د. منال حمدي: وزارة الصحة لا تهتم بالتوعية بالفيروسات الكبدية.. وكليات الطب بدأت تدريس مكافحة العدوى منذ 3 سنوات فقط! أكباد المصريين في خطر أكباد المصريين في خطر.. إنها الحقيقة الوحيدة التي اتفق جميع المختصين والمهتمين بالشأن الصحي في مصر عليها بعد سنوات من التجاهل ودفن الرءوس في الرمال تفاقمت خلالها الأوضاع الصحية للمواطنين نتيجة ما يطلق عليه الأطباء تفشي طاعون العصر أو الإيدز الأصفر في البلاد.. إنها فيروسات الكبد التي تنهش أكباد المصريين بمعدلات مقلقة تستحق التوقف للحظات لدق نواقيس الخطر بدلا من الانشغال بالصراع الدائر حاليا بين شركات الأدوية المنتجة لعلاجات أمراض الكبد والتي ترغب في الفوز بكعكة الملايين من المرضي الذين تم إدراجهم في البند الأخير من أجندة حروب البيزنس. فالمشهد برمته قاتم للغاية ولا يدعو للتفاؤل، فأعداد مرضي فيروسات الكبد سواء فيروس سي أو بي الكبدي في تزايد مستمر جعل مصر تتصدر المركز الأول عالميا في أعداد المصابين خاصة بفيروس سي الكبدي الذي أصاب 9 ملايين مصري، 95% منهم لا يعرفون أنهم مصابون أساسًا بالفيروس، بينما يخضع 5% فقط منهم للعلاج، فيما تصل نسبة الإصابة بفيروس بي الكبدي إلي نحو ما بين 2 و3 ملايين مصري لا يعالج أغلبهم من المرض، بل لا يعرفون أنهم مصابون مما يجعل من المنطقي تزايد معدلات العدوي لتصل مابين150 و200 ألف حالة جديدة سنويا مما يهدد الاقتصاد الذي تصاب قوته العاملة في مقتبل حياتها خاصة أن الإصابات الجديدة يقابلها 40 ألف حالة فقط يتم علاجها في العام الواحد، 60% فقط منها تستجيب للعلاج. وبعيدًا عن لغة الأرقام المفزعة تصبح أسباب اعتلال أكباد المصريين أكثر إفزاعا خاصة أن دراسة مشتركة أجريت منذ ستة أعوام بين وزارة الصحة ممثلة في المعهد القومي للكبد التابع لوزارة الصحة وجامعة ميريلاند بالولايات المتحدةالأمريكية برعاية هيئة المعونة الأمريكية أكدت أن أهم عوامل الإصابة بفيروسات الكبد للفئات العمرية فوق 50 عاما ترجع إلي التطعيم الجماعي للمواطنين الذي نفذته الدولة إبان حقبة الستينيات والسبعينيات ضد البلهارسيا باستخدام مادة الطراطير المقيء باستخدام سرنجات زجاجية غير معقمة. وحسبما يشير الدكتور علاء إسماعيل - عميد المعهد القومي للكبد السابق وأستاذ جراحة الكبد والجهاز الهضمي بجامعة عين شمس - والذي كان مشرفًا علي الدراسة، فإن أمراض الكبد لها طبيعة اجتماعية اقتصادية، لافتا إلي أن العامل الثاني الذي أثبتته الدراسة في تزايد أمراض الكبد بين المصريين هو قصور مكافحة العدوي في المستشفيات، والذي يؤدي إلي تزايد الإصابة بفيروسي الكبد سي وبي عن طريق التعرض للتدخلات الجراحية بالأدوات الطبية غير المعقمة، حيث تمثل المستشفيات وعيادات أطباء الأسنان أهم بؤر نشر العدوي بفيروسات الكبد. ولفت إسماعيل إلي أن وضع انتشار المرض حاليا يشير إلي أن مصر تعيش عصر مضاعفات الإصابة، خاصة أنه من المتوقع أن تصل معدلات الإصابة بسرطان الكبد في مصر إلي أعلي معدلات بالعالم بحلول عام 2012 نظرا لتزايد عدد حالات التليف الكبدي للإصابات السابقة التي مر عليها أكثر من 30 عامًا. من جانبه أكد الدكتور جمال عصمت - رئيس الاتحاد العالمي للكبد ورئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية - أن الفيروسات الكبدية أخطر ما تهدد صحة المواطنين علي الإطلاق، وهي أكثر التحديات صعوبة أمام النظام الصحي والاقتصادي المصري، لافتًا إلي أن أهم أسباب انتشار أمراض الكبد في مصر ترجع إلي العدوي عن طريق الخدمات الصحية المقدمة نتيجة غياب برامج مكافحة العدوي في السابق، وفسر «عصمت» توقع ارتفاع نسبة