تم التعجيل بانتخابات الرئيس، قبل الانتخابات البرلمانية القادمة وذلك رغم النص علي أولوية هذه الانتخابات في الإعلان الدستوري الأساسي الذي نفذ في 3/7/2013 بعد نجاح ثورة 30 يونية 2013 وبالتالي فإن هذه الانتخابات النيابية تخضع لما ورد في المادة 230 من الدستور التي نصت علي أن يجري انتخاب رئيس الجمهورية أو مجلس النواب وفقاً لما ينظمه القانون علي أن تبدأ إجراءات الانتخابات الأولي منهما خلال مدة لا تقل عن ثلاثين يوماً، ولا تجاوز تسعين يوماً من تاريخ العمل بالدستور، وفي جميع الأحوال تبدأ الإجراءات الانتخابية التالية، خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور. وبناء علي الفقرة الثانية من هذه المادة فإنه لابد من بدء الانتخابات النيابية خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور، وقد ثار في هذا الخصوص السؤال عن مدي سلامة تأجيل هذه الانتخابات النيابية، إلي مرحلة تالية للانتخابات الرئاسية، رغم ما نص عليه الإعلان الدستوري الأساسي المؤرخ 3/7/2013 كما أنه ثار أيضاً التساؤل عما إذا كان الميعاد الذي حددته الفقرة الثانية من المادة المذكورة للانتخابات البرلمانية فيه مخالفة دستورية تؤدي إلي بطلان الانتخابات؟.. وهذا الرأي الصحيح دستورياً.. إن هذه المواعيد رغم ورودها في الدستور تعد قواعد نظامية حسب الظروف والملاءمات الدستورية والسياسية. ويفرض ذلك العديد من الأسئلة عن مدي ملاءمة أو إمكان الالتزام بهذا الميعاد وذلك بمراعاة الظروف والأوضاع الداخلية في الساحة السياسية المصرية حالياً، حيث لم يتم قهر الإرهاب الإخواني بعد، ويوجد فعلاً حوالي 92 حزباً سياسياً في مصر، بالإضافة إلي عدد آخر تحت التأسيس، كما أنه يوجد أيضاً 25 حركة سياسية تقريباً لم تتخذ شكل الحزب أو الجمعية دستورياً وقانونياً، وأغلبية هذه الأحزاب والجماعات تمارس نشاطها إعلامياً، ويوجد بين الأحزاب السياسية القائمة بعد حل حزب «الحرية والعدالة» قضائياً سقوط جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية قضائياً وسياسياً، حوالي 35 حزباً تقوم علي أساس إسلامي أو المرجعية الإسلامية رغم الشكل الظاهر والبرنامج الحزبي لكل منها. وقد نصت المادة 4 من الدستور علي أن السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات ويصون وحدته الوطنية التي تقوم علي مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك علي الوجه المبين بالدستور. كما نصت المادة 5 علي أنه يقوم النظام السياسي علي أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة واحترام حقوق الإنسان وحريته علي الوجه المبين بالدستور. كما نصت المادة 53 من الدستور علي مبدأ المساواة وعدم التمييز بين المواطنين.. ونصت المادة 54 علي أن الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس. كما نصت المادة 73 علي أن للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أساس ديني، أو بناء علي التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو علي أساس طائفي أو جغرافي أو ممارسة نشاط معاد لمبادئ الديمقراطية أو سري أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي. كما نصت الفقرة الثانية من المادة 75 علي أنه يحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سرياً أو ذا طابع عسكري أو شبه عسكري، وذلك كله علي النحو المبين الذي ينظمه القانون. وبناء علي هذه الأحكام الدستورية وعلي الحظر الصريح لإنشاء الأحزاب أو الجماعات التي تقوم علي أساس ديني أو مرجعية دينية، فإن هذا النوع من الأحزاب أو الجماعات الدينية