أصابني «علي كبر» ما يمكن أن أسميه «هشاشة مشاعر».. أصبحت قابلة للكسر بكل سهولة.. ياما قابلت مآسي «توجع القلب» كنت أعتبر «دموعي» عورة واجبة الستر الآن.. صرت ضعيفة بل أضعف الناس.. دموعي سيل من نبع لا ينضب قلبي يدق بألم حتي أحسبه يتوقف.. عندما أسمع صوته يناديني: إنت فين يا ماما؟! أدق رأسي بأقرب حائط.. أكاد أنفجر من الحزن، اختنق صوت السيدة فجأة فيما أخرجت من حقيبة يدها صورة وقالت: شوفي قد ايه جميل.. حتي عيونه ملونة.. مين يصدق إنه كفيف.. مين؟ عندما أنجبت «محمود» كنت أقفز فرحا ونشوة أحسست أنني ملكت الدنيا.. وعندما أخبرني الطبيب بأنه مصاب بضمور في العصب البصري نتيجة عيب خلقي شعرت بسكين تمزق أحشائي خاصة بعد أن علمت أن حالته لا شفاء منها وأن بصيص النور الذي وُلد به سيتلاشي بالتدريج الي أن تظلم دنياه تماما. طرقت كل الأبواب بلا فائدة.. أكاد أخلع مقلتي ليري هو بها.. لا أعلم إن كان قد استطاع خلال سنوات عمره القليلة أن يرسم في خياله صورة عني.. أشقي وأتألم وأنا أراه يتخبط في الأشياء من حوله أو يتعثر في أثاث المنزل، عندما أري الأطفال يلهون في النادي أتمني لو كنت أنا من فقدت بصري.. تشبثه بي فاق كل الحدود.. يخاف من كل شيء حوله.. سيناريوهات المستقبل ترعبني.. فنحن في مجتمع يتعذب فيه ابني وأمثاله من ذوي الإعاقات.. كيف سيتعلم.. كيف سيحب.. كيف سيتزوج؟ أريد أن أعزله عن العالم حتي لا يجرحه أحد، مسحت دموعها بيد ترتعش وقالت: أخاف أن أموت.. أنا مؤمنة لكني لا أريد أن أموت وأترك فكرة ابعد عنه تصيبني بالهلع.. فأنا عيناه التي يري بها.. وعصاه التي يتكئ عليها.. والسماء التي تحميه من نظرات الناس قلت لها: استعيني بالصبر والصلاة وسيعينك إن شاء الله فردت عليّ بصوت ذبيح: لا يكتوي بالنار سوي من يلمسها. علمت من زوج السيدة المسكينة أنها تركت عملها منذ العام الأول لولادة محمود ثم إنها قررت عدم الإنجاب كي لا تنشغل عنه.. الزوج أكد لي أن السيدة تعيش صدمة نفسية منذ ولادة طفلها وحولت حياة الأسرة كلها الي جحيم حتي انها أضافت عبئا نفسيا للطفل المسكين وتلازمه بشكل جعله «فعلا» بإعاقة مضاعفة..ثم انها دائمة البكاء رغم محاولات الزوج إقناعها بأن كونه «كفيفا» لا يعني كارثة.. من الممكن جدا أن يعيش حياته بشكل طبيعي بشيء من المجهود والرعاية لكن الأم «توحدت» مع حالة ابنها ونسجت خيوطا من المأساة تحولت معها حياة الأسرة كلها الي هم لا ينتهي. بعض من الآباء والأمهات بحاجة الي «تأهيل» لتقبل إعاقة الابن أو الابنة، قد نضطر أحيانا للبحث عن الإعاقة بداخلنا!!