علاقة تركيا بالعالم العربي تمر الآن بمرحلة شديدة الحساسية بسبب موقف أردوغان الذي هاجم بشدة الحكم الجديد في مصر بسبب إنهاء حكم الإخوان، وهي الحساسية التي اعترف بها وزير خارجية تركيا آنذاك، رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو حين قال: يبدو أن العالم العربي يتوقع أن تغير أنقرة مواقفها من مصر . وإذا لم يحدث هذا التغيير فإن أولويات دول عربية فيما يتعلق بالاستثمارات التركية بها قد تتغير . وكانت تركيا قد اعتبرت العالم العربي مجالاً رئيسياً لتحركاتها الاقتصادية والدبلوماسية، منذ حدث بها تحول مهم في سياستها الخارجية قبل عشر سنوات لتبرز بعدها كلاعب دبلوماسي مهم في المنطقة، حسب الوصف الذى استخدمه ستيفن لارابي في دراسته بمجلة "فورين أفيرز" التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي . وجاء هذا التحول نتيجة لانتهاء الحرب الباردة عام ،1989 واختفاء الصراع الأمريكي - السوفييتي من الشرق الأوسط، والذي كان يحكم ميزان القوى في المنطقة، وهو ما أغرى دولاً إقليمية من بينها تركيا بالتمدد خارج حدودها، وأن تقيم لنفسها وجوداً ونفوذاً في منطقة الشرق الأوسط . إن رؤية تركيا للمنطقة ولعلاقاتها الخارجية، بدأت تتبلور في التسعينات، ثم برزت بوضوح في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقامت أساساً على إنعاش مصالحها الاقتصادية، وقدرة كبيرة على التصدير بناء على معدل نمو مرتفع . وأن ما يحقق لها هذه الأهداف، هو الدخول بإنتاجها إلى أكبر عدد من الأسواق، وخاصة في دول الجوار، وإقامة علاقات حسنة معها، وهو ما أطلق عليه داود أوغلو سياسة انعدام المشاكل ٍمٌقُْذ ُْمغ مع الدول العربية، واستكمال ذلك بتوجه أوسع نحو أوروبا أكبر أسواق منتجاتها، والبلقان وإيران . لكن العالم العربي ظل المنطقة الحيوية للتمدد الخارجي التركي، فبخلاف الجانب الاقتصادي، كانت أحلام الإمبراطورية العثمانية بصورة متجددة وحديثة، تداعب دائماً تفكير أردوغان وقيادات حزبه العدالة والتنمية، واعتبارها أن خلق نفوذ لتركيا في العالم العربي، هو الذي يؤسس لقاعدة الإمبراطورية في المنطقة العربية . وتلاحظ دراسة مهمة لمؤسسة كارينغي الأمريكية، أن أردوغان ركز على قضايا عربية مهمة، مثل القضية الفلسطينية، وحصار "إسرائيل" لغزة، ليقدم نفسه في صورة بطل القضايا العربية والإسلامية، إضافة إلى ما كانت سياسة انعدام المشاكل مع الدول العربية، قد مكنت تركيا من اكتساب نفوذ سياسي وثقافي في المنطقة، فضلاً عن توسيع دائرة مصالحها الاقتصادية . ولم يكن هذا التحول في السياسة الخارجية لتركيا يعني بأي حال، إعطاء ظهرها للغرب، فهي تظل عضواً فاعلاً في حلف الأطلسي، ولم تتخل عن سعيها للانضمام للاتحاد الأوروبي . وكما يقول خبراء أمريكيون إن تركيا تحتاج للولايات المتحدة، والولايات المتحدة بدورها تحتاج لتركيا . وتدور في الوقت الحالي مناقشات عديدة في تركيا تركز على ضرورة أن يوثق أردوغان علاقة بلاده بالولايات المتحدة . وقد أوفد بالفعل مبعوثين إلى واشنطن من أجل هذه المهمة . في الوقت الذي يرى فيه الجانبان الأمريكي والتركي، أن نجاح تركيا في خلق نفوذ لها في العالم العربي، سوف يتيح للولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، فرصة لاستخدام تركيا كجسر لتأمين نفوذهم في المنطقة . لكن هذه الطموحات تلقت ضربة قاصمة نتيجة للموقف التركي المعادي للحكم الجديد في مصر، والتي كانت حكومة أردوغان قد اعتبرتها الثمرة الناضجة التي ستسقط بين يديها، بمعاونة حكم الإخوان، حليفهم في خطط التنظيم الدولي للإخوان، والذي عقد كثيراً من اجتماعاته في اسطنبول منذ عزل محمد مرسي . خاصة أن موقف أردوغان لم يؤثر في علاقته بمصر فقط، بل إنه ترك آثاراً قوية على علاقته بالدول العربية الخليجية . وكما صرح مسؤول تركي كبير أخيراً، فإن التوتر الذي يسود علاقة تركيا مع مصر، يحمل مخاطر كبيرة على صورة تركيا في أعين الشعوب العربية . وهو ما أكده استطلاع للرأي أجراه مركز بحوث تركي، وكانت نتيجته هبوط صورة تركيا في العالم العربي، من 69% عام 2012 إلى 59% هذا العام . ربما يكون التحول في السياسة الخارجية التركية، نحو مصر والدول العربية، قد بدأ قبل أكثر من عشر سنوات . لكن وصول الإخوان إلى الحكم في مصر، قد جعل الأتراك يشعرون بأن هذا التطور قد اختصر لهم الزمن . خاصة أن علاقة أردوغان بالإخوان وحزبه، كانت قد تعززت منذ عام ،2006 وتكرر انعقاد مؤتمرات للتنظيم الدولي للإخوان في اسطنبول منذ هذا التاريخ، وحدوث لقاءات لقادتهم مع أردوغان . وبدلاً من أن يحافظ أردوغان على علاقته بمصر وشعبها، فإن ارتباطاته التي كانت قد ازدادت عمقاً مع الإخوان، كانت لها الأولوية في حساباته، مما دفعه إلى هذا الموقف العدائي من مصر . وهو ما شكل ضربة لحلم الإمبراطورية العثمانية، ولترتيبات استخدام الغرب له، جسراً إلى المنطقة، وبابهم الخلفي للدخول إليها، متسترين وراء الصديق التركي!! نقلا عن صحيفة الخليج