شعاع من نور.. وطيف من أمل استعاضت بهما، ولؤلؤة عن عيون مثل عيون الناس عيون لا تبصر صوراً ولا أشياء.. استبدلت بقلوب هى عدسات تقترب من المشاعر والأحاسيس فتكبرها وتعظمها.. ليبدأ أوركسترا نادر الوجود فريد الصنع فى العزف على أوتار الروح.. فيسمو العازف والمستمع إلى مرتبة هى أقرب لعالم يصنعه «كل على هواه» سحب وسماوات ونجوم.. شموس وأقمار.. نسمات ورياح عالم من الخيال «الشخصى جداً» لا يعيش سوى صاحبه العازف والمستمع كلاهما «سلطان» فى أوركسترا الفتيات الكفيفات كلاهما «صانع سعادة». صول سى.. بريمو.. آكوز.. سفير ساندو سكوندو.. كلمات يتم تبادلها داخل قاعة بروفات «البراعم» لم أفهم منها شيئاً.. أياد تتحرك على نوتة موسيقية مكتوبة بطريقة برايل.. كانت عيناى على الفتيات الصغيرات وهن يتابعن صوت المايسترو بينما تتحرك أناملهن برشاقة الفراشات على الآلات الموسيقية.. لأسمع أحلى الألحان معزوفات عالمية راقية تهتز لها الروح وتتحرك معها المشاعر.. ترقص.. وتحزن.. تفرح وتستكين.. هن يعزفن والحاضرون تسمرهم النغمات. ينتابك شعور لا إرادى بأنهن مبصرات لما حولهن.. يدركن تفاصيل كل شىء كأنهن عصافير الجنان تشى بما يدور فى المكان. فى فترة الراحة بين البروفات.. لا تدع أى منهن آلتها بل تحتضنها فهى جزء لا يتجزأ منها.. فرقة البراعم كلهن فتيات صغيرات.. منهن فاطمة التى تعزف على الكلارينيت ودينا عمرها 15 سنة فى إعدادية الأمل تعزف على الترومبيت أما بسنت فتقول إنها اختارت الأبوة لأن صوتها عاجبنى، قالت الفتاة: نفسى أبقى عازفة كبيرة وعندما سألتها كيف اختارت الالتحاق بفريق البراعم، قالت: أحب الموسيقى منذ أن كنت طفلة صغيرة وألعب بالآلات الموسيقية أما نورهان فاحتضنت «الكمان» وأخذت نفساً عميقاً كأنما هى فى حلم وقالت نفسى أدخل الجامعة وأكمل فى مجال الموسيقى. الجذور والبراعم فريق البراعم والأوركسترا الكبير هما الجانب الأكثر شهرة فى نشاطات جمعية النور والأمل التى تم تأسيسها فى عام 1954 على يد مجموعة من السيدات المتطوعات بمبادرة من السيدة استقلال راضى كأول مركز فى الشرق الأوسط لرعاية وتعليم الفتيات الكفيفات وتأهيلهن مهنياً وإعادة تكييفهن فى المجتمع، أما معهد الموسيقى فقد أسسته عام 1961 السيدة «استقلال» على أساس أكاديمى بالتعاون مع الدكتورة سمحة الخولى، الرئيس السابق لأكاديمية الفنون المصرية، عميدة كونسرفتوار القاهرة للموسيقى سابقاً، ثم جاءت السيدة آمال فكرى، نائب رئيس مجلس الإدارة، المسئولة عن الشئون الخارجية للجمعية لتنظيم أول حفل موسيقى خارج مقر الجمعية فى دار الأوبرا المصرية بالقاهرة لأول جيل من العازفات وكان وقتها مكوناً من خمس عشرة فتاة كفيفة وبعد ذلك صار الأوركسترا 30 عازفة وقدمن عام 87 حفلاً موسيقياً رائعاً على مسرح الجمهورية أفضل مسرح بالقاهرة، وقتها بحضور حرم رئيس الجمهورية فى هذا الوقت. تقليد يابانى وذاع صيت الأوركسترا حتى أن عازف الكمان اليابانى الكفيف تاكا يوشى واناس قرر تكوين فرقة مماثلة من الموسيقيين المكفوفين فى بلده بعدما استمع لعزف الأوركسترا المصرى ورد على الفتيات بعزفه على الكمان، بعدها دُعى أوركسترا الكفيفات فى افتتاح دار الأوبرا الجديدة ونال إعجاب الجميع، وكان بداية تحقيق الحلم على يد السيدة آمال فكرى التى نظمت أول رحلة للعازفات من الجيل الثانى للسفر والعزف خارج البلاد، وتقول السيدة آمال ساعدنا كثيراً الدكتور محمد شاكر، سفير مصر السابق بالنمسا، والدكتور