حالة من القلق والترقب تسيطر علي أولياء الأمور والتلاميذ مع عودة الدراسة من جديد بعد تكرار سيناريو تسمم التلاميذ بالوجبة المدرسية. في الأعوام الماضية رغم تأكيدات مسئولي التربية والتعليم المكررة بخضوع الوجبة المدرسية لإجراءات رقابية صارمة من عدة جهات من خلال مناقصات عامة تخضع لأشد المواصفات القياسية والاشتراطات الصحية، ورغم ذلك يتسمم التلاميذ وتضيع المسئولية، وهو أمر أصبح طبيعياً لأن مسئولية إعداد وتوزيع الوجبات المدرسية لا تزال حائرة ما بين جهات عدة، هي الصحة والتموين والتربية والتعليم والزراعة وجميعهم يرجعون حالات التسمم للإيحاء والعامل النفسي بين التلاميذ كما حدث في العام الدراسي الماضي بعد تسمم ما لا يقل عن 400 تلميذ في الفصل الدراسي الثاني. وأرجع البعض الأمر إلي مؤامرة إخوانية منظمة وممنهجة لإثارة الفزع والرعب في قلوب التلاميذ وأولياء الأمور ولإحداث وقيعة ما بين الشعب وحكومة ما بعد زوال حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي وعصابته.. واليوم وبعد زوال حكم الجماعة الإرهابية يبقي السؤال: هل يتكرر سيناريو تسمم تلاميذ المدارس من الوجبة المدرسية الضرورية جداً للأسر الفقيرة والمعدمة، خاصة بعد زيادة أسعار كافة السلع الغذائية بوجه عام بعد رفع الدعم عن الوقود والطاقة وارتفاع أسعار سندويتش المدارس بنسبة 100٪ علي وجه الخصوص، وما أهمية الوجبة المدرسية وكيف نضمن جودتها وسلامتها وعدم تحولها لكابوس جديد ومتكرر لتلاميذ المدارس. مقارنة بالأعوام السابقة.. تزداد أهمية الوجبة المدرسية وضمان سلامتها وجودتها وصلاحيتها هذا العام علي وجه الخصوص، بعد رفع الدعم عن الوقود والطاقة وما تشهده الأسواق من ارتفاع عام لكافة السلع الغذائية ومن ثم ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية في صناعة سندويتش المدرسة، خاصة اللانشون والحلاوة الطحينية والمربي والجبن بنسبة تجاوزت ال 40٪، وبالتالي ارتفاع سعر السندويتش من وجهة نظر التجار بنسبة الضعف من جنيه ونصف الجنيه إلي 3 جنيهات، وما بين 3 و4 جنيهات من وجهة نظر أولياء الأمور، وشهدت أسواق ومخابز العيش الفينو علي سبيل المثال زيادة الأسعار بشكل غير مباشر من خلال خفض الأحجام والأوزان ليتراوح سعر الرغيف من 35 قرشاً إلي 75 قرشاً، وهو ما أكدته جولتنا علي بعض المحلات وكذلك تصريحات بعض مسئولي الغرف والشعب التجارية، التي أكدت في مجملها ارتفاع كافة أسعار السلع المكونة لأي سندويتش مدرسي، حيث وصل سعر طبق البيض المكون من 30 بيضة بالمزارع إلي 24 جنيهاً، وللطبق البلدي إلي 30 جنيهاً ليباع في معظم المناطق ما بين ال 25 و32 جنيهاً، كما شهدت أسعار الجبنة البيضاء ارتفاعاً ملحوظاً، فكيلو الجبن المباع ما بين 10 و40 جنيهاً يباع اليوم ما بين 12 و48 جنيهاً، والجبنة الرومي التي كان يتراوح سعر الكيلو منها بين 42 إلي 46 جنيهاً تباع اليوم ما بين 54 و65 جنيهاً، واللانشون بعدما كان الكيلو يتراوح من 14 و18 جنيهاً اليوم يباع ما بين 20 و40 جنيهاً، كذلك كيلو الحلاوة الطحينية الذي كان يتراوح من 9 إلي 12 جنيهاً يباع اليوم ما بين 12 و20 جنيهاً، والمربي التي كانت تباع ب 450 قرشاً للعبوة تباع ما بين 450 و600 قرش، كذلك كيلو البسطرمة أصبح يتراوح ما بين 48 و64 جنيهاً، كما ارتفعت أسعار الألبان والعصائر المعلبة والسائبة استغلالاً لظروف أولياء