وباء مرضي جديد أصاب المصريين لاتستطيع أعتي جيوش العالم بأسلحتها أن تحصد مايحصده هذا الوباء من أبناء هذا الوطن . أورام الكبد .. هي هذا الوباء المدمر الذي كان مجرد اكتشاف حالة حتي منتصف الثمانينيات يعد حدثا مهما يلتف حوله الأطباء أما اليوم فأصبح كالإنفلونزا ولم يعد يستثني شابا أو شيخا بل إن عدد المصابين في عمر الزهور يعد أمرا مفزعا . الأخطر في هذا الوباء أن نسبة المرضي الذين تكون أمامهم فرص للعلاج لايزيدون علي10 ٪ ونسبة غير قليلة منهم تموت في طابور الانتظار أثناء البحث عن العلاج . المرض أصبح من أكثر أسباب الوفاة في مصر مؤخرا بعد أن كانت الإصابة به أمر نادر الأمر الذي يحتم ضرورة تجفيف المنابع التي باتت تنهش أكباد المصريين وتتركها عليلة بعد أن تفترسها كل الفيروسات الكبدية وجميع عوامل التلوث . رحلة عذاب بلا طائل إبراهيم سعد 33 سنة من قرية العصافرة مركز المنزلة يشير إلي أنه أصيب بألم في أعلي البطن وعاش رحلة عذاب بين الوحدة والصحية والمستشفيات الحكومية حتي اضطر للتوجه للمنصورة وبعد عمل عدة إشاعات أخبره الطبيب بحقيقة مرضه وأن هناك أملا ضعيفا أمامه بإجراء زراعة كبد .. ومنذ عدة أشهر وأنا لا أعرف إن كنت سأتمكن من إجراء العملية أم لا فحالتي تسوء وتتدهور خاصة في الأيام الأخيرة ولم أعثر علي متبرع حتي الآن لأن أخي وزوجتي مصابان بالفيروس الكبدي (س) ولايمكن أن يتبرع أي منهما لي . محمود أبو الإسعاد 41 سنة مزارع من قرية ميت بدر خميس مركز المنصورة يشير إلي أن والده توفي منذ أكثر من عام بهذا المرض واكتشف مؤخرا بأنه أصيب به هو الآخر وقد باع كل مايملك في رحلة العلاج دون فائدة ولايمكنه التفكير في إجراء زراعة كبد لأنه لايملك من حطام الدنيا شيئا. سعاد أحمد الجمل 65 ربة منزل التي قدمت بصحبة ابنها السيد العدل لمستشفي الباطنة بالمنصورة وصعقت من خبر إصابته فتقول : السيد متزوج منذ 3 سنوات فقط فمن يرعي زوجته وطفله عمر وزوجته حامل ونحن لانملك سوي قوت يومنا وتطالب أصحاب القلوب الرحيمة بتبني حالته وعلاجه من هذا المرض اللعين . أهم أسباب الوفاة الدكتور مجدي حامد أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي ورئيس أقسام أمراض الباطنة السابق بجامعة المنصورة يشير إلي أن أورام الكبد تعد من أكثر الأورام شيوعا في مصر في الآونة الأخيرة وبعد أن كانت نادرة الحدوث قفزت لتكون في مقدمة الأمراض المسببة للوفاة وساعد علي ذلك الإصابة بالفيروسات الكبدية مثل فيروس (ب) حيث يمثل أحد أخطر عوامل الإصابة بأورام الكبد لأنه لايترتب عليه تليف بالكبد وهذا مصدر خطورته .ز وكذا الإصابة بفيروس (س) والذي يصيب 16 ٪ من المصريين كأكبر معدل إصابة في العالم .. يضاف لذلك الإصابة بتليف الكبد بأسبابه المتعددة كأمراض الكبد المناعية والتعرض للإشعاع وشرب الكحوليات وغيرها . ويلفت الأنظار إلي أن مرضي السكر أكثر عرضة لأورام الكبد من الذين لايعانون من المرض بنسبة تتراوح بين 2 إلي 4 أضعاف وهذا شيء خطير . والأخطر من هذا أنه ثبت أن الأشخاص المصابين بالسمنة نتيجة الوجبات السريعة التي تكون بها نسبة عالية من الدهون أكثر إصابة بأورام الكبد من غيرهم من الأصحاء. وسائل الاكتشاف المبكر ويستطرد قائلا : إن نسبة الإصابة تتزايد سنويا في مصر وفي منطقة الدلتا علي وجه الخصوص وبين الرجال أكثر من السيدات وأهل الريف أكثر من أهل المدن وذلك نظرا لإنتشار الفيروسات الكبدية وسوء تخزين الغلال. وللأسف يأتي تشخيص أورام الكبد متأخرا وذلك لأن المريض في معظم الأحيان يعاني من تليفات الكبد ويكون التغيير إلي أورام غير ملحوظ . ويشير إلي أنه عندما يجتمع ثالوث الألم في أعلي البطن من الناحية اليمني وفقدان في الوزن وتضخم في الكبد عند الفحص يجب علي الطبيب والمريض أن يلجأ للفحوص للتأكد من التشخيص مثل عمل إختبارات دلالات الأورام والإشاعات المختلفة ولكن للأسف في أحيان كثيرة نجد