أكتب اليوم من أطهر بقاع الأرض.. من الوادي المقدس طوي.. من طور سيناء.. من الأرض المباركة.. هنا تجلي الله سبحانه وتعالي بنوره فدكت الجبال دكا.. وهنا كلم الله موسي عليه السلام «اخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوي».. وهنا تلقي «موسي» ألواح العهد من ربه.. الوصايا العشر.. وهنا أنزل الله علي بني إسرائيل المَن والسَلوي.. وتفجرت اثنتا عشرة عيناً خرج منها ماء زلال يستقون منه ويسقون دوابهم.. لكن بني إسرائيل ما حمدوا وما شكروا ربهم.. بل عصوه وتمادوا في طغيانهم وفسادهم، فكتب عليهم التيه في هذه الأرض أربعين عاماً. هنا أري أمامي سلسلة من الجبال الصخرية الشاهقة.. تضفي عليك جواً من السحر والطمأنينة والمهابة.. ما أروع أن تشرق الشمس علي القمم الجبلية.. وما أروع أن تري بعينيك غروب الشمس هنا.. انها صورة بديعة رسمتها قدرة الله عز وجل. قف هنا.. اخلع نعليك.. بدل ثيابك المتسخة وارتد غيرها نظيفة وطاهرة.. انس همومك ومتاعبك وأهلك وزوجك وأولادك.. انزع الشر والحقد من قلبك.. هنا اذكر الله وحده لا شريك له.. اشكره.. اطلب الصفح والعفو والمغفرة.. اسجد لله.. سبحه كثيراً.. أقم الصلاة. ما أروع أن تسجد لله خاشعاً في أرض تجلي فيها بنوره.. تكلم فيها مع فرد واحد من البشر، هو موسي عليه السلام.. في أرض هو أقسم بها.. «والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم».. ان الطور تحظي بمكانة كبيرة في القرآن الكريم.. ولقدسيتها ذكرت 10 مرات، ارتبطت جميعها بقصة الوحي والعهد مع الله تعالي وموسي عليه السلام. هنا في الطور بئر يقولون عنها انها بئر «موسي» التي سقي منها أغنام الفتاتين.. وهنا شجرة يقال انها شجرة «موسي» التي اشتعلت بها النيران فاهتدي «موسي» ليكلم ربه.. ويقولون هنا عن هذه الشجرة انها حيرت العلماء، إذ جرت محاولات لاستزراعها في أماكن كثيرة من العالم، وباءت تلك المحاولات بالفشل.. وهنا أيضاً عشرات النباتات التي ليس لها مثيل في أي مكان، لا في مصر ولا غيرها. هذه هي الأرض المقدسة والمباركة التي وهبها الله لمصر.. انها أرض سيناء الطاهرة.. سار فوق رمالها أنبياء الله.. «إبراهيم» و«يعقوب» و«يوسف» و«عيسي» والعذراء «مريم».. وعاش علي أرضها «موسي» و«هارون» و«إلياس» و«صالح». ان سيناء ليست ماضياً نتحدث عنه.. ولا مجرد جزء من أرض مصر باركه أنبياء الله.. ولا أرض نحتفل كل عام بتحريرها من أيدي الصهاينة.. بل هي أرض باركها الله فأصبحت مليئة بكنوز الدنيا.. نعم هنا كل كنوز الدنيا، فسيناء ليست شرم الشيخ فقط، ولا نويبع، أو طابا، أو دهب والعريش.. سيناء هي كنز مصر المفقود.. مفقود بفعل فاعل.. بفعل الإهمال، والاستهبال أحياناً. ولا أعرف لماذا أهملنا سيناء كل هذه السنوات.. ولماذا تجاهلناها بهذا الشكل المهين.. كرمها الله وأهملناها نحن.. أقسم بها الله وأدرنا نحن ظهورنا لها(!).. حتي أصبحت مطمعاً للآخرين. هنا علي أرض سيناء كل أنواع المعادن والرمال والصخور التي تقام عليها صناعات ثقيلة يمكن أن تدر علي البلاد مليارات الدولارات.. لماذا أهملناها؟!.. أين وزير الصناعة؟!.. وأين وزير الاستثمار؟!.. وأين محافظ البنك المركزي؟!.. ان بنوك مصر بها ما يزيد علي تريليون جنيه مصري ودائع، لا تجد من يستثمرها.. لماذا لا نستثمر جزءاً منها لإنشاء المصانع في سيناء لتشغيل ملايين العاطلين وزيادة الإنتاج والتصدير.. وتوفير العيش الكريم للمصريين؟!.. لماذا لا تتحركون؟!.. هل تنتظرون تعليمات الرئيس السيسي؟! وهنا أيضاً في الوادي المجاور لمدينة الطور.. والذي يقع بين سلاسل الجبال المطلة علي خليج السويس، وسلاسل جبال الطور.. أرض منبسطة تزيد علي المليون فدان.. هي أرض تنتج كل الخير.. أليست أرضاً مباركة.. كانت قبل 5 سنوات قاحلة لا يقترب أحد منها.. أهملتها الدولة، فلجأ بعض البدو وبعض المغامرين من المحافظات الأخري، وزرعوا بعض أجزاء منها.. أنفقوا ملايين الجنيهات علي استصلاحها وزراعتها.. حولوا الصحراء إلي جنة تنتج ثماراً لا مثيل لها في محافظات مصر الأخري.. أليست أرضاً مباركة.. تقدم هؤلاء المغامرون إلي وزارة الزراعة لتملك الأرض بعد زراعتها.. لكن وزارة الزراعة رفضت.. ثم رفضت.. ثم رفضت.. وزارة الزراعة هي جزء من الحكومة.. والحكومة عندنا لا ترحم ولا تترك رحمة ربنا.. الحكومة لا هي زرعت الأرض ولا تركت الناس تزرع.. الحكومة عندنا لم تتغير بعد، هي نفس الأدمغة، ونفس القوانين، ونفس الروتين، ونفس الوجوه العكرة التي تعطل المراكب السايرة.. المشكلة ليست في أن نخلع «نظيف» ثم نأتي ب«إبراهيم محلب».. ولا أن نخلع «مبارك» ونأتي ب«السيسي».. المشكلة في السيستم.. في الإدارة وتغيير السياسات.. افهموها بقي.