الإصابة بالأورام الكبدية السرطانية في العامين المقبلين بأنه نتيجة تراكم الإصابات المزمنة بالفيروسات الكبدية خلال ال 30 عامًا الماضية، وقال: إن نسبة انتشار سرطان الكبد بين المصريين ستصل إلي 20 حالة لكل 100 ألف شخص حتي يصبح الأكثر انتشارا بصفة عامة بين المواطنين وسيكون أكثر انتشارا بين الرجال، ويرجع ذلك لارتفاع نسب الإصابة بالفيروسات الكبدية خاصة فيروسي c وB الذي يصل إجمالي عدد المصابين بهما إلي ما بين 11 و 12 مليون مواطن. ويشير عصمت إلي أن المشكلة الرئيسية لسرطان الكبد في مصر هو الاكتشاف المتأخر له لإحجام بعض المرضي المصابين بالفيروسات الكبدية عن إجراء كشف دوري لمتابعة حالاتهم الصحية، وتصل نسبة الاستجابة للعلاج في حال تأخر اكتشاف المرض إلي نسبة صفر%، ونادرا ما يمر عام علي المريض دون أن يتوفي.. وأوضح «عصمت» أن أورام الكبد السرطانية في تزايد مستمر وبمعدل متسارع وستصل إلي ذروتها في الفترة مابين 2012 وحتي 2020يعقبها بعد ذلك انحسار في أعداد الإصابة فيما تصل النسبة الحالية للإصابة بمرض سرطان الكبد إلي ما بين 3 و5% من إجمالي المصابين بمرض الكبد، وتحتل مصر المرتبة الثالثة في أورام الكبد عالميا بعد الصين ومنطقة جنوب الصحراء الأفريقية، وهو ما يتطلب رفع وعي المرضي المصابين بالفيروسات الكبدية بمتابعة حالتهم دوريًا عن طريق إجراء فحص الموجات الصوتية، خاصة أن الاكتشاف المبكر يؤدي إلي ارتفاع نسب الاستجابة للعلاج بمقدار 90%، ويشير رئيس الاتحاد العالمي إلي تسبب الفيروسات الكبدية كذلك في الوفاة دون التسبب في الأورام السرطانية وهو ما يسمي ب «الفشل الكبدي». وأكد عصمت أن التكلفة الاقتصادية لأمراض الكبد لا تقتصر علي العلاج بالإنترفيرون التي تصل إلي نحو 500 مليون سنويا، وإنما تكلفة زراعة الكبد التي تصل مساهمة الدولة بها إلي نحو 7 ملايين جنيه سنويًا، فضلا عما قد تسببه أمراض الكبد من إهدار أوقات العمل وتعطيل القوة العاملة، ولفت عصمت إلي ضرورة إدراج برامج التوعية ضد فيروسات الكبد بمناهج التعليم سواء الجامعي أو قبل الجامعي، مشيرًا إلي تركز الاهتمام الإعلامي في الجدل حول علاجات أمراض الكبد وتناسي حجم المشكلة القومية المتمثلة في تصدر مصر دول العالم في الإصابة بفيروسات الكبد المختلفة. من جانبه كشف الدكتور مصطفي كمال - مدير مركز أبحاث الكبد بوزارة الصحة - عن أن المسح القومي الذي أجرته وزارة الصحة عام 2008 حول أمراض الكبد الفيروسية أكد أن نحو من 40 إلي 50 % من المصابين بفيروس سي الكبدي البالغ عددهم 9 ملايين يتركز في الشرائح العمرية فوق الخمسين عامًا، بينما تنخفض نسبة الإصابة في الشريحة العمرية فوق ال 30 عاما إلي 30%من المصابين بينما ترتفع في الريف إلي 40% وتنخفض في المدن الحضرية، وفي المقابل تنخفض نسب الإصابة إلي 5% فقط في الشرائح العمرية مابين 15 و20 عامًا، بينما تنخفض نسبة الإصابة بفيروس بي الكبدي إلي نحو 2.5%فقط وذلك لإدراج برنامج التطعيم ضد فيروس بي الكبدي ضمن حملة التطعيم الأساسية ابتداء من عام 1992، وأكد كمال أن 30% فقط من المصابين بفيروس سي الكبدي هم من يعانون من مضاعفات الفيروس النشط، فيما ترتكز أهم عوامل الإصابة بفيروس سي الكبدي في التعرض للعمليات الجراحية بالمستشفيات التي لا تطبق أساليب مكافحة العدوي واستخدام الحقن الملوثة بالفيروس، ويلاحظ أن تزايد معدلات الإصابة بالفيروس تتزايد بتقدم سن المواطنين نتيجة التعرض للتدخلات الجراحية المختلفة أو علاج الأسنان، بالإضافة إلي اتباع العادات غير الصحية مثل الوشم والحلاقة بأدوات غير معقمة والولادات بأماكن غير مؤهلة، بالإضافة إلي الإدمان أو