بالرقص والهتاف.. احتفالات واسعة في طهطا عقب إعلان فرز اللجان الانتخابية    هبوط حاد لأسعار الذهب عالميًا.. وخسائر الأوقية تتجاوز 30 دولارًا    الخارجية السورية: محاولات خارجية لزعزعة الاستقرار في البلاد    الحوثي: أي وجود إسرائيلي في «صومالي لاند» سيكون هدفا مشروعا لقواتنا المسلحة    ترامب لزيلينسكي: روسيا لم تقصف محطة زابوروجيه الكهروذرية    أمطار غزيرة تضرب الإسكندرية تزامنًا مع نوة الميلاد ورفع جاهزية الصرف الصحي    وزير الخارجية: مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية والتهجير خط أحمر    إعلام عبرى: نتنياهو يصل إلى الولايات المتحدة قبيل اجتماعه مع ترامب بمارالاجو    نتيجة الحصر العددى للأصوات بالدائرة الثامنة دار السلام سوهاج    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    شديد البرودة وشبورة كثيفة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الإثنين 29 ديسمبر    حسام حسن يستقر على رباعي دفاع منتخب مصر أمام أنجولا    اليوم، الاجتماع الأخير للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام بعد انتهاء مهامها    بالأرقام.. نتيجة الحصر العددي للدائرة الأولى بالفيوم في انتخابات مجلس النواب    الدفاع الروسية تعلن إسقاط 21 مسيرة أوكرانية خلال ثلاث ساعات    كشف ملابسات منشور بشأن إدعاء خطف سيدة بكفر الشيخ    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    اللحظة التي لم تحدث.. التاريخ في مرآة «التحولات البسيطة» للدكتور يحيى حسن عمر    فوضى السوشيال ميديا    البوصلة والربان!    الفرق بين الحزم والقسوة في التعامل مع الأبناء    طفرة غير مسبوقة بالمنيا.. استرداد 24 ألف فدان وإيرادات التقنين تقفز ل2 مليار جنيه    النيابة الإدارية تنعى مستشارة لقيت مصرعها أثناء عودتها من الإشراف على الانتخابات    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    هدى رمزي تتحدث عن علاقة الشيخ الشعراوي بارتدائها الحجاب    حمزة العيلى يعلن وفاة جده محمود يوسف    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    متحدث الوزراء: الدولة لن تستبعد أي أسرة من منظومة الدعم بسبب عدد أفرادها    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    محافظ البحيرة: تطوير مدينة رشيد لتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية    BeOn تحصل على استثمار استراتيجي بالدولار لدعم التوسع الإقليمي وتطوير حلول CRM الذكية    لافروف: إسرائيل يجب أن ترفع القيود على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة    وزير الإسكان: تم وجارٍ تنفيذ نحو مليون و960 ألف وحدة سكنية متنوعة    اشتعال المنافسة، كوت ديفوار والكاميرون يكتفيان بالتعادل الإيجابي في أمم أفريقيا 2025    على رأسهم مصر.. 3 منتخبات حسمت تأهلها رسميا بعد الجولة الثانية لمجموعات أمم أفريقيا 2025    أمم إفريقيا – تعرف على جميع مواعيد مباريات الجولة الثالثة    حسم التأهل مبكرًا.. مصر ونيجيريا والجزائر إلى دور ال16 من أمم أفريقيا 2025    طاهر أبو زيد: مكاسب حسام حسن مع المنتخب إنجاز رغم الظروف.. والمرحلة المقبلة أصعب    شحتة كاريكا يكشف مفاجأة عن الراحل أحمد دقدق: أوصى بحذف أغانيه    درة بإطلالة شعبية من كواليس "علي كلاي"    كأس عاصمة مصر - أحمد عبد الله يدير لقاء الأهلي ضد المقاولون العرب تحكيميا    الجزائر يتصدر المجموعة الخامسة ب6 نقاط ليحسم تأهله رسميا لدور 16 بأمم أفريقيا    منير فخري عبد النور: ضعف المشاركة أبرز