لم يلتفتوا إليها الا عندما أصابتهم شظاياها. فى يونيو الماضى كنت فى لقاء بالكونجرس الأمريكى مع مسئول بلجنة العلاقات الخارجية ضمن وفد صحفى وسألت عن صمت الادارة الامريكية على ارهاب وفزع ودمار «داعش» فكان الرد بسيطا ومستفزا: «إنها ليست مشكلتنا. إنها مشكلتكم أنتم، لماذا ينبغى على الولاياتالمتحدة أن تحل مشاكلكم؟» ولم يكن ذلك صحيحا، فداعش ولدت بعد التجربة الامريكية فى العراق، وكانت دليلا واضحا على فشل منهج الولاياتالمتحدة فى الحرب على الارهاب، فالمواجهات الأمنية، والقصف، والمطاردات، والتصفية، وجوانتامو، والتعذيب بالوكالة وحدها لم تُنه عمليات الارهاب، ولم تمنع أشاوس المتأسلمين القتلة من اختطاف الصبية والنساء والأجانب وذبحهم عيانا. ظلت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها ينفّذون ذات السياسة التى تعتمد على القوة العسكرية والردع والتدمير للبنى التحتية والعتاد والأفراد دون أى التفات للأفكار. مثلما فعل عبدالناصر مع الاخوان فانتشرت أفكار سيد قطب وتحصنت وتحولت إلى رؤى مقدسة لا تقبل طعنا. للكلمات أظفار وأنياب، والفكر أخطر من الكلاشينكوف، وما لم يلتفت العالم لداعش فكريا، فإنها ستنتقل إلى أوروبا، بل وأمريكا نفسها. منذ صاح عبدالرحمن بن ملجم فى وجه على بن أبى طالب وهو يقتله غدرا «لا حكم إلا لله»، والقتل والعنف والارهاب باسم الدين يسكب دوارق القبح على أوطاننا. فيما بعد تكررت العبارة فى أزمنة مختلفة، واستخدمت مقولة الحق فى سبيل أباطيل عديدة، وأطل عبدالرحمن بن ملجم فى ثياب أخرى وبأقنعة متنوعة، لنشهد سيد قطب يكفّر المجتمع الذى تأثر بثقافة الغرب، ونعرف شكرى مصطفى الذي يعتبر أنصاره وحدهم المسلمين وهو إمامهم، ونرى محمد عبدالسلام فرج يفتى بقتل الرئيس السادات لأنه يحكم بغير ما أنزل الله، ثم جاء اسامة بن لادن لينسف النساء والأطفال الأبرياء انتقاما لفلسطين! سُفحت الدماء، واحترقت سنابل القمح فى مصر والجزائر واليمن والعراق والسودان باسم نصرة الدين. سقط الأبرياء وهربت البسمات من فوق الشفاه، وانطلق رصاص التكفير يقتل ضحاياه فى سادية وخسة معنويا بعد أن تمتد أيدى الجهلة لرقابهم ظلما وعدوانا. الارهاب فكرة، لا يمكن تفكيكها ودحضها بالمواجهة الأمنية، والسجن، والقانون، والمصادرة، والمنع فقط. لابد من فكر دينى مضاد يرد الكلمة بالكلمة، والحجة بالحجة، ويمسح القذى عن أعين من لا يبصرون سماحة ودعة ونضارة وتحضر الاسلام. إن مصلحة المجتمع الدولى الآن أن يتجاوز المواجهة الامنية إلى المواجهة الفكرية. الرد على التوحش والقبح ردود عملية ناصعة من خلال مشروع يشارك فيه الأزهر وتتبناه دول الخليج ويستهدف اظهار الوجه الحضارى للدين. مطلوب أن نقول للعالم كله أن هذا ليس هو الاسلام. والله أعلم