ضريح رخام فيه السعيد اندفن...وحفرة فيها الشريد من غير كفن..مريت عليهم وقلت ياللعجب...الاتنين ريحتهم ليها نفس العفن.. إنه الموت الذي يأتى بلا موعد سابق، فيساوى بين الغنى والفقير.. حفنة من التراب كفيلة بانطلاق رحلتك الأبدية للدار الآخرة، ولكن هيهات أن تمنحك الحياة هذا الحق دون أن تدفع ثمن الرحلة. إنها مدينة لفظت أبناءها أحياء وأمواتا.. نجحت في تفرقتهم أسفل الكباري وداخل المقابر، فلم تمنحهم أمان السكن أو رغد الحياة، أطفال آوت علي أسرّتها الحجرية بأرصفة الشوارع، وأموات لن يجدوا مأوى يضم رفاتهم. "القاهرة".. مدينة قهرت أحباءها بدنياهم وآخرتهم.. ففيها أصبح العيش والموت مكلفا، حلمك بقبر يضمك بات أمرا مستحيلا يشبه الحصول علي شقة سكنية.. ولكن هيهات في ظل ارتفاع أسعار القبور لتصل إلى 70 ألف جنيه، وأحيانا أخري تعدت النصف مليون. ارتفاع الأسعار لم يرحم حيا ولا ميتا.. فالموت صار له معاييره وشروطه الخاصة، حق السفر للدار الآخرة شرطا لا غنى عنه لمواراة التراب، وإذا كنت لا تملك المال الكافي فمقابر "الصدقة" أولى بعظامك. إنها "تجارة القبور".. التى صارت بيزنس رائجا لسماسرة " الآخرة " وبائعي القبور في السوق السوداء.. فقد لاقت تلك التجارة خلال السنوات الأخيرة رواجا كبيرا ووصلت أسعارها إلى ارتفاعات غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر ال40 مترا للمقبرة الواحدة في مقابر المدينة حاجز ال70 ألف جنيه ويصل أحيانا للنصف مليون جنيه.. وهو ثمن يتجاوز سعر المتر المربع السكني بعدة أضعاف. فعندما كنا نسمع عن أزمة سكن وارتفاع أسعار الشقق والإيجارات، فهذا شيء اعتاد المصريون عليه في السنوات الأخيرة وهى أزمة صنعها النظام السابق، ولكن أن نسمع عن أزمة في البحث عن مدفن فهو ما لم نعتد على سماعه من قبل، ففي القاهرة تحديدا أصبح الموت مكلفا بدرجة كبيرة، وأصبح القول الشائع بين المصريين هو "موت وخراب ديار". إن أسعار المقابر في منطقة الإمام الشافعي والسيدة نفيسة تعد الأعلى سعرا لأن هذه المناطق أثرية وقد يصل سعر المتر الواحد فيها إلى أكثر من 2000 جنيه وخاصة في مقابر الرفاعي التي دفن فيها الملك فاروق، أما في المدن الجديدة مثل منطقة السادس من أكتوبر والقاهرة الجديدة فسعر المدفن بها يبدأ من 50 ألفا وقد يصل إلى 120 ألف جنيه. لقد أصبحت القاهرة مدينة استهلاكية، استغلت كل شيء حتى الموت.. لم تأبه لحياة مواطنيها المعقدة ولا الأعباء التى أحنت كاهلهم، فأثقلتهم بتكاليف الموت.. وانقسم الموتى المصريون إلى فئات طبقية حسب تكلفة تكفينهم وقبورهم ومعازيهم التي تحولت إلى حفلات زفاف للسماء.. لنجد بالنهاية البعض رافعا شعار "الدفن بالتقسيط".