حازم عطية، المستشار الثقافى السابق، هناك حيث نظما أول رحلة للأوركسترا بالنمسا بلد الموسيقى وكان فى Vienna Towhall. وهناك أعرب المستشار فرانز فرانتسكى عن إعجابه الشديد قائلاً: «الأوركسترا جلب الموسيقى إلى فيينا» ووصفه وزير الشئون الاجتماعية النمساوى بأنه معجزة إنسانية»، أما عمدة فيينا فقال هذا الأداء أحد أعياد واحتفالات عاصمة الموسيقى فى العالم واحتفلت الصحافة النمساوية بالأوركسترا الذى وصفته بالهرم الرابع وأداء الأوركسترا غزو ثقافى للنمسا، وبهذا حصلت العازفات الكفيفات على تأشيرة دخول موسيقية توالت بعدها العروض والنجاحات حتى أن الأميرة أم حبيبة حرم السلطان أغاخان سافرت خصيصاً إلى فيينا لحضور حفل الأوركسترا الذى تمت دعوته للعام التالى وشهد مؤتمر المعاقين بالأردن حفلاً رائعاً أحياه أوركسترا النور والأمل وقام الملك حسين وقتها بتكريم أعضاء الفرقة ثم تلقى دعوة من الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية بالكويت وتشير السيدة آمال إلى أن أوركسترا النور والأمل قدم نحو 28 حفلة بالخارج ليقدم عروضاً ناجحة فى 24 دولة منها 14 دولة أوروبية و5 دول عربية و3 دول آسيوية، بالإضافة إلى أستراليا وكندا، وعزف الأوركسترا أعظم معزوفات فى لندن ومتحف فيكتوريا وألبرت أعقبه حفل عشاء فاخر من الملكة وقدم الفريق حفلات فى عدة مدن بالسويد وفى يوم من أيام استوكهولم الممطرة عزف الأوركسترا على مسرح مفتوح وكان مشهداً فريداً حيث امتلأت الحديقة بالجمهور الذى كان واقفاً يستمع وبيده المظلات وهناك تم تسجيل شريط كاسيت لعزف الأوركسترا فى استوديو مجهز كمجاملة من شركة بايونير. تجربة العمر تاريخ لم يصنع بسهولة لكن الصعاب توأم النجاح هذا ما كان يثبته كل حفل تحييه الفتيات فى كل بلدان العالم كان التصفيق والحماس جائزة فورية تبعث النور فى عيونهن حتى مع كونها لا تبصر، عندما عزف الأوركسترا، مقطوعة «زور بالثيودوراكيسن» بأثينا اشتعل الجمهور حماساً وتجاوب مع العازفات بالجيل الثالث للأوركسترا. وكان ذلك سبباً فى الهتاف والتصفيق الذى استمر ل10 دقائق عندما ظهرت الفتيات على المسرح الرومانى القديم، والعزف منفرداً لإحياء حفل إضاءة الشعلة الأوليمبية بمدينة باتراس العاصمة الثقافية لأوروبا 2006 إيذاناً بانطلاق الألعاب الأوليمبية للشباب بعدها بثلاث سنوات تم توجيه الدعوة للأوركسترا للعزف منفرداً دون غيره من قبل الاتحاد السويسرى للمكفوفين وذلك بمناسبة اليوبيل الذهبى للاتحاد وقدمت الفتيات ثلاثة عروض رائعة فى زيورخ وفارتك وبريج وهنا تلوح ذكريات متعة التنزه فى نفق حُفر داخل نهر الرون الجليدى وتتذكر السيدة امال هذا اليوم والفرحة الشديدة لعضوات الأوركسترا وهن يتناولن الطعام فى مطعم حالك الظلام خاص بالمكفوفين وتبادلت الأدوار مع القائمين بالخدمة «المكفوفين أيضاً» وقدمن المساعدة للوفد المرافق لهن بتناول الطعام فى الظلام. كان تقدير العالم لأوركسترا النور والأمل نوراً وأملاً فعلاً يدعم عضوات الفريق للمضى قدماً فى تقديم أفضل الحفلات بعد أن مثلن مصر تمثيلاً مشرفاً فى كافة المحافل الدولية فى أوروبا والعالم العربى. وبمناسبة مرور 200 عام على مولد لويس برايل عزفت الفتيات فى الحفل الفاخر الذى أقامته بلدية باريس كما عزف الأوركسترا عام 2009 فى مدينة كوفرى بفرنسا مسقط رأس لويس برايل المخترع الشهير لنظام القراءة والكتابة للمكفوفين الذى استفاد منه الملايين فى أنحاء العالم، تقول نائب