الأمور الحريصين علي تناول أبنائهم تلك الأغذية كل صباح وقبل الذهاب للمدرسة، أيضاً سندويتش الفول والطعمية وهما الوجبة الأساسية لأبناء وتلاميذ الأحياء الفقيرة والمعدمة ارتفعت أسعارهما، حيث يباع نصف الرغيف البلدي للفول من 150 قرشاً إلي 200 قرش بعدما كان يباع ب 50 و75 قرشاً سواء للفول أو الطعمية، كذلك ارتفعت أسعار أكياس الكشري التي كانت بديلاً للسندويتش المدرسي للأسر الفقيرة والمعدمة، فلم يعد هناك كيس بأقل من 2 و3 جنيهات بعدما كان يباع ما بين ال 50 و100 قرش. وأمام كل هذا التوحش في أسعار سلع صناعة السندويتش المدرسي سواء في المنزل أو المحلات تتعاظم أهمية الوجبة المدرسية هذا العام. وجبة ضرورية ومع ارتفاع معدلات التضخم وتضاعف أسعار المواد الغذائية بشكل خاص في المناطق المحرومة والأكثر فقراً، مازالت الوجبة المدرسية ضرورة لحل مشاكل اقتصادية ومعيشية وصحية وتعليمية، تلك الوجبة التي تجعل أبناء الأسر الفقيرة والمعدمة تحملها من المدرسة إلي منازلهم ليشاركوا فيها مع أشقائهم ممن لا يذهبون للمدرسة وترفع من نسبة الحضور للمدرسة في أيام توزيع الوجبات لأكثر من 90٪ إلي حد توفير الآلاف من فرص العمل من خلال إقامة بنية متكاملة من مصانع منتشرة في المحافظات لتوفير أماكن التصنيع والتجهيز والنقل لأكثر من 12 مليون وجبة يومياً.. ولكل هذه الأسباب والضرورات والفوائد كان هدف الدولة منذ الأربعينيات من القرن الماضي ملء أفواه التلاميذ من خلال برنامج قومي للتغذية المدرسية توقف وأعيد إحياؤه عام 1997 لتغذية أطفال المدارس الابتدائية وبعض المدارس الثانوية، خاصة في المناطق الأشد فقراً، ولكنه الآن لم يقرر لكل تلاميذ المدارس، إما لنقص التمويل الحكومي أو لشبهة الفساد أو لمشاكل قابلت وماتزال الوجبة ذاتها. تكلفة صحية البيانات والإحصاءات المحلية والدولية تؤكد أن 11٪ من أسباب وفاة الأطفال مرتبطة بسوء التغذية، وتبلغ تكلفة الوجبة المدرسية 20 مليار جنيه، واليوم تتبني الدولة مشروع التغذية المدرسية بمفهوم جديد يستهدف تحقيق الاستقرار في توزيع تلك الوجبات والعمل علي تقديم وجبة متكاملة بها كل العناصر المطلوبة لنمو الطفل ومواجهة مشكلة التقزم والأنيميا في مصر، ومن ثم تنوعت جهات إعداد وتصنيع الوجبة المدرسية كالفطيرة المدرسية في مصانع تابعة لوزارة الزراعة وكذلك البسكويت المعزز بالحديد وبتمويل من برنامج الغذاء العالمي، إلا أن تلك المشروعات تعاني من التغطية المحدودة وغير المنتظمة، وعدم قدرة المكونات الغذائية للوجبات بصورتها الحالية علي مواجهة سوء التغذية ما دفع جهات إعداد تلك الوجبات إلي طرح وجبات متنوعة ومنها الألبان المعبأة التي يراها بعض الخبراء أنها وراء حالات التسمم للتلاميذ العام الماضي! وتقدر التكاليف الصحية لنقص التغذية عند الأطفال بنحو 1.2 مليار جنيه، وهي تمثل تكاليف علاج الأمراض جراء الجوع أو نقص التغذية التي تتسبب بدورها في وفاة 11٪ من الأطفال، وذلك وفقاً لبيانات تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار حول «تكلفة الجوع في مصر» الذي توصل إلي أن خفض معدل انتشار نقص التغذية عند الأطفال بحلول 2025 يولد مدخرات سنوية بمقدار 722 مليون جنيه في المتوسط، كما أن خفض معدل التقزم إلي 10٪ والوزن إلي 5٪ سيولد مدخرات سنوية تقدر بحوالي 9 مليارات جنيه، إلي جانب انخفاض عدد الوفيات ومعدلات التسرب