شهدت مصر مراحل عديدة في نشأة وتطور الأحزاب، ورغم ما عانيناه من قيود في الحياة الديمقراطية، إلا أن ما حدث من تطورات سياسية علي الساحة مؤخراً، فتح الباب علي مصراعيه لزيادة عدد الأحزاب إلى نحو 90 حزباً سياسياً، في الوقت الذي لا يحتاج فيه المجتمع سوى 4 أحزاب فقط تتنافس فيما بينها من أجل الوصول للسلطة، الأمر الذي بات يستوجب اندماج الأحزاب السياسية المتشابهة في الفكر، وتقليص عددها، كما هو متبع في كثير من الدول الديمقراطية من أجل تكوين أحزاب قوية، قادرة على المشاركة الفعلية في الحياة السياسية، لنضع خلال السنوات القادمة مستقبلاً سياسياً أفضل. عندما قامت ثورة 1952، تم حل جميع الأحزاب السياسية في مصر، ووقتها تمت تجربة نظام الحزب الأوحد، ثم المنابر، ثم عادت تجربة التعددية الحزبية، وظهرت أحزاب عديدة علي الساحة مثل حزب الوفد الجديد وحزب الأمة وبعد ثورة يناير ازداد عدد الأحزاب ليصل عددها إلي 94 حزباً أغلبها يعمل بلا رؤية واضحة، وعند النظر إلي البلدان المتقدمة نجد أن الأحزاب السياسية في أي مجتمع تقوم علي أنظمة مختلفة، فهناك نظام الثنائية الحزبية، الذي يقوم علي أساس وجود حزبين رئيسيين في الدولة يتنافسان علي الحكم، ليفوز أحدهما ويبقي الحزب الآخر معارضاً له، هذا في ظل وجود أحزاب أخرى صغيرة لكن الاهتمام الأكبر يكون موجهاً للحزبين الرئيسيين اللذين يلتف حولهما قطاع كبير من المواطنين لما لهما من رؤى وأفكار هادفة، أما الأحزاب الأخرى فتظل موجودة لكنها تكون غير قادرة علي المنافسة ولأن الأمريكان هم أكثر الشعوب دراية بأن كثرة الأحزاب تفتت ولا تجمع، سيطر الحزبان الديمقراطى والجمهورى علي الحياة السياسية الحزبية في أمريكا، وأصبحا من أهم وأكبر الأحزاب هناك، هذا بالإضافة للأحزاب الأخرى، حيث يصل عدد الأحزاب في أمريكا إلي 32 حزباً أقدمها الحزب الاشتراكى الذي تأسس عام 1919، بالإضافة إلى وجود أحزاب أخرى صغيرة مثل حزب الاستقلال الأمريكى وحزب الخضر بالولايات المتحدة والحزب الدستورى الأمريكى، وهي أحزاب موجودة لكنها غير منافسة للحزبين الرئيسيين، أما في بريطانيا فهناك حزبان رئيسيان أيضاً هما حزب العمال، والذي يهدف للحفاظ على حريات الأفراد، وتنفيذ المشروعات العامة، وحزب المحافظين، الذي يسعى للمحافظة على المؤسسات ويعارض تدخل الدولة في مجالات عديدة، أما النظام الثانى، والمعمول به في كثير من الدول، فهو نظام التعددية الحزبية، وهذا النظام يعتمد علي وجود ثلاثة أحزاب أو أكثر، تتنافس من أجل الوصول للسلطة، وهذا النظام اتبعته العديد من الدول مثل مصر، وفرنسا، وتركيا، ولبنان، ففي فرنسا علي سبيل المثال نجد أن لديها 16 حزباً، أهمها الحزب الاشتراكى الفرنسى الذي يعد أهم قوة سياسية، والحزب الشيوعى، والحزب الراديكالى لليسار، وعند النظر إلي تلك الدول نجد أن لديها تجربة رائعة في إدارة الحياة الحزبية السياسية، الأمر الذي بات يستوجب أن نحتذى به في الفترة القادمة، لكي نتمكن من تكوين أحزاب قليلة تكون قوية ومؤثرة، وتتمكن من كسب