رئيس الجمعية: كان هذا أفضل وأنجح حفل حين دوت هتافات الجمهور بأنحاء القاعة ترحيباً بفتياتنا حين ظهرن على المسرح وكل منهن يقودها تلميذ إلى المقعد المخصص لها وقد صفق الجمهور بتأثر مراراً خلال الحفل تعبيراً بإعجابه الشديد وقبل العودة إلى مصر استمتعت الفتيات بيوم ترفيهى كامل فى ملاهى يوردو ديزنى، والحقيقة أننا كنا حريصين على عمل برامج ترفيهية للفتيات فى كل البلاد التى زرناها حتى فى الهند عندما عزفن فى نيودلهى زرنا تاج محل. عين الموسيقى من أواخر الحفلات التى أحياها الأوركسترا بالخارج ذلك الحفل الذى كان مشتركاً بين فريقنا وأوركسترا أوفاس المحلى أعضاؤه مبصرون ولحظة وداعنا اصطف مضيفونا وكثير من الجمهور على الصفين ليشكلوا «ممر الشرف» الذى قاد مجموعتنا إلى الحافلة مما أبكانا من شدة التأثر والفرح وفى يونية قبل الماضى أحيا الأوركسترا حفلات بمدينة كورتريك البلجيكية بعد عدة مؤتمرات طبية بعنوان عين الموسيقى وعزف الأوركسترا على مدى 4 أيام بمدينة بروج وايبرسى تحية للجنود الذين استشهدوا فى الحرب العالمية الأولى ثم قدمنا حفلنا الرابع بجراتس وهى المدينة الوحيدة خارج مصر التى يعزف فيها الأوركسترا للمرة الرابعة فى قاعة Minori Tensaal. سألت مسئولة الأوركسترا هل تقدم الفتيات عروضنا بالخارج فقط؟ فقالت: لا، وعلى مدى سنوات طويلة قدمن حفلات فى افتتاح الأوبرا ومسرح الجمهورية كما قدم الأوركسترا حفلات عديدة داخلة الجمعية تحية للضيوف الرسميين الذين يزورون مصر بصحبة زوجات الرؤساء مثل ملكة هولندا وفرح ديبا وكذلك شيرلى تامبل وبيرل بايلى والفنانة فاتن حمامة وأم كلثوم وكبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية التى زارت الجمعية. وعن نظام التحاق الفتيات بالأوركسترا قالت: لدينا الأوركسترا الكبير بدأ ب 15 فتاة ووصل الآن ل43 فتاة وتبدأ الفتاة من ثانية ابتدائى حتى الثانوية العامة فى مدرسة النور والأمل ولدينا فتيات البراعم 27 فتاة من المدرسة وقد تدخل الفتاة الجامعة إذا أرادت ولدينا فعلاً فتيات فى الجامعات فضلاً عن معهد موسيقى النور والأمل وفريق البراعم يقدم حفلات فى المراكز الثقافية وغيرها. هل لديكم فريق كورال؟ - نعم أحياناً يطلب منا حفلات يكون فيها كورال وخاصة فى الدول العربية وكندا وأستراليا. وما علاقة الأوركسترا الكبير بالبراعم؟ - تتم تغذية الأوركسترا الكبير وتطعيمه بالبراعم عندما يصلون إلى مستوى بعينه وعلى فكرة هن ممتازات ومحبات للموسيقى جداً. هل هناك شروط للالتحاق؟ - أول وأهم شرط أن تكون كفيفة وليس لديها إعاقة أخرى ويتم التدريس بطريقة برايل، والإقامة لدينا داخلية بلا رسوم ولدينا مناهج التعليم إلى الثانوى ويدرس لهن مدرسون متخصصون بل وخبراء روس فى الموسيقى وعندما يحصلن على الثانوية العامة الموسيقية يلتحقن إما بالجامعات العادية أو المعاهد العليا للموسيقى أو الكونسرفتوار، وهم بالفعل أثناء الدراسة لديهن مدرسو موسيقى على أعلى مستوى ولدينا أساتذة فى جامعة حلوان «تربية موسيقية، والأوركسترا الكبير تتقاضى فيها الفتيات رواتب ومكافآت فى السفريات وبدلات على البروفات أيضاً». هل هناك مشكلة فى التمويل؟ - كل الجمعيات الأهلية تعانى بعد الثورة لأننا نعتمد على التبرعات التى قلت بشكل كبير، ووزارة الثقافة تدعمنا باليسير، لكننا أحياناً نقيم حفلات لتمويل سفرياتنا ورحلاتنا خاصة فى الدول الأجنبية أما الدول العربية تكون الاستضافة كاملة وتشمل تذاكر الطيران.