الاتصال الجنسي بالنسبة لفيروس بي الكبدي الذي ينتقل بسهولة عن طريق الجنس. ولفت كمال إلي مفاجأة من العيار الثقيل بقوله إن نحو 3% من المصابين بفيروس سي الكبدي لديهم إصابة مزدوجة بفيروس بي الكبدي، مشيرًا إلي أن مصر مقبلة علي مرحلة انتشار واسع لأورام الكبد تصل من 1.8 إلي 3% من المصابين بالتليف الكبدي، ولفت إلي أن الخسائر الاقتصادية لفيروسات الكبد في مصر تشير إلي انخفاض إنتاجية العمال لانخفاض متوسط العمر المتوقع بحدود 10 سنوات، بالإضافة إلي فترات التغيب عن العمل والحرمان من السفر وتعدي الخسائر الاقتصادية لأمراض الكبد في مصر أكثر من مثيلاتها في دول العالم، خاصة أن أعداد المصابين بفيروسات الكبد في مصر تمثل 3 أضعاف مثيلاتها بالدول المجاورة و10 أضعاف بدول العالم. وعن الأمراض غير الفيروسية التي تصيب كبد المصريين، أكد الدكتور مصطفي كمال أن من أهم أسباب الإصابات غير الفيروسية للكبد هي دهون الكبد الناجمة عن السمنة والتي تحتل مصر فيها مراكز متقدمة للغاية تصل إلي المركز الخامس عالميا وتؤدي دهون الكبد إلي تليفه في المراحل المتقدمة ذلك بنسب تتراوح مابين 3 و5% من إجمالي الذين يعانون من السمنة كما يؤدي الاستخدام السيئ للعقاقير خاصة المخفضة لنسبة الكوليسترول بالدم إلي تليف الكبد. بينما أثارت الدكتورة منال حمدي السيد - أستاذ كبد الأطفال بجامعة عين شمس - مفاجأة من العيار الثقيل بقولها: إن عدد الحالات الجديدة من المصابين بفيروسات الكبد في تزايد مستمر لتصل إلي 140 ألف حالة جديدة مقابل ثلث العدد فقط الذين يتم علاجهم، ولفتت إلي أنه علي الرغم من قلة أعداد المصابين بفيروسات الكبد بين الأطفال والتي تصل نسبتهم إلي أقل من 0.3% من المصابين وفقًا لدراسة محدودة أجريت علي 3700 طفل، فإن استمرار العدوي بين المصابين بالفيروس نتيجة استمرار العدوي بين المصابين والأصحاء يهدد بظهور إصابات جديدة بين الأجيال القادمة، وأكدت أن وسائل انتشار الفيروسات الكبدية باتت أكثر تعددًا خاصة التعرض للعمليات الجراحية بالأماكن غير المعقمة خاصة عمليات اللوز للأطفال بالعيادات العشوائية والتعرض لعيادات الأسنان بالإضافة إلي وجود أشخاص مصابين داخل نطاق الأسرة مما يؤدي إلي استخدام الأطفال أدواتهم وبالتالي إصابتهم بالفيروسات مثل استخدام المقصات والقصافات وفرش الأسنان والفوط وحقن الأنسولين المستخدمة، وأوضحت «السيد» أنه للتخلص من المرض فلابد من دعم جهود التوعية بالمرض وطرق انتشاره لرفع وعي المواطنين وتثقيفهم بعدم التعرض للتدخلات الجراحية بالأماكن غير المعقمة وعيادات الأسنان غير المعتمدة وصولا للحلاق العادي، بالإضافة إلي دعم برامج مكافحة العدوي بالمستشفيات والتي يقع علي عاتقها مسئولية نحو 50% من انتشار العدوي في مصر مع تغيير الثقافة السائدة بين الموظفين والمواطنين بضرورة وجود رقابة عليهم علي مدار الساعة لتنفيذ الضوابط الخاصة بمكافحة العدوي، وتشجيع مقدمي الخدمات الصحية علي تغيير معتقداتهم والتي تستلزم ما يشابه إعادة تنزيل سوفت وير لمعتقدات المواطنين. وتلفت د.منال إلي أن المشكلة التي تعترض حملات التوعية هي تكلفتها العالية في الوقت الذي تعاني فيه وزارة الصحة من نقص المخصصات المالية المرصودة لحملات التوعية بالفيروسات الكبدية، حيث تم إنفاقها في التوعية بمرض إنفلونزا الخنازير وهو ما يستلزم إعادة حشد الجهود لتوفير المخصصات المالية لحملات التوعية ضد الفيروسات الكبدية والتي لها تأثير واضح في منع الإصابات الجديدة بفيروسات الكبد، بالإضافة إلي تعليم طلاب الطب سبل مكافحة العدوي والتي بدأت كليات الطب في تدريسها رسميا منذ 3 أعوام مضت فقط.