الرأي العام ويلتف حولها قطاع عريض من المجتمع لكي يمكنها ذلك من البقاء في السلطة. توجهات واحدة عصام شيحة، المحامى عضو الهيئة العليا بالوفد، يؤكد أن وصول عدد الأحزاب في مصر إلي 94 حزباً، وهو أكبر عدد وصلت إليه الأحزاب في مصر منذ ثورة 1952، إلا أن الغالبية العظمى منها غير معروف، وليس له تواجد علي الساحة، فيري أننا لسنا بحاجة إلا ل 4 أحزاب فقط، فنحن لدينا 4 تيارات أساسية، هى التيار الليبرالى واليسارى والإسلامى والقومى. والمشكلة الأساسية أننا عانينا من الحرمان لعدة سنوات من التجربة الحزبية التي كانت مقيدة، فقبل ثورة 25 يناير ظهرت أحزاب ديكورية لمواجهة الرأي العام العالمى، إلا أن الانفراجة السياسية ازدادت بعد الثورة، فارتفع عدد الأحزاب من 24 حزباً إلي 94 حزباً، وللأسف يتشابه أغلبها في البرامج والتوجهات، لذا فمن الأفضل في الوقت الحالي أن يحدث اندماج بين الأحزاب، للارتقاء بمستقبل الحياة الحزبية، فالكثير من الأحزاب الموجودة الآن تتشابه في الرؤى والبرامج، وربما يكون البرلمان هو البداية لظهور تحالفات انتخابية، تعقبها تحالفات سياسية، وهذا ما بدأ يحدث بالفعل في الوقت الراهن، حيث ظهرت تحالفات أيديولوجية علي الساحة قبل بدء العملية الانتخابية، ومن المتوقع أن يزداد الاندماج فيما بعد، لنصل خلال 10 سنوات إلي وجود حزبين رئيسيين علي الساحة، يلتف حولهما المواطنون الذين ازداد لديهم الوعي السياسى، فمن المتوقع أن تفشل الأحزاب الصغيرة في تحقيق أغلبية داخل البرلمان، مما يجبرها علي التحالف لتشكيل حكومة ائتلافية أو حكومة إنقاذ وطنى، فخصص عدد الأحزاب وتحالفها هو الهدف الذي يجب أن تقوم التجربة الحزبية، فربما نجد أحزاباً قوية تظهر علي الساحة في المستقبل وتنال احترام الجماهير من خلال ما تقدمه من برامج، وعلي الأحزاب في الفترة المقبلة عدم الطموح في الوصول للسلطة حتي لا تنهار التجربة الحزبية. اختلاف التجربة المفكر كمال زاخر، يري أن كل الدول الديمقراطية تتعدد بها الأحزاب، كما أن حرية تشكيل الأحزاب متاحة بالإخطار، وليست بها قيود، لكن الأحزاب هناك تنحسر في حزبين أو ثلاثة، يلتف حولها قطاع كبير من المجتمع مثل حزبى العمال والمحافظين في إنجلترا، لكن الفرق بيننا وبينهم هو التجربة الحزبية، فمصر قبل ثورة يناير كانت بها أحزاب ازداد عددها بعد الثورة لكن الأمر يتوقف علي التجربة الحزبية نفسها، فمصر مازالت تخطو أولى خطوات الديمقراطية، فضلاً عن أن ضوابط تشكيل الأحزاب بها بعض المعوقات، كما أن الخبرة الحزبية، غير متوافرة يقابلها طغيان التشكيل العائلى، وبالتالى لم تستقر الأوضاع لدينا، ومن ناحية أخرى نجد أن الأحزاب في مصر مازالت تعاني من أزمة التواصل مع المواطنين فأصبحت أقرب ما تكون للجمعيات الأهلية، وهذا يفسر عدم وجود حزب أو اثنين يلتفت حولهما المواطنون. ويقول: لكي تحدث تلك التجربة في مصر، لابد أن يؤمن الجميع بأهمية الأحزاب، مع ضرورة الاقتناع بجدوي وجود الأحزاب التي وجدت لكي تصارع من أجل السلطة، فكل حزب له رؤية لإدارة