استكمالاً للحديث الذى بدأناه في الأحاديث السابقة من أن هدف العدالة الأول هو أن نكون أمام محاكمات عادلة منصفة وناجزة أى تتحقق فيها كافة الضمانات الموضوعة والإجرائية التى تكفل كافة حقوق المتهم ودفاعه وأن نكون أمام منظومة اجرائية تبدأ من جمع الاستدلالات وحتى صدور حكم بات فى الدعوى يتحقق معها المحاكمة الناجزة إذ أن المحاكمات البطيئة وإن تحقق فى نهايتها إنصاف للمتهم فإنها تمثل الظلم بعينه. ومن هذا كان هدف التشريعات الاجرائية تحقيق المواءمة بين هذين المطلبين الرئيسيين للمحاكمات العادلة وهما أولاً: ان تحقق للمتهم ودفاعه كافة الضمانات التي تمكنه من إبداء دفاعه الشفوى أو المكتوب.. وثانياً: ان يقترن ذلك بضمانات تتضمنها نصوص اجرائية تضمن المحاكمات الناجزة. ولما كانت النصوص الاجرائية التى تنظم المحاكمات الجنائية بوضعها الحالى يحكمها قانون الاجراءات الجنائية الصادر سنة 1950 وقانون حالات واجراءات الطعن بالنقض رقم «57» لسنة 1959 والمعدل بالقانون «74» لسنة 2007، وكان ما تضمنته نصوص هذه القوانين من ضوابط رجراءات المحاكمة الجنائية لا يتحقق معها ما تصبو إليه العدالة الجنائية من هدف أساسى ومطلب رئيسى وهو تحقيق العدالة بمفهومها سالف البيان. وقد كان رأينا فى الحديث السابق هو انه كإجراء عاجل يتعين صدور تشريع بإلغاء الأحكام النيابية فى جناية أمام محكمة الجنايات لنكون أمام احكام حضورية يتبع بشأنها الاجراءات التى رسمها قانون الطعن بالنقض سالف البيان وقد أوضحنا مدى ما كان يشوب إجراءات المحاكمة فى الأحكام التى تجمع بين الحكم الغيابى والحضورى وكيف أن النصوص الاجرائية الحاكمة لهذه الحالات كانت تؤدى فى الغالب الى نتائج صادمة للعدالة وقد أوضحنا ذلك تفصيلاً فيما سبق. وبالرجوع الى القواعد الاجرائية سواء فى قانون الاجراءات الجنائية أو فى قانون حالات واجراءات الطعن بالنقض نجد أنفسنا أمام نصوص سقيمة وعقيمة لا تتفق ولا يتحقق معها الهدف الذى تتغياه العدالة فى المحاكمات الجنائية وما تصبو أإليه من ان نكون أمام محاكمات عادلة يتحقق فيها كافة ضمانات المحاكمة للمتهم ودفاعه وان تكون محاكمات ناجزة. وكل ما سلف يتطلب نصوصاً اجرائية جديدة لا يمكن تحقيقها أمام النصوص الاجرائية سالفة البيان يتحقق معها ضمانات المحاكمة الجنائية العادلة المنصفة الناجزة. وأول ما يتعين البدء به هو بداية اتصال سلطات التحقيق بالدعوى والمتتبع لقانون الاجراءات الجنائية يجد أنه قد جمع بين سلطة الاتهام وسلطة التحقيق والإحالة الى المحكمة وجمع بين هذه السلطات فى يد واحدة وهى النيابة العامة. ومع الاحترام الكامل والتقدير الكبير للدور العظيم الذى قامت به النيابة العامة وهى تمارس هذه السلطات جميعاً فإننا ونحن على مشارف اصلاح تشريعى لابد ان نكون أمام نظرة جديدة فيها اطلالة على كافة النظم الاجرائية الجنائية فى الدول الأخرى وخصوصاً فرنسا التى نقلنا عنها تلك النظم ورغم انها ادخلت تعديلات كثيرة استوجبتها التعامل على أرض الواقع مع المستحدثات الواقعية الجديدة الا اننا مازلنا نتعامل مع نصوص باتت سقيمة عقيمة هى فى واد وما يفرضه الواقع العملى ويتطلبه ويستوجب سرعة معالجته والتعامل معه فى واد آخر. وسنبدأ الحديث القادم بإذن الله عن مبدأ الفصل بين سلطة الاتهام والتحقيق والإحالة كضمانة إجرائية عاجلة. سكرتير عام حزب الوفد