لا جدال ولا خلاف في أن حكم البراءة للجميع في محاكمة القرن، أصاب كثيرين منا بصدمة شديدة والكل يتساءل حتي الصحف التي صدرت أمس بعد النطق بالحكم من قتل المتظاهرين في 25 يناير؟!.. وأعرف أيضا أنه لا حق لي ولا لغيري في الحديث معلقاً علي حكم القضاء الذي هو بالفعل مستقل في بلدي.. لكن الذي يجعل الأمور تختلط ببعضها عند الكثيرين أن هناك فرقاً شاسعاً بين المحاكمة الجنائية وبين المحاكمة السياسية علي جرائم الفساد الكبيرة التي ارتكبت في حق المصريين علي مدار ثلاثين عاماً من عمر هذا الشعب العظيم.. المحكمة التي كانت تحاكم حسني مبارك وحبيب العادلي ومساعديه وحسين سالم اقتصرت فقط علي جرائم جنائية، ثبت للمحكمة يقيناً وبأدلة الثبوت أن المتهمين لم يفعلوا الجرائم المنسوبة إليهم.. وبالتالي هناك مجرم وراء عمليات القتل والإصابة التي حدثت لأبنائنا وإخواننا خلال ثورة 25 يناير.. ولابد من تقديم هؤلاء إلي المحاكمة في أسرع وقت.. الذي يقرأ أسباب الحكم كما نشرناها في صحيفة «الوفد» يدرك تماماً انتفاء التهم عن «مبارك» ونظامه فيما يتعلق بهذا الشق الجنائي لكن تبقي جرائم الفساد السياسي التي ارتكبها «مبارك» ونظامه، وهناك تهم كثيرة لا حصر لها تمت في عهده، ويكفي منها التجريف السياسي للأحزاب التي اتخذها في عهده ديكوراً يزين به نظامه حكمه.. لقد كانت الأحزاب السياسية محاصرة من كل جانب بشكل يمنعها من ممارسة حقوقها التي كفلها القانون والدستور.. ونزيد علي ذلك الانهيار الكامل في مؤسسات الدولة الأخري، فلا نظام تعليميا يسر ولا خدمة صحية تناسب حالات المرضي، لدرجة أن مستشفيات الحكومة الداخل فيها مفقود والخارج مولود. وبطالة مقنعة في الجهازين الإداري والحكومي للدولة، وفوضي في الشارع وانتشار البطالة بشكل مخيف بين الشباب خاصة خريجي الجامعات. هذه الجرائم السياسية لابد لها من محاكمة وسريعة وعزل «مبارك» ونظامه أو خلعه ليس كافياً ولابد من الحساب لهذه الجرائم السياسية التي ارتكبها في حق المصريين.. ولذلك كان المهم بعد إبعاد هذا النظام الفاسد من محاكمته عسكرياً سواء عن طريق محاكم ثورة أو خلافه.. أما تقديم هذا النظام الفاسد لمحاكمة جنائية يخرج منها في خطأ إجرائي أو ثغرات في القانون أو انقضاء المدة أو كل ما من شأنه لا يتعلق بأخطاء هذا النظام. فتلك هي الكارثة الحقيقية.. لا نلوم ولا نمدح ولا نذم المحكمة فهي صاحبة الولاية الحقيقية دون سواها في الحكم الذي أصدرته.. لكن تبقي ضرورة البحث عن شيئين مهمين الأول: من قتل وأصاب المتظاهرين في 25 يناير؟!.. ومن المسئول عن الفساد السياسي الذي تم طيلة 30 عاماً علي يد نظام «مبارك»؟! الآن وجب البحث عن إجابات لهذه الأسئلة من خلال محاكمات سياسية علي ما ارتكب من جرائم في حق المصريين.