وزيادة الإنتاجية وجميعها أمور وتداعيات تؤكد أهمية اعتبار نقص وسوء التغذية مسألة أمن قومي إذا ما حافظنا علي بنيان الأجيال القادمة وأول الطريق وجبة مدرسية سليمة وصحية وغير مسمومة. وتنتشر مصانع التغذية المدرسية الجديدة في 4 محافظات تنتج 205 ملايين وجبة مدرسية في العام الدراسي الجديد وتتكلف 890 مليون جنيه لتغطية احتياجات طلاب المراحل قبل الجامعية، ورغم أهمية الوجبة المدرسية في العام الدراسي الجديد إلا أن وسائل الإعلام لم تناقش ضمانات سلامة وجودة الوجبة المدرسية لعدم تكرار سيناريو تسمم الطلاب. مصانع جديدة المهندس سعد الأنصاري، المدير التنفيذي للمشروع الخدمي للتغذية المدرسية بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، أكد اعتزام وزارة الزراعة إنشاء مصانع جديدة لإنتاج الوجبات المدرسية بمحافظاتسوهاج والبحر الأحمر والقليوبية وأسيوط، وأن إجمالي الوجبات المدرسية المزمع إنتاجها خلال العام الدراسي المقبل 2014/2015 تصل إلي 205.5 مليون وجبة، وأشار إلي أن ميزانية التغذية المدرسية بلغت هذا العام نحو 890 مليون جنيه تغطي مختلف مراحل التعليم حتي المرحلة الثانوية ولذلك فإن وزارة الزراعة تغطي تغذية المرحلة الابتدائية فقط بنسبة 15 و20٪ من الميزانية العامة المخصصة للتغذية المدرسية. الدكتور أحمد مراد، المدير الفني للمشروع الخدمي لتغذية المدارس بوزارة الزراعة، أرجع مزاعم تسمم بعض الوجبات المدرسية العام الماضي لمؤامرة إخوانية لإثارة الفزع والرعب في قلوب التلاميذ وأولياء الأمور وتحميل المسئولية لحكومة الانقلاب - من وجهة نظرهم - طمعاً في إثارة الشعب كله ضد النظام، ودلل علي ذلك بانتقال حالات التسمم المزعومة من محافظة لأخري رغم اختلاف مصدر الوجبات من 15 مصنعاً تابعاً للدولة يغطي إنتاجها 13 محافظة وبقية المحافظات من موردي قطاع خاص. وفي هذا العام أيضاً - بحسب الدكتور مراد - نعمل علي سلامة وجودة الوجبات المدرسية، وعلي وجه الخصوص ما تنتجه مصانع وزارة الزراعة، ويشير إلي أن مزاعم حالات التسمم العام الماضي لم تثبت التقارير والتحقيقات صحتها ولم تثبت أية حالة تسمم، لذلك عند التشهير بمصانعنا العام الماضي وإقدامنا علي رفع دعاوي قضائية ضد كبري الصحف القومية بادرت بالاعتذار علي ما سبق ونشرته بشأن ثبوت تسمم وجبات مصانعنا من عدمه، فالمشروع الخدمي للتغذية المدرسية منذ بدء نشاطه عام 1997 بإنتاج 10 آلاف وجبة يومياً بمركز إبشواي بالفيوم بإجمالي مليون وجبة خلال العام الأول لم تحدث حالة تسمم واحدة للتلاميذ جراء تناولهم لوجبات مصانع المشروع الخدمي للتغذية، وبلغ عدد وجبات التغذية التي قدمت لتلاميذ المدارس عام 2012، 195.4 مليون وجبة، وتراجع الرقم العام الماضي إلي 126.6 مليون وجبة، وستصل العام الجديد المقبل ل 205 ملايين وجبة. والوجبة المدرسية - كما يؤكد الدكتور مراد - ضرورة لبناء جيل سليم البنيان مع تدني الظروف المعيشية للأسر. مهزلة التسمم الدكتور محمود عمرو، أستاذ طب الصناعات، مدير مركز السموم السابق، يدعو إلي استمرار الوجبات المدرسية ويصف حالات التسمم المتكررة بالمهزلة التي تستوجب تحديد المسئولية والمحاسبة الجادة وبالقانون، خاصة أن تسمم الأطفال الغذائي أشد خطراً ويؤدي إلي الوفاة مباشرة، وهذا يتطلب توافر اشتراطات الأمان المتعلقة بالمنظومة الصحية من الحفظ والتخزين والنقل والتداول.