البلاد بطريقة أفضل، وذلك من خلال ما تقدمه من برامج في الانتخابات، فالشعب المصرى عاني كثيراً على مدار ال60 عاماً الماضية، وربما بعد حدوث ثورتين غيرتا مسار الحياة في مصر، وساهمتا في ظهور جيل جديد من الشباب، ستكون هناك نقطة انطلاق للأحزاب التي تعبر عن القوي السياسية في المجتمع، وستولد أحزاب قوية يحدث الصراع فيما بينها، ليختزل هذا الكم من الأحزاب الموجودة علي الساحة الآن في بضعة أحزاب قليلة تعبر عن توجهات المجتمع ويلتف حولها الجميع. فكرة غير مثالية أما نبيل زكي، أمين الشئون السياسية والمتحدث باسم حزب التجمع، فليس منزعجاً من كثرة الأحزاب الموجودة الآن علي الساحة، فيقول: قبل ثورة 1952 كانت هناك عشرات الأحزاب في المجتمع، لكن الأحزاب التي لها رؤية وصدي بالفعل هما حزب الوفد وحزب الكتلة، وعلي مدار سنوات طويلة حظيت الأحزاب الرئيسية علي ثقة الجماهير، من خلال ما تقدمه من نشاط سياسي، ففكرة وجود حزبين يمثلان المجتمع ليست مثالية، فهناك حزبان رئيسيان في أمريكا، لكن عند التدقيق في المشهد السياسي هناك نلاحظ عدم وجود فارق بينهما، فالوجوه تتغير، والسياسات المتبعة واحدة، أما في مصر فلدينا ما يقرب من 90 حزباً الغالبية العظمى منها غير معروفة للمواطن البسيط، فأغلب المواطنين لا يعرفون سوي 6 أحزاب فقط، ومن المتوقع أن تكون لها الغلبة وستلعب دوراً مؤثراً في البرلمان القادم، نظراً لأن باقي الأحزاب ليس لها دور مؤثر في المجتمع، فضلاً عن تواجدهم الضعيف، لذا فمن المتوقع أن تصمد الأحزاب العريقة خلال الفترة القادمة، فبرنامج كل حزب وتوجهاته هما سر بقائه، وأهم دافع لالتفاف الشعب حوله. البقاء للأقوى أحمد بهاء شعبان، الأمين العام للحزب الاشتراكى المصرى والمنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير، يرى أن تعدد الأحزاب ظاهرة طبيعية، وليست بجديدة، خاصة في الشعوب التي عانت وعاشت طويلاً بعيداً عن تقاليد العمل الحزبى الديمقراطى، وهذا نوع من تعويض الحرمان عن هذا الحق، لكن بمرور الوقت، واستقرار الأوضاع سوف تستقر الأمور، وستتمكن الأحزاب الرئيسية من إثبات وجودها لتستمر علي الساحة، أما الأحزاب التي لن تتمكن من الاهتمام بمشاكل الشعب فلن تصمد طويلاً، فالشعب المصري خلال المرحلة القادمة سيكون قادراً علي فرز الكثير من القوي والانتقاء منها ليبقي علي الساحة من يستحق البقاء فقط، كما هو موجود في كثير من الدول الديمقراطية التي توجد بها أحزاب كبيرة رئيسية، ويقول: من المنتظر ألا تستمر الأوضاع لدينا بهذا الشكل، لأن لدينا أحزاباً عديدة بلا رؤية أو نشاط، الأمر يحتاج لبضع سنوات حتي نصل لتجربة الحزبين الرئيسيين، كما هو معمول به في الخارج، لأن الأحزاب السياسية مثل الكائن الحى، لذا فنحن نحتاج ل5 سنوات علي الأقل لتحقيق هذا الأمر، بشرط أن تخفف الدول ما تفرضه من قيود علي الأحزاب، ولا يجب غلق الباب علي بناء أحزاب جديدة، فيجب إعطاء الفرصة للجميع لأنه في النهاية لن تبقي سوي الأحزاب الحقيقية التي لديها مقومات التطور، والصمود.