في مشهد سياسي مرتبك خرجت علينا الإدارية العليا بحكمها النهائي بتأييد حل مجلس الشعب مما يعني قرب انطلاق ماراثون انتخابي جديد للبرلمان المصري حيث بدأت تحالفات وأحزاب جديدة كان علي رأسها حزب المؤتمر المصري برئاسة الدكتور عمرو موسي.. تحالف يضم أكثر من20 حزبا منها غد الثورة والديمقراطي الاجتماعي وحملة عمرو موسي وحزب السلام الاجتماعي وحزب التحرير والمصريين الأحرار والعدل,إلي جانب أحزاب آخري تحت التأسيس كحزب مصر القوية للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وحزب الدستور الذي حصل علي الموافقة الرسمية من لجنة شئون الأحزاب علاوة علي الحزب الذي أعلن عنه الفريق أحمد شفيق مؤخرا. هذا الزخم الحزبي الكبير أثار العديد من علامات الاستفهام حول جدوي تلك التحالفات وتأثير وجودها علي الانتخابات البرلمانية المقبلة خاصة وأنها ستشهد صراعا رئاسيا مصغرا بين عدد كبير من مرشحين سابقين لرئاسة الجمهورية.. في البداية يري الدكتور يسري العزباوي خبير الشئون البرلمانية بمركز الأهرام للدرسات السياسية والإستراتيجية أن معظم التحالفات التي ظهرت بعد الثورة هشة للغاية, ولاتقوم علي قاعدة جماهيرية حقيقية أو أيدلوجية وبرامج تجمع كل أعضاء التحالف تحت مظلة واحدة ولكنها تستمد وجودها من شخص واحد مثل حزب المؤتمر الذي يقوم أساسا علي شخص الدكتور عمرو موسي. ويقول أن التحالفات الناصرية علي حد وصفه مرتبطة بنخف سياسية معينة ولاتعتمد علي كوادر حقيقية في الشارع كما تضاءل دورها السياسي بعد صعود التيارات الإسلامية, لذا ينطبق علي أغلب تلك التحالفات الحزبية وصف الشو الإعلامي دون الاهتمام بالوجود الفعلي علي أرض الواقع. مخالفات انتخابية: ويؤكد أن الفارق كبير بين التحالفات السياسية والإنتخابية ومانشهده الآن علي حد قوله هي تحالفات انتخابية هدفها الفوز في السباق البرلماني القادم وليس تحالفا سياسيا قائما علي أيدلوجية محددة, حيث لن تستطيع هذه التحالفات الليبرالية أن تصمد أمام تحالف التيارات الإسلامية التي بدأت بالفعل الاستعداد للانتخابات المقبلة وعلي رأسها حزبي النور والحرية والعدالة بعدما شهدت الانتخابات السابقة انقساما انتخابيا وليس سياسيا بين التيارات الدينية. أما عن الأحزاب الجديدة التي تخرج للنور وتخوض المعركة الانتخابية لأول مرة فيري العزباوي أن معظمها نخبوية التأسيس ويقتصر نشاطها علي العاصمة كما أن معظمها ناتج عن انشقاقات حزبية سابقة. التفتت والتشرذم: ويفسر نبيل زكي المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع اتجاه التحالفات حاليا بأنها نتيجة شعور عام واجماع من القوي السياسية علي ضرورة توحيد صفوف القوي المناصرة للدولة المدنية في مواجهة هجمة شرسة من القوي الاسلامية وهيمنتها وسيطرتها علي الحكم واصفا هذه التحالفات بالتحرك الايجابي الذي يمثل خطوة الي الأمام خاصة مع ادراك قادة القوي السياسية بأن هذه السيطرة من الاسلاميين جاءت نتيجة التفتت والتشرذم والخلافات التي عانت منها الأحزاب والقوي السياسية خلال الفترة السابقة. وحول مشكلة الرغبة في الزعامة والنزعة الفردية كسبب رئيسي في الخلافات التي تؤدي الي فشل التجارب التحالفية أشار زكي إلي أنه في التاريخ المصري الحديث عدد من التجارب باءت بالفشل مثلما كان الحال قبل ثورة يوليو1952 عندما قبل مصطفي النحاس تحت الضغوط تشكيل حكومة ائتلافية ثم ثبت أن شركاءه في الائتلاف يقف وراءهم الملك ويحركهم واستخدمهم لضرب حكومة الوفد ونسفها وهو ما جعل النحاس فيما بعد يصر علي حكومة وفدية. