وكيل الشيوخ يرفع الجلسة العامة    الفجر بالإسكندرية 4.19.. جدول مواعيد الصلوات الخمس في محافظات مصر غداً الثلاثاء 20 مايو 2025    تنسيقية شباب الأحزاب تلتقي سفراء عدة دول في جولة دبلوماسية لمناقشة سبل التعاون الدولي    تحافظ على موارد المياه العذبة وتحقق إضافة كبيرة للإنتاج :الزراعة الملحية .. كنز جديد لاستغلال الأراضى الساحلية    محافظة الشرقية عن تعديات البناء: نتخذ إجراءات رادعة ضد المخالفين ونزيلها في المهد    وزير الإسكان يشارك في افتتاح معرض ومؤتمر عُمان العقاري وأسبوع التصميم والبناء العشرين    اجتماع هام للبنك المركزي المصري الخميس 22 مايو    السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن    الطيب: لبنان يسكن قلب كل عربي وعون يدعو لإعادة افتتاح المعهد الأزهري ببيروت    ماذا قال بايدن بعد إعلان إصابته بسرطان شرس في البروستاتا؟    إيلي كوهين اللغز في الحياة والممات.. ومعركة الأرشيف والرفات    غزل المحلة يدرس إقامة الفريق في القاهرة بدءاً من الموسم المقبل.. لهذا السبب    الإسماعيلي: سنحل ازمة القيد بعد البقاء في الدوري    وزير الشباب يُشيد بتنظيم البطولة الإفريقية للشطرنج    الأوراق المطلوبة للتقديم لرياض الأطفال في المدارس التجريبية 2026| إنفوجراف    حبس طرفى مشاجرة عنيفة بمنطقة المطرية    كزبرة يوجه رسالة لأصالة: فاكرة لما طلبت أعمل أغنية معاكي وقولتي مش موافقة؟    المجلس الأوروبي: عقوبات جديدة ضد روسيا إذا لم توقف العدوان على أوكرانيا    داكوتا جونسون تتألق في جلسة تصوير Splitsville بمهرجان كان (صور)    «لا نقاب في الحرم المكي».. عضو مركز الأزهر توضح ضوابط لبس المرأة في الحج    عبد الغفار يتسلم شهادة قضاء مصر على الملاريا البشرية من الصحة العالمية    مصرع عامل سقط من أعلى سقالة على ارتفاع 3 أمتار في التجمع    قصور الثقافة تنظم جولة للأطفال بمتحف البريد ضمن احتفالات اليوم العالمي للمتاحف    السياحة تستقبل وفدا من ممثلي وزارة الحج السعودية    جامعة بني سويف الأهلية تنظم المؤتمر الطلابي الأول لبرنامج الطب والجراحة    روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصنفها" منظمة غير مرغوب فيها"    بينهم أم ونجلها.. إصابة 3 أشخاص في تصادم ملاكي وتوك توك بطوخ    وقفة عيد الأضحى.. فضائلها وأعمالها المحببة وحكمة صيامها    السجن 10 سنوات لعامل بتهمة إحداث عاهة مستديمة لشخص فى سوهاج    توسعات استيطانية بالضفة والقدس.. الاحتلال يواصل الاعتقالات وهدم المنازل وإجبار الفلسطينيين على النزوح    رئيس الوزراء الهندي يشن هجوما لاذعا ضد باكستان    وزيرة البيئة تشارك في فعاليات المعرض العربي للاستدامة    تنطلق يوليو المقبل.. بدء التسجيل في دورة الدراسات السينمائية الحرة بقصر السينما    إلهام شاهين عن المشروع X: فيلم أكشن عالمي بجد    رئيس الطائفة الإنجيلية: الاحتفال بمرور 17 قرنًا على مجمع نيقية يعكس روح الوحدة والتقارب بين الكنائس الشرقية    وزير التعليم العالي: 30% من حجم النشر الدولي في مصر تأخذه «ناس تانية» وتحوله لصناعة    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    مجلس الوزراء: لا وجود لأي متحورات أو فيروسات وبائية بين الدواجن.. والتحصينات متوفرة دون عجز    قوافل طبية متكاملة لخدمة 500 مواطن بكفر الدوار في البحيرة    وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    تعرف على طقس مطروح اليوم الاثنين 19 مايو 2025    ضبط 5 أطنان أرز وسكر مجهول المصدر في حملات تفتيشية بالعاشر من رمضان    "تبادل الاحترام وتغطية الشعار".. كوكا يكشف سر مشاركته في الجولة الأخيرة من الدوري الفرنسي    بعد تشخيص بايدن به.. ما هو سرطان البروستاتا «العدواني» وأعراضه    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    إعلام عبري: نائب ترامب قرر عدم زيادة إسرائيل بسبب توسيع عملية غزة    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    "الإدارة المركزية" ومديرية العمل ينظمان احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    أسطورة مانشستر يونايتد: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية 2025    نائب وزير الصحة يتابع ميكنة خدمات الغسيل الكلوي ومشروع الرعايات والحضانات    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    على فخر: لا مانع شرعًا من أن تؤدي المرأة فريضة الحج دون محرم    أحكام الحج والعمرة (2).. علي جمعة يوضح أركان العمرة الخمسة    نجل عبد الرحمن أبو زهرة لليوم السابع: مكالمة الرئيس السيسي لوالدي ليست الأولى وشكلت فارقا كبيرا في حالته النفسية.. ويؤكد: لفتة إنسانية جعلت والدي يشعر بالامتنان.. والرئيس وصفه بالأيقونة    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيت يعني هوم وهومليس يعني بائس
نشر في الوفد يوم 25 - 12 - 2010

لا أعرف لماذا أعود إلي الكتابة في هذا الموضوع رغم أن لي بيتا أعود إليه كل مساء وأحتمي به من الخارج‮. لقد أشرت إلي هذا المعني في مقال أو اثنين منذ وقت طويل جدا،‮ ولكنه عاد وألح علي‮. ربما أردت أن أكتبه بتوسع أكبر‮. والحقيقة أنني فكرت أن أكتب في معني الوطن فلم أجد ما يسعفني إلا معني البيت‮. وكلمة بيت في اللغة الانجليزية تعني‮ home‮ وهذه بدورها تعني ايضا وطن‮. وفي فيلم أمريكي قديم سقطت طائرة بركابها في منطقة جليدية وعاني الأبطال كثيرا جدا وعاد منهم القليلون وحين دخل أحدهم منزله وجلس إلي المدفاة‮.‬
قال شاردا ما أحلي العودة إلي البيت‮. وعشرات من الافلام تصور هذه العودة إلي البيت أو الوطن‮. أفلام حروب أو أفلام كوارث‮. وما أكثر الافلام التي ضل أبطالها في الغابات حتي إذا جاءت السفن تحملهم هتفوا ورقصوا وصفقنا ونحن مشاهدين صغارا في السينما أو ابتهجنا ونحن كبارا‮. وحتي إذا ارتحل الإنسان إلي مكان جميل فالعودة إلي البيت أو الوطن تظل هي الأجمل‮. وفي فيلم‮ »‬إي تي‮« للمخرج العبقري سبيلبيرج حين نزل مخلوق الفضاء الصغير الجميل والتقاه الأطفال وأخذوه إلي بيتهم وظل معهم بعض الوقت يسعدون به ويسعد بهم صار شاردا في النهاية تنزل دموعه برفق وكلما سألوه عن السبب قال هوم هوم‮.‬
يعني بيته في الفضاء أو وطنه هناك‮. وبيت الشعر سمي بيتا لأنه مكتمل وما أكثر الأبيات التي صارت مضرب الأمثال،‮ ومنها في حب الوطن بيت ابن الرومي الشاعر العباسي‮ الذي كتب عنه العقاد كتابا شهيرا وأعني قوله‮ »‬وحبب أوطان الرجال إليهم مآرب قضاها الشباب هنالك‮« وكان يعني بالوطن بيته الذي أراد نفر أن يغتصبوه منه فقال في القصيدة نفسها‮ »‬ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أري له الدهر‮ غيري مالكاً‮« وهكذا اختلط البيت بالوطن‮. ورحم الله العبقري العظيم احمد شوقي حين قال‮: »‬قد يهون العمر إلا ساعة وتهون الأرض إلا موضعا‮« والموضع هو الوطن‮. ولاحظ يا عزيزي انه قالها في معرض الحب في مسرحيته قيس وليلي‮. وفي روايتي لا أحد ينام في الاسكندرية يخطف الجنود من الحلفاء أحد المصريين‮. حمزة العامل البسيط‮ .‬ويأخذونه معهم إلي مناطق الحرب في الصحراء الغربية هو الذي لا يعرف من الانجليزية إلا بضع كلمات منهاhome ‮ التي يبكي ويقولها لهم فيردون عليه‮ what is home? we are homeless ‮ أي ما الوطن نحن بؤساء بلا وطن‮. وكانوا علي حق فهم ذاهبون إلي الموت،‮ رغم أنهم كانوا يقولون له ذلك متندرين عليه ضاحكين‮.‬
