صدر منذ عدة أيام الحكم الخاص بقضية القرن المتهم فيها الرئيس السابق مبارك وابناه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق اللواء العادلي، وعدد من مساعديه وقد نطق بالحكم المستشار الرشيدي رئيس محكمة جنايات القاهرة، وقد سبق النطق بالحكم مقدمة من رئيس المحكمة عن الجلسات ومحاضر الجلسات التي عقدتها المحكمة، وعن الأحراز والمستندات المقدمة فيها وما تفرغ عنها من «الأسطوانات» و«الفلاشات» الالكترونية. وقد بلغت صفحات القضية ما يزيد على ستين ألف ورقة كما أن صفحات الحكم تجاوزت الألف صفحة اشتملت على اسبابه ومنطوقه وقد تضمنت المقدمة دعوة الاعلاميين والمحامين والباحثين المهتمين بالحكم وكذلك المتهمون.. الخالى قراءة صفحات القضية سواء المكتوبة والمسجلة الكترونياً قبل التعليق على الحكم كما بين رئيس المحكمة في مقدمة مدى الجهد الذي بذلته الدائرة وأثنى على المستشارين الأعضاء فيها، لما بذلوه من جهد البحث والفحص والدراسة. وحذر رئيس المحكمة من أي ايماء أو تعليق أو هتاف.. خلال نطقه بالحكم وهدد بأن ذلك سوف يعتبره إهانة للمحكمة وسوف يوقع عقوبة الحبس لمدة سنة على الأقل لمن يرتكب هذه الجريمة!! ولابد من القول بادئ ذي بدء أن إلقاء المستشار رئيس المحكمة لتلك المقدمة أمر غير مألوف في تقاليد القضاء المصري حيث تقتصر عادة جلسة النطق بالحكم على افتتاح الجلسة والولوج مباشرة الى منطوق الحكم!! وقد يبرر ما حدث أن المحكمة قد أنجزت أسباب الحكم كاملة مع منظومة دون وضع هذه الأسباب خلال ثلاثين يوماً من النطق بالحكم كما يقضي قانون الاجراءات الجنائية وقد تعمد رئيس المحكمة لأهمية أسباب الحكم كاملة مع منطوقه، وتعدد المستندات والمرافعات فيها وطول الجلسات وتعددها أن يوضح للرأي العام ما تحملته المحكمة من جهد وإرهاق لاصرار المحكمة خاصة وأن رئيس المحكمة يحتاج الى علاج في عينيه وفي عموده الفقري!! ولابد من ذكر أن الحكم الذي تم النطق به وإن كان قد صدر شكلاً تحت رقم موحد للدعوي الا أنه في حقيقة الأمر حكم في ثلاث قضايا لا يربط بينها سوى توجيه الاتهام لمبارك ونجليه في شق من الاتهامات بينما الدعوي في الحقيقة عبارة عن ثلاث دعاوى جنائية!! الأولي تتعلق بالاتهام الخاص ببيع الغاز الى اسرائيل بثمن بخس بالنسبة للسعر العالمي والمتهمين في الدعوى هم الرئيس الأسبق مبارك والمتهم حسين سالم الهارب في الخارج، أما الدعوى الجنائية الثانية فهى الدعوى الخاصة بتلقي مبارك ونجليه ثلاث فيلات من المتهم حسين سالم مقابل استخدام نفوذ مبارك لتحقيق مصالح للمتهم المذكور!! والدعوى الجنائية الثالثة هى اتهام للرئيس السابق مبارك مباشرة مع وزير داخليته العادلي مع عدد من مساعديه بالاعتداء بالأسلحة النارية على المتظاهرين السلميين في 25 يناير وما بعده سنة 2011، وقد كان من المتعين أن تتم احالة كل من هذه الاتهامات الثلاثة الى المحكمة جناية برقم مختلف وذلك تيسيراً للدراسة وفحص التحقيقات، وأدلة الاتهام، في كل منها مع تخفيف الجهد والعبء الذي يحتاجه دراسة أي اتهام وفحصه والحكم فيه!! وقد أدى الجمع بين هذه الاتهامات في دعوى واحدة الى تضخم الأوراق والمستندات، فضلاً عن طول الأسباب المساندة للحكم في كل منها، وقد أصدرت المحكمة حكمها في الدعوى الأولى الخاصة ببيع الغاز لإسرائيل بالبراءة!! واستند الحكم الي عدم توفر دليل يقيني على أن مبارك وحسين سالم قد ارتكبا الجريمة كما ورد تفصيلاً في اسباب الحكم، اما القضية الثانية والخاصة بتلقي مبارك ونجليه علاء وجمال لثلاث فيلات من حسين سالم مقابل تقديم خدمات وتسهيلات لمصلحته!! فقد انتهت المحكمة الى الحكم بسقوط الدعوي بالتقادم تطبيقاً للمادة «15» من قانون الاجراءات الجنائية، وبالنسبة للاتهام الخاص بقتل واصابة المتظاهرين بالاعتداء عليهم بالاسلحة النارية والمتهم به الرئيس السابق ووزير داخليته العادلي ومساعدوه فقد قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوي لأنه سبق للنيابة العامة قبل احالة هذا الاتهام الى المحكمة أن قررت بأن لا وجه لاقامة الدعوي!! وقد تضمن الحكم أسباباً طويلة تساند الحكم في هذا الاتهام وتعتمد اساساً على عدم جواز تعديل قرار النيابة بأن لا وجه لاقامة الدعوي وبناء على ذلك فان المحكمة تكون قد تضمنت موضوعاً بالبراءة صراحة في الاتهام الخاص ببيع الغاز لاسرائيل بينما قضت في الاتهامين الآخرين على أساس شكلي وذلك بسقوط الاتهام بالتقادم وبعدم جواز نظر الدعوى بناء على قرار النيابة العامة بأن لا وجه لاقامة الدعوي!! ورغم أنه يترتب على ذلك ان يلغى اي أثر للحكم السابق صدوره من دائرة الجنايات برئاسة المستشار رفعت والقاضي بعقاب مبارك والعادلي بالسجن المؤبد في الجناية الخاصة بالاعتداء على المتظاهرين السلميين، وذلك رغم أنه قد قرر الشهود في المحكمة عن الاتهام الخاص بقتل المتظاهرين، إلا أنه لم يصدر عن مبارك أي قرار أو توجيه شفوي أو مكتوب بضرب المتظاهرين بالأسلحة النارية فإن الحكم قد ذهب إلي تأكيد الالتزام بقرار النيابة بأن لا وجه لإقامة الدعوي، وبذلك يكون قد سقط نهائياً أي أثر للحكم السابق من دائرة جنايات المستشار رفعت بالعقوبات ضد مبارك والعادلي ومساعديه.. إلخ، خاصة لإلغاء هذا الحكم في الطعن بالنقض عليه أمام محكمة النقض! ونظراً لأن الحكم الصادر من محكمة الإعادة برئاسة المستشار الرشيدي ليس حكماً باتاً فإنه قد أمر النائب العام لجنة من أعضاء النيابة العامة بدراسة الحكم وأسبابه للنظر في تقرير الطعن عليه أمام محكمة النقض، وإذا انتهت النيابة العامة إلي تقديم هذا الطعن، فإن محكمة النقض سوف تنظر هذا الطعن لمحكمة موضوع وتصدر حكمها بشأن الاتهامات الثلاثة التي فصل فيها حكم الإعادة برئاسة المستشار الرشيدي، ويكون حكم محكمة النقض في هذه الحالة نهائياً وباتاً أياً كان منطوق الحكم! وطبقاً لأحكام قانون الإجراءات الجنائية فإن الحكم الصادر من دائرة المستشار الرشيدي يترتب عليه الإفراج عن المتهمين في الاتهامات الثلاثة سالفة الذكر، ما لم يكن أي منهم محكوماً عليه في قضايا أخري بالسجن، وقد أثار الحكم المذكور عدداً من الأسئلة عما إذا كان الحكم بالبراءة في كل الاتهامات فإن الحكم واحد كان يترتب عليه امتناع النظر في الاتهامين الثاني والثالث بسبب سقوط الدعوي الجنائية بالتقادم أو عدم قبول الدعوي علي التوالي استناداً إلي نفاذ قرار النيابة العامة بألا وجه لاقامة الدعوى، والذي تبنته المحكمة وبذلك اعتبر احالة الاتهام الى المحكمة في قضية الاعتداء على المتظاهرين باطلاً ولا أثر له!! وكذلك اثيرت مسألة هل يترتب على الحكم الصادر من محكمة الاعادة بعد أن تؤيده محكمة النقض ويصبح باتا ونهائياً أن يرشح أو يستخدم مبارك وأي من المتهمين لحقوقهم السياسية والترشيح لعضوية مجلس النواب القادم والرأي الصحيح في هذه المسألة أنه طبقاً لقانون مباشرة الحقوق السياسية لا يحرم المتهم من هذه الحقوق إلا لو حكم عليه بالادانة في جناية أو جنحة مخلة بالشرف!! كما أثير ايضاً هل يجوز لمبارك وباقي المتهمين رفع دعوى بالتعويض عن مدة الحبس الاحتياطي التي تجاوزت ثلاث سنوات والرأي الصحيح أنه ما لم يكن أي منهم محبوساً على ذمة حكم أو دعوي جنائية أخرى فإنه يجوز للمحبوس احتياطياً دون وجه حق ان يقيم دعوى بتعويضه عن هذا الحبس الذي كشف حكم محكمة الاعادة أنه لا سند له وذلك طبقاً لأحكام الفقرة الخامسة من المادة «54» من الدستور والتي تنص على أن ينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطي ومدته واسبابه وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه تعويضاً عن الحبس الاحتياطي!!» وفي الختام فانه يتعين على النيابة العامة أن تحقق فبناء على ما ورد بأسباب الحكم الصادر من دائرة الرشيدي فيمن قتل وأصاب المتظاهرين في أقرب وقت. رئيس مجلس الدولة الأسبق