سلبيات المشهد الانتخابي الأخير لمجلس النواب    مصرع طفلين في تصادم بالفرافرة    محافظ الفيوم يتابع غلق لجان التصويت في اليوم الثاني لانتخابات النواب بالدائرتين الأولى والرابعة    رئيس مصلحة الجمارك: نعمل على بناء منظومة جمركية متطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي    الصحة تكشف أبرز خدمات مركز طب الأسنان التخصصي بزهراء مدينة نصر    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    عاجل- رئيس الوزراء يستقبل المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ويؤكد دعم مصر لاستضافة الآلية الأفريقية للشراء الموحد    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيت يعني هوم وهومليس يعني بائس
نشر في الوفد يوم 25 - 12 - 2010

لا أعرف لماذا أعود إلي الكتابة في هذا الموضوع رغم أن لي بيتا أعود إليه كل مساء وأحتمي به من الخارج‮. لقد أشرت إلي هذا المعني في مقال أو اثنين منذ وقت طويل جدا،‮ ولكنه عاد وألح علي‮. ربما أردت أن أكتبه بتوسع أكبر‮. والحقيقة أنني فكرت أن أكتب في معني الوطن فلم أجد ما يسعفني إلا معني البيت‮. وكلمة بيت في اللغة الانجليزية تعني‮ home‮ وهذه بدورها تعني ايضا وطن‮. وفي فيلم أمريكي قديم سقطت طائرة بركابها في منطقة جليدية وعاني الأبطال كثيرا جدا وعاد منهم القليلون وحين دخل أحدهم منزله وجلس إلي المدفاة‮.‬
قال شاردا ما أحلي العودة إلي البيت‮. وعشرات من الافلام تصور هذه العودة إلي البيت أو الوطن‮. أفلام حروب أو أفلام كوارث‮. وما أكثر الافلام التي ضل أبطالها في الغابات حتي إذا جاءت السفن تحملهم هتفوا ورقصوا وصفقنا ونحن مشاهدين صغارا في السينما أو ابتهجنا ونحن كبارا‮. وحتي إذا ارتحل الإنسان إلي مكان جميل فالعودة إلي البيت أو الوطن تظل هي الأجمل‮. وفي فيلم‮ »‬إي تي‮« للمخرج العبقري سبيلبيرج حين نزل مخلوق الفضاء الصغير الجميل والتقاه الأطفال وأخذوه إلي بيتهم وظل معهم بعض الوقت يسعدون به ويسعد بهم صار شاردا في النهاية تنزل دموعه برفق وكلما سألوه عن السبب قال هوم هوم‮.‬
يعني بيته في الفضاء أو وطنه هناك‮. وبيت الشعر سمي بيتا لأنه مكتمل وما أكثر الأبيات التي صارت مضرب الأمثال،‮ ومنها في حب الوطن بيت ابن الرومي الشاعر العباسي‮ الذي كتب عنه العقاد كتابا شهيرا وأعني قوله‮ »‬وحبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالك‮« وكان يعني بالوطن بيته الذي أراد نفر أن يغتصبوه منه فقال في القصيدة نفسها‮ »‬ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أري له الدهر‮ غيري مالكاً‮« وهكذا اختلط البيت بالوطن‮. ورحم الله العبقري العظيم احمد شوقي حين قال‮: »‬قد يهون العمر إلا ساعة وتهون الأرض إلا موضعا‮« والموضع هو الوطن‮. ولاحظ يا عزيزي انه قالها في معرض الحب في مسرحيته قيس وليلي‮. وفي روايتي لا أحد ينام في الاسكندرية يخطف الجنود من الحلفاء أحد المصريين‮. حمزة العامل البسيط‮ .‬ويأخذونه معهم إلي مناطق الحرب في الصحراء الغربية هو الذي لا يعرف من الانجليزية إلا بضع كلمات منهاhome ‮ التي يبكي ويقولها لهم فيردون عليه‮ what is home? we are homeless ‮ أي ما الوطن نحن بؤساء بلا وطن‮. وكانوا علي حق فهم ذاهبون إلي الموت،‮ رغم أنهم كانوا يقولون له ذلك متندرين عليه ضاحكين‮.‬
ورحلة كل انسان في الدنيا هي من أجل أن يكون له بيت يسكنه،‮ والسكن من السكينة‮. ومن هنا قول القرآن الكريم‮: »‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها‮«. فالزوجة الصالحة مع الرجل الصالح يكونان سكناً‮ ووطناً‮. ويكتمل السكن حين يكون في البيت أطفال‮. يزداد جمالاً‮ حين تكون له حديقة،‮ وينفتح للنور والهواء‮. الشباب في مجملهم ومن الجنسين يبذلون أقصي ما في جهدهم من أجل البيت‮. الوطن‮. وبلا بيت لا تسأل أحداً‮ عن معني الوطن‮. وإذا تأخر البيت تأخر حب الوطن‮. الوطن ليس إلا بيتا فيه حبيب أو حبيبة‮. ومن هنا لا فائدة في أغان أو أناشيد عن الوطن بلا بيت‮. بلا زواج لا يكون البيت بيتا‮. كثير من الذين يفقدون زوجاتهم أو أزواجهن يرحلن عن الدنيا بعدهم‮. حزنا أو حبا والحقيقة لانه لم يعد هناك وطن‮. بيت طال عمر أصحابه فيه وفقد أحدهم الآخر يعني بيتا صار بلا سقف‮. لكن هؤلاء يرحلون دون أن يكون لهم تأثير سلبي علي الوطن بمعناه الشامل،‮ وقد يوفق الله من بقي منهم الي رفيق جديد‮ غالبا تجده قريب الشبه من السابق فتستمر السكينة ويبقي الوطن في الروح‮. أما الشباب بلا بيت فهم مصدر الرعب علي الوطن‮.‬
إذا افتقدوا البيت افتقدوا الوطن‮. والذين يركبون البحر يبحثون عن بيت هم يبحثون عن وطن رغم أنهم يتركونه‮. لذلك كثيرا ما يعودون ويعمّرون قراهم وأحياءهم رغم انهم يخرجون كارهين للوطن‮. ابناء الشوارع لا يختلفون عن العاجزين عن تحقيق البيت إلا في المكان والمكانة‮. إذا سألت أبناء الشوارع عن الوطن لا يردون وإذا سألت العاجزين عن تحقيق البيت يسخرون، والصمت والسخرية وجهان لعملة واحدة‮. كل قصص الحب العظيمة انتهت إلي بيت ووطن‮. وكل قصص الحب الضائع انتهت الي فراغ‮. لذا يهيم أصحابها‮ علي وجوههم وإذا جلسوا في مكان انسلخت أرواحهم عنه إلي الأحلام‮. لكن المحبين المحبطين لا يكرهون أوطانهم،‮ قد يجدون حبا آخر ويقيمون بيتا آخر‮.
وفي الأغلب يرضون بأول من يقابلون رجلا أو امرأة‮ .‬في الأمر استسلام أو شبهة إحباط،‮ لكنهم في النهاية يقيمون بيتا،‮ وقد يقوم الحب من جديد بفعل التعود ويستقيم‮ لهم البيت الذي هو وطن‮. اما المحبون الذين يعرفون منذ البداية ان الحب لن ينتهي بهم إلي وطن فهم نوع خاص خارج عما نتكلم عنه‮. انها قصص الحب التي يكتبها القدر بنفسه وأصحابها هم الشهداء بلا استشهاد‮. وهذا أقسي انواع الحب‮. وحقل العذاب الأكبر بين البشر‮.‬
أنا لا اقول هذا الكلام لأحلل حالة عدم الانتماء التي تفشت بين الشباب‮. ولا أبغي من وراء الكلام أي شبهة سياسة‮. لكنني اشير إلي حقيقة انسانية‮. فحين خلق الله آدم خلق منه حواء وأنزلهما إلي الأرض ليكون لهما فيها بيت ووطن‮. وكل الديانات والأساطير أجمعت علي أن حواء هي النصف الضائع من آدم أو العكس وأن الحب الحقيقي يكتمل حين يجد كل منهما نصفه الضائع،‮ ويكتمل لهما البيت والوطن‮. فالكلام عن أهمية البيت لحب الوطن ليس سياسيا فقط، ولكنه جوهر الحياة نفسها،‮ ودونها لا تصبح الأوطان اوطانا مهما ارتفعت الأغاني في حب الوطن،‮ ومهما تغنّت الكتب بحب الوطن‮ .‬
حتي الأحباء الذين يقف الجميع ضدهم فيتركون لهم الأرض إلي‮ غيرها يبنون فيها بيتا ولو كان من أفرع الشجر،‮ ويصبح‮ هذا البيت الصغير وطنا ولو كان في‮ غابة او صحراء‮.. لكن هناك من كتب عليهم أن يعيشوا بلا بيت وهم يسكنونه‮.. وقد تتوفر لهم الزوجة أو الزوج الصالح،‮ وقد تتوفر لهم الذرية،‮ وقد تتوفر لبيتهم الشمس والهواء‮.. هؤلاء هم الكتاب والفنانون والمثقفون الحقيقيون‮. الذين هم في الحقيقة بؤساء جدا‮.. هومليس‮. لأنهم يطمحون أن تكون الحياة من حولهم أجمل،‮ وينشغلون بآلام‮ غيرهم ولا ينتبهون أبداً‮ الي ماهم فيه من مسرّة إذا تحققت‮. هؤلاء يضعون أمامهم الوطن قبل البيت‮. ويا له من عذاب‮.‬
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.