يحظر وجوده أو بقاؤه بنص الدستور، وبناء علي قانون الأحزاب السياسية وقانون الجمعيات فقد صدر بالفعل حكم نهائي من محكمة الأمور المستعجلة بحظر جماعة الإخوان الإرهابية والتحفظ علي أموالها ومقارها، كما صدر حكم من المحكمة الإدارية العليا «دائرة الأحزاب» بحل حزب «الحرية والعدالة» الإخواني الإرهابي تنفيذاً لأحكام الدستور وقانون الأحزاب السياسية باعتباره حزباً دينياً، وله نشاط سري ودولي وتنظيم عسكري إرهابي. والسؤال الذي يثور إزاء هذه الحقائق هو هل يتعين لتطبيق أحكام الدستور وقانون الأحزاب، علي حزب «النور» والأحزاب والجماعات ذات المرجعية الدينية الموجودة، صدور حكم قضائي من المحكمة الإدارية العليا أو المحكمة المختصة، حسب الأحوال، والرد الصحيح هو أن الفقرة الأخيرة من المادة 73 من الدستور التي اشترطت لحل أي حزب صدور حكم قضائي بذلك تنطبق فقط علي الأحزاب الشرعية التي ليست محظورة إطلاقاً بنص الدستور والقانون وذلك لأسباب تتعلق بعدم التزام الحزب في نشاطه بهذه الأحكام أو ببرنامجه وذلك دون أن يكون الحزب أو الجماعة محظوراً أصلاً دستورياً وقانونياً مثل الأحزاب والجماعات الدينية بصفة مطلقة. وبناء علي ذلك فإنه يخالف ويهدر أحكام الدستور والشرعية القانونية بقاء أحزاب أو جماعة دينية تمارس نشاطاً في الساحة السياسية، وتعمل حالياً علي تنظيم الترشيح لأعضائها في الانتخابات النيابية القادمة، ويتعين صدور قرار من رئيس الجمهورية بحل هذه الأحزاب والجماعات ومصادرة أموالها ومقارها وذلك قبل الدعوة إلي الانتخابات البرلمانية القادمة! ويثور أيضاً السؤال عما إذا كان من الملائم الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها بمراعاة واقع الساحة السياسية الحالية، حيث الإرهاب الإخواني مازال مستمراً، وبمراعاة الأحكام الدستورية والقانونية السابقة التي يضاف إليها ضرورة وحتمية الالتزام بتنفيذ ما نص عليه الدستور في المادة 243 من أن تعمل الدولة علي تمثيل العمال والفلاحين تمثيلاً ملائماً في أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار الدستور، وذلك علي النحو الذي يحدده القانون، وكذلك حتمية الالتزام بأن تعمل الدولة علي تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة والمصريين المقيمين بالخارج تمثيلاً ملائماً في أول مجلس نواب منتخب بعد إقرار الدستور وذلك علي النحو الذي يحدده القانون (م 244 من الدستور).. وأعتقد أن صدور القرارات الجمهورية بقوانين التي تنفذ أحكام الدستور السالف الإشارة إليها لا يمكن أن يتم إعدادها وإصدارها قبل موعد الدعوة إلي الانتخابات البرلمانية القادمة بوقت كاف لتنقية الساحة السياسية من الإرهاب والمخالفات الدستورية والقانونية والسياسية السالف ذكرها. ولتنفيذ ما حتمه الدستور من إصدار قرارات بقوانين تمثيل العمال والفلاحين والشباب والمسيحيين، وغيرهم طبقاً للمواد 243 و244 من الدستور وتحديد الدوائر الانتخابية، ونزولاً علي جميع ما سلف بيانه فإنه من الحتمي ألا يتم دعوة الناخبين للانتخابات البرلمانية قبل إصدار وتنفيذ تلك القرارات الجمهورية بقوانين والقرارات الجمهورية التي تعتبر تكملة لأحكام الدستور، وبالطبع فإن عدم التقيد بميعاد الانتخابات المحدد في المادة 230 للاعتبارات والظروف الدستورية والسياسية والأمنية السابق شرحها لا يرتب البطلان بل إن ما يثير هذا البطلان هو عدم تنفيذ كل أو بعض المواد الدستورية التي سلف بيانها بالقرارات الجمهورية بقوانين والقرارات الأخري المكملة للدستور، وذلك قبل الدعوة إلي الانتخابات النيابية القادمة. رئيس مجلس الدولة الأسبق