أن دلالات الأورام شبه طبيعية خاصة في الأورام ذات الحجم الصغير ولذلك نلجأ لعمل الإشاعات المختلفة مثل الأشعة فوق الصوتية والمقطعية ثلاثية الأبعاد والرنين المغناطيسي حيث تفوق دقة التشخيص بها 90٪ وهناك اختبار مادة تسمي (البروتيازوم) وهي تستخدم في الاكتشاف المبكر لأورام الكبد ليس هذا فقط بل في اكتشاف حالات تليف بالكبد سوف تتحول لأورام . طرق علاجية متنوعة الدكتور عمر فتحي مدير مركز الجهاز الهضمي السابق بجامعة المنصورة يؤكد أهمية الاكتشاف المبكر للمرض حيث يترتب عليها طريقة العلاج وما إذا كان المريض سيحتاج إلي زراعة كبد أو تردد حراري أو حقن كيماوي عن طريق الشريان الكبدي أو استخدام الميكرويف . وهناك بعض الاختيارات الأخري مثل الحقن الموضوعي للكحول أو استخدام حمض الخليك .. أما بالنسبة للحالات المتأخرة لأورام الكبد فإن عقار النكسافار هو أحد الاختيارات رغم ارتفاع سعره ومضاعفاته وفائدته القليلة . من هنا لابد من التأكيد علي أن الوقاية هي خير من العلاج ولابد من الاهتمام لنشر الوعي الصحي علي مختلف الأصعدة لمواجهة هذا الخطر الداهم . انتشار أمراض الكبد الدكتور طارق صلاح الأستاذ بمركز الجهاز الهضمي بجامعة المنصورة يشير إلي انتشار أمراض الكبد في الدلتا بصورة كبيرة وذلك نتيجة عدة أسباب أولها التلوث بالمياه بأيدي المواطنين وعلي مرأي ومسمع من الدولة التي لم تتخذ إجراءات حاسمة لمنع هذا التلوث منذ ثلاثين عاما فالصرف الصحي مختلط بمياه الشرب ومياه الري خاصه المنازل التي تقع علي الممرات المائية وكذلك صرف مخلفات المصانع التي تحتوي علي معادن ثقيلة واستعمال المبيدات الحشرية بصورة عشوائية وتخزين البقوليات والحبوب بطريقة غير سليمة يؤدي لظهور العفن عليها وهو مسبب لأمراض الكبد وعدم الاهتمام بالتعقيم بالعيادات والمستشفيات الخاصة وعيادات الأسنان مما يؤدي لانتشار فيروسات الكبد. كل هذه العوامل تؤدي لتليف كبدي وينتهي عدد كبير من حالات التليف الي أورام بالكبد هذا الوباء الجديد الذي أصبح يصيب الكبار والصغار علي حد سواء ولم يعد يستثني أحدا وعلي الرغم من عدم وجود إحصاء دقيق لعدد المرضي المصابين بأورام الكبد إلا أن الشيء المؤكد أن أعدادهم تضاعفت بصورة كبيرة تدعو للقلق خاصة أن معظم الحالات يتم إكتشافها في مراحل متأخرة . تدمير ثروة مصر البشرية الدكتور محمدعبدالوهاب رئيس فريق زراعة الكبد بمركز الجهاز الهضمي ومدير المركز السابق يشير إلي أن ظهور حالة ورم كبد حتي منتصف الثمانينيات كان حدثا كبيرا يلتف حولها أساتذة الطب وشباب الأطباء أما في 2013 فأصبحنا نكتشف مابين 20 و30 مريضا بالورم يوميا وأصبح الأمر مفزعا لايمكن السكوت عليه فلوأن جيشا يحاربنا بأحدث الأسلحة لما تمكن من إحداث هذا التدمير الذي يحدثه هذا الوباء . وقال إن نسبة 10 ٪ فقط من المصابين بهذه الأورام تكون لديهم فرصة للعلاج سواء بزراعة الكبد أو بالوسائل الأخري لكن للأسف عدد كبير منهم يلقي أجله المحتوم نتيجة ضيق ذات اليد وعجز الدولة عن توفير العلاج المناسب له . مشروع قومي للوقاية وطالب الأجهزة المختصة بالدولة بوضع مشروع قومي للوقاية من أمراض الكبد لحماية الأجيال القادمة من هذا الوباء مؤكدا بأن المشروع لايمكنه أن يري النور بدون وضع آليات تنفيذه علي أرض الواقع من جانب كافة الأجهزة والوزارات والمؤسسات المعنية في الدولة . ولكي يكون هدف المشروع واضحا لابد أن تسير خطة تنفيذه في خطوط متوازية بمنع أسباب الإصابة مع توفير مياه ومستشفيات نظيفة وعيادات وبيئة نظيفة وتقنين استخدام المبيدات الحشرية أما المرضي الذين أصيبوا بالتليف أو أصيبوا بأورام كبدية فالحل هو زراعة الكبد لهم ولابد من دعم كل المشروعات الجادة والمستشفيات والمراكز الطبية الجامعية والحكومية التي أثبتت نجاحا في عمليات زراعة الكبد ولكن كل ذلك سيكون بمثابة حرث في المياه مالم نتمكن من وقف هذا الانتشار المفزع للمرض.