنا أصرخ: حرام والله حرام أعطونى هذا المبلغ وأنا أبنى عشرة مسارح وقد أعلن عن عدة مواعيد سابقة لافتتاح المسرح القومى وكان آخر موعد هو نوفمبر 2014 وأنا أشك كثيراً في هذا التاريخ. برنامجك الانتقادي الإذاعى «صباح الورد».. كيف بدأت فكرته؟ - عرض علىّ عبدالرحمن رشاد رئيس الإذاعة المصرية أن أقدم هذا البرنامج في خمس دقائق يومياً وصرح بأنه لا توجد خطوط حمراء وأنها حرية مطلقة تقول فيها ما نراه صواباً ونناقش فيها المستمع من خلال حلقة أسبوعية دائمة.. نحن نقول للمخطئ: أخطأت، ونقول للمصيب: شكراً لك دون مبالغة ولا تهوين، والحمد الله تذاع الحلقة السبعين هذه الأيام ويثبت البرنامج نجاحاً كبيراً نلمسه من خلال صفحة البرنامج «صباح الورد» علي الفيس بوك. هل ترحب بالمسرح المترجم كبديل لندرة النصوص المصرية الجديدة؟ - نعم أنا أرحب بالمسرح المترجم دائماً وليس مجرد بديل إنما يكون درساً وتعليماً ونموذجاً ثم إنه يعبر عن تجارب المسرح في العالم ولابد للفنان المصري أن يتطلع عليها وأن يدرسها أيضاً. عودة إلي الرقابة.. ماذا عن مسرحية «دينا حبيبتى» بعد تقرير جهاز الرقابة؟ - أنا أتهم الرقابة علي المصنفات الفنية بأنه يوجد بها خلايا نائمة فلا يمكن أن يصدر مثل هذا الإنذار إلا من خلال إرهابيين متربصين يتهمون المسرحية بأنها ضد الدين وأنها تمس العقيدة الإسلامية وتزدرى الدين المسيحي. والمسرحية من كل ذلك براء.. أما من ناحية الإفيهات الخادشة للحياء فأنا ضدها تماماً وقد سبق أن نبهت كثيراً علي الممثلين بعدم ذكرها علي الإطلاق غير أن الممثل غير الملتزم عادة ما يفقد نفسه أمام جمهور المشاهدين، ولقد وصل بى الأمر إلى أن أنذرت هؤلاء الزملاء عدة مرات وفي النهاية لم أجد بداً من إنذارهم بفسخ التعاقد. لكن عودة إلى جهاز الرقابة أقول إنني أنبه الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة بأن يفتش ويبحث عن الخلايا النائمة في وزارته، كما أنبه أيضاً كل المؤسسات المهمة في الدولة وكل الوزارات بأن تتخلص نهائياً من هذه الخلايا النائمة وأكثرهم معروف.