فى الماضى كان المريض يموت دون ان يعرف علته.. وكان هذا نعمة.. وفضلاً من الله سبحانه وتعالى.. لانه من الصعب على الإنسان ان يعرف حقيقة مرضه.. ويعجز عن علاجه.. وهو ما يحدث الآن فى مصر.. فى ظل مستشفياتنا التى تحولت ل«سلخانات».. الداخل اليها مفقود.. والخارج منها مولود.. يدخلها الإنسان وهو يمشى على قدميه.. ويخرج منها فى «صندوق» محمولا على الأعناق.. خاصة إذا شاء حظه التعس.. ان يصاب فى حادث.. أو يلم به مرض طارئ.. أثناء إضراب.. رسل عزرائيل أو ملائكة الرحمة سابقا.. كما حدث فى المستشفى الميرى بالإسكندرية.. منذ ايام..والذى تسبب فى موت شخصين!! فالمريض الآن - للأسف - يعرف كل شئ عن حقيقة مرضه..بل احيانا يصارح الطبيب مريضه بكل تفاصيل حالته المرضية.. ونسب نجاح العملية.. إذا ما كانت حالة المريض تستدعى ذلك! ويستطيع المريض اذا دخل على النت ان يقرأ ويفهم كل شئ عن حقيقة مرضه ..واذا أراد المزيد يمكنه ان يرى عملية جراحية كاملة مماثلة لتلك التى ستجرى له..بالصوت والصورة! بل الأغرب من ذلك ان المريض فى حالات السرطان.. وفيروسات الكبد..وبعض الأمراض الأخرى.. يتم تصنيفه حسب خطورة حالته.. وقربه من الموت..فيقال هذا مريض من الدرجة الرابعة.. وذاك مريض من الدرجة الثالثة.. وهى موضة أخذناها من الغرب.. والذى كنا نرى فى أفلامهم الطبيب يصارح المريض بكل برود.. باقى لك فى الحياة 6 شهور!! بعض الأطباء يستحسن إخبار المريض بحقيقة حالته الصحية حتى يكون المريض فى الصورة.. ويسير على البرنامج العلاجى الموضوع بكل دقة ووضوح.. وحتى يتخذ من الاحتياطات ما يمنع تدهور حالته..خاصة فى حالات زراعة الأعضاء البشرية كالكبد والكلى! والبعض الآخر يرى عدم إخبار المريض بحقيقة مرضه..حتى لا تتأثر حالته النفسية.. خاصة ان الحالة النفسية للمريض تعد عاملا حاسما فى شفاء المريض.. وتصديه لهجوم الفيروسات.. وخاصة اذا كان المريض عربياً ومصرياً.. فلو جئت إليه.. وقلت له باقي لك 6 شهور وتموت.. فقد يموت فى اللحظة نفسها التى تخبره فيها بمثل هذا الخبر الأسود.. وتكون سبباً رئيسياً فى قصف عمره !! أنا شخصياً من أنصار الفريق الثانى..والذى يفضل عدم إخبار المريض بحقيقة مرضة إلا فى الحدود التى تجعله يحافظ على صحته.. ولا يلقى بأيديه إلى التهلكة..فيكفى مثلاً ان تخبره بإصابته بالسكر.. أو الضغط.. ومضاعفاتها..حتى يحتاط فى غذائه.. وحياته..يكفى هذا.. أما اكثر من ذلك فغير مطلوب!! وانا شخصياً مررت بهذه التجربة.. فقد كنت اجرى اشعة لمرض بسيط..وفجأة اكتشفت اننى أعيش بكلية واحدة فقط.. أما الثانية.. فلا تعمل إطلاقاً.. بل وأخبرنى الأطباء بضرورة الخضوع لعملية جراحية لإزالة الكلية التالفة..حتى لا تؤثر على الثانية.. وتتلف املها هى الأخرى.. ومن ثم الدخول فى دوامة الفشل الكلوى والغسيل.. والبحث عن زراعة كلى.. وما يتبعه من عذاب البحث عن متبرعين. لا أكذب عليكم واقول إننى كنت أسدا.. حين أخبرنى الأطباء بحقيقة مرضى.. فالحقيقة اننى خفت.. وبت أفكر فى الموت.. أكثر من تفكيرى فى الحياة.. وشغلنى مصير أولادى.. وكيف سيعيشون من بعدى ..خاصة مع صغر اعمارهم .. واحتياجهم للرعاية.. كل هذه الأمور أصبحت همى الأول بعد معرفة حقيقة مرضى!! والمضحك فى الأمر.. أو كما يقولون شر البلية ما يضحك.. إننى عندما ذهبت لمركز الدكتور غنيم بالمنصورة..وتقابلت مع الرجل وعرفته بنفسى.. ولما رغبت فى إجراء العملية بمركزه العالمى.. فوجئت بهم يضربون لى موعداً لإجراء الجراحة بعد عامين وشهر.. ده علشان الواسطة.. وباعتبارى رجلاً مهماً.. ومشهوراً على حد قولهم!! بل اخبرونى بضرورة الحضور فى الموعد المحدد فى تمام الساعة الثامنة صباحاً.. على ان يكون معى اثنان من المرافقين للتبرع بالدم.. كل ذلك بعد سنتين وشهر!! ألم اقل لكم إن عدم معرفة جدودنا بحقيقة مرضهم.. كان نعمة كبرى من المولى عز وجل.. فكان أى ألم فى البطن-مهما كان نوعه - علاجه «إزازة» حاجة ساقعة من دكان فهيم.. ابن عمى.. أو كوب ينسون او كمون أو حلف بر.. وأى ألم فى الظهر.. فعلاجه الأوحد عمل «لبخة» من اوراق نبات الصفصاف.. أما اذا ارتفعت حرارته.. فالحل فى «فحل» بصل مشوى معتبر.. أما إذا اصابه «رمد» فى عينيه.. فلا علاج له إلا قطرات من اللبن من ثدى سيدة ترضع مولودها..اما إذا اصيب الواحد منهم بجرح.. فكان -لا مؤاخذة - يلجأ لأخيه حتى يتبول على الجرح المصاب..ليتخنسر الدم ويتوقف النزيف!! يا سلام على الروقان..وراحة البال..فينك يا أيام زمان ؟!