حقاً إن «تسونامي» الجمهوريين الذى أطاح بالديمقراطيين فى الكونجرس ما هو إلا تحصيل حاصل لسلسلة متواصلة من الاخفاقات الأوبامية، وأن كان البعض يصوره على أنه فتح الفتوحات للقضاء على الرئيس الامريكى لكرههم أوباما؛ وهذا يعني انتزاع خصوم أوباما السيطرة على مجلس الشيوخ الذي كان بيد الديمقراطيين منذ 2007، وأن الحزب الجمهوري سيكون هذه المرة قادرا على إملاء أجنداته البرلمانية حتى الانتخابات الرئاسية في 2016.. ولكن ما يهمنا نحن فى الشرق الأوسط، هو ما سيحدث فى ادارة السياسات الخارجية الفاشلة لأوباما وإدارته تجاه داعش وسوريا والعراق وفلسطين، لأن ثمة تغييرات قادمة في حقيبتي الخارجية والدفاع، وخاصة أن الحقائق تقول: إن سيطرة الديمقراطيين أو الجمهوربين على مفاصل القرار الأمريكي لا تعني لنا شيئاً لان القرار والمصير بيد الصهيونية العالمية المسيطرة على القرار الأمريكى.. ومع هذا استوقفنى سؤال لصحيفة «أوجوردوي أونفرانس» الفرنسية.. عمن مازال يرغب في أوباما؟ حيث استعرضت الاجابة عنه أن الرئيس الأمريكي لم يكن يوما في مستوى اللا شعبية الذي يتواجد فيه اليوم. وهو ما أعطي الجمهوريين الذين يشكلون الأغلبية في مجلس النواب، حظا وفيرا أيضا للحصول على الأغلبية في الكونجرس.. والغريب أن مرشحين عن الحزب الديمقراطي لهذه الانتخابات اعتبروا أوباما عبئا ثقيلا على حملتهم؛ مما جعل بعضهم يرفع شعاراً لحملته: أنا لست أوباما، وأصبح أوباما في نظر مرشحي حزبه شخصاً منبوذاً.. لا أحد يرغب في الحصول على دعمه والجميع طلب منه البقاء بعيدا عن حملات هذه الانتخابات والاكتفاء فقط بالمشاركة في حملات جمع التمويلات وبذلك فقد أوباما ما تبقى له من تلك القوى الناعمة التى عزف عليها كثيرا، ولم يعد أحد قادراً على تصديقه فى الداخل أو الخارج ؛ ولكن القادم أسوأ، ويبدأ بتقلص صلاحيات الرئيس أوباما وشل سياساته خلال العامين المتبقيين له في البيت الأبيض لاسيما بعد أن اعتبر العديد من المراقبين أن تلك الانتخابات تعد بمثابة استفتاء ضد باراك أوباما الذي يحملونه مسئولية سلسلة أخطاء مثيرة للجدل مثل الفضيحة السياسية في الضرائب وعدم التحضير لمواجهة وباء إيبولا والنزاع السوري، وأيضًا بعد 11 شهراً من دخول نظام الإصلاح الصحي حيز التنفيذ وكلفته العالية التي تتحملها الخزينة الأمريكية.. اذا كان يرى البعض أن هذا الفوز الجمهورى فى صالح اسرائيل، ولكننى أعتقد أنه رغم محاولة حكومة تل ابيب استثمار فوز الجمهوريين، لكن الواقع يقول إن السياسة الخارجية الأمريكية ستظل ثابتة الى حد ما لحين رحيل أوباما عام 2016، مع الوضع فى الاعتبار أن هيمنة الجمهوريين على الكونجرس، ستغير من النظرة الامريكية للعديد من ملفات المنطقة وبالأخص الإيراني والسوري، والانتهاكات الاسرائيلية والملف النووي الإسرائيلي، وربما لن تأتى الرياح بما تشتهى السفن مع إيران، وسيعمل الكونجرس، صديق إسرائيل وحليف يمينها وحاضن أكثر برامجها التوسعية والعدوانية طموحاً، على عرقلة اية محاولة من الرئيس لإتمام صفقة التفاهمات مع إيران.. فالجمهوريون في العادة، أقرب إلى الموقف الإسرائيلي حيال إيران، منهم إلى الموقف الأمريكي، وهم يشجعون حرباً جديدة على طهران في سياق الحرب على الإرهاب، وهم يعتقدون ان أزمات المنطقة، لا تحل بأسلوب أوباما ولكنهم أميل الى طريقة جورج بوش الابن إذا كان فى المنصب! وحتى ولو كان الرئيس أوباما متمتعاً بصلاحيات تنفيذية، تمكنه من إتمام الاتفاق مع إيران، ولكنه لا يملك الآن من الصلاحيات ما يكفي لإشباع رغبات طهران للإفلات من قبضة العقوبات والحصار المضروب عليها منذ عقود وسيقف الكونجرس أمام تحقيق رغباته فى هذا الملف، وهناك تصريح لمارك دوبوفيتس الخبير المؤيد لفرض عقوبات معززة على ايران ولديه اتصالاته في الكونجرس «اذا تم تمديد المفاوضات مع ايران دون التوصل الى نتيجة ملموسة فإن الجمهوريين الذين يسيطرون على الكونجرس سيردون على ذلك بشكل أو بآخر خاصة أن الجمهوريين خططوا من قبل لاستخدام كل الخدع البرلمانية الممكنة للضغط على زعيم الأغلبية الديمقراطية هارى ريد من أجل السماح بتصويت على عقوبات جديدة ضد إيران. أما على المسار السوري، فإن الجمهوريين، من مؤيدى تسليح المعارضة وتدريبها، بل إنهم تجاوزوا ذلك الى الاعلان برغبتهم فى التدخل العسكري المباشر في الأزمة السورية. وعامة الكونجرس لا يمكنه اجبار الادارة الامريكية على ان تكون أكثر عدائية. وربما يصبح النقاش بشأن استخدام القوة بغرض الاشارة فقط بأصابع الاتهام الى عدم كفاءة ادارة أوباما.. إلى جانب أن اللجوء لاستخدام القوة لن يكون قبل يناير 2015، ورغم أن هناك صقوراً مقربين من جون ماكين ونواباً آخرين أقل ميلا للعمليات خارج الولاياتالمتحدة؛ وخاصة أن «جون ماكين» انتقد كل خطوات الإدارة من محاربة متشددي الدولة الإسلامية «داعش» إلى تسليح المعارضة السورية؛ ولكن الأرجح أن السياسة الأمريكية في سوريا، سيطرأ عليها قدر من التغيير، لصالح نزعات التدخل والعسكرة، بدل البحث عن حلول سياسية.. ولكن هل سيحسم الأمر أوباما المتردد، وخاصة أن هذه المرة، تدعمه حسابات «توازن القوى» الجديد بين البيت الأبيض والكابيتول هيل. ومن الملفات الساخنة أيضا التى ستشهد تغيراً إلى حد بعيد فى ادارتها ملف المواجهة مع روسيا على خلفية أوكرانيا، فيجب الإقرار بأن أوكرانيا دولة فاشلة, وأن قادتها عديمو الكفاءة وفاسدون. مع التخلي نهائيا عن فكرة دفع موسكو إلى الحرب، كما يرى الكاتب تيرى ميسان. وفى النهاية فإن انتخابات الكونجرس هى القشة التى قصمت ظهر أوباما!