ورحلة كل انسان في الدنيا هي من أجل أن يكون له بيت يسكنه،‮ والسكن من السكينة‮. ومن هنا قول القرآن الكريم‮: »‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها‮«. فالزوجة الصالحة مع الرجل الصالح يكونان سكناً‮ ووطناً‮. ويكتمل السكن حين يكون في البيت أطفال‮. يزداد جمالاً‮ حين تكون له حديقة،‮ وينفتح للنور والهواء‮. الشباب في مجملهم ومن الجنسين يبذلون أقصي ما في جهدهم من أجل البيت‮. الوطن‮. وبلا بيت لا تسأل أحداً‮ عن معني الوطن‮. وإذا تأخر البيت تأخر حب الوطن‮. الوطن ليس إلا بيتا فيه حبيب أو حبيبة‮. ومن هنا لا فائدة في أغان أو أناشيد عن الوطن بلا بيت‮. بلا زواج لا يكون البيت بيتا‮. كثير من الذين يفقدون زوجاتهم أو أزواجهن يرحلن عن الدنيا بعدهم‮. حزنا أو حبا والحقيقة لانه لم يعد هناك وطن‮. بيت طال عمر أصحابه فيه وفقد أحدهم الآخر يعني بيتا صار بلا سقف‮. لكن هؤلاء يرحلون دون أن يكون لهم تأثير سلبي علي الوطن بمعناه الشامل،‮ وقد يوفق الله من بقي منهم الي رفيق جديد‮ غالبا تجده قريب الشبه من السابق فتستمر السكينة ويبقي الوطن في الروح‮. أما الشباب بلا بيت فهم مصدر الرعب علي الوطن‮.‬
إذا افتقدوا البيت افتقدوا الوطن‮. والذين يركبون البحر يبحثون عن بيت هم يبحثون عن وطن رغم أنهم يتركونه‮. لذلك كثيرا ما يعودون ويعمّرون قراهم وأحياءهم رغم انهم يخرجون كارهين للوطن‮. ابناء الشوارع لا يختلفون عن العاجزين عن تحقيق البيت إلا في المكان والمكانة‮. إذا سألت أبناء الشوارع عن الوطن لا يردون وإذا سألت العاجزين عن تحقيق البيت يسخرون، والصمت والسخرية وجهان لعملة واحدة‮. كل قصص الحب العظيمة انتهت إلي بيت ووطن‮. وكل قصص الحب الضائع انتهت الي فراغ‮. لذا يهيم أصحابها‮ علي وجوههم وإذا جلسوا في مكان انسلخت أرواحهم عنه إلي الأحلام‮. لكن المحبين المحبطين لا يكرهون أوطانهم،‮ قد يجدون حبا آخر ويقيمون بيتا آخر‮.
وفي الأغلب يرضون بأول من يقابلون رجلا أو امرأة‮ .‬في الأمر استسلام أو شبهة إحباط،‮ لكنهم في النهاية يقيمون بيتا،‮ وقد يقوم الحب من جديد بفعل التعود ويستقيم‮ لهم البيت الذي هو وطن‮. اما المحبون الذين يعرفون منذ البداية ان الحب لن ينتهي بهم إلي وطن فهم نوع خاص خارج عما نتكلم عنه‮. انها قصص الحب التي يكتبها القدر بنفسه وأصحابها هم الشهداء بلا استشهاد‮. وهذا أقسي انواع الحب‮. وحقل العذاب الأكبر بين البشر‮.‬
أنا لا اقول هذا الكلام لأحلل حالة عدم الانتماء التي تفشت بين الشباب‮. ولا أبغي من وراء الكلام أي شبهة سياسة‮. لكنني اشير إلي حقيقة انسانية‮. فحين خلق الله آدم خلق منه حواء وأنزلهما إلي الأرض ليكون لهما فيها بيت ووطن‮. وكل الديانات والأساطير أجمعت علي أن حواء هي النصف الضائع من آدم أو العكس وأن الحب الحقيقي يكتمل حين يجد كل منهما نصفه الضائع،‮ ويكتمل لهما البيت والوطن‮. فالكلام عن أهمية البيت لحب الوطن ليس سياسيا فقط، ولكنه جوهر الحياة نفسها،‮ ودونها لا تصبح الأوطان اوطانا مهما ارتفعت الأغاني في حب الوطن،‮ ومهما تغنّت الكتب بحب الوطن‮ .‬
حتي الأحباء الذين يقف الجميع ضدهم فيتركون لهم الأرض إلي‮ غيرها يبنون فيها بيتا ولو كان من أفرع الشجر،‮ ويصبح‮ هذا البيت الصغير وطنا ولو كان في‮ غابة او صحراء‮.. لكن هناك من كتب عليهم أن يعيشوا بلا بيت وهم يسكنونه‮.. وقد تتوفر لهم الزوجة أو الزوج الصالح،‮ وقد تتوفر لهم الذرية،‮ وقد تتوفر لبيتهم الشمس والهواء‮.. هؤلاء هم الكتاب والفنانون والمثقفون الحقيقيون‮. الذين هم في الحقيقة بؤساء جدا‮.. هومليس‮. لأنهم يطمحون أن تكون الحياة من حولهم أجمل،‮ وينشغلون بآلام‮ غيرهم ولا ينتبهون أبداً‮ الي ماهم فيه من مسرّة إذا تحققت‮. هؤلاء يضعون أمامهم الوطن قبل البيت‮. ويا له من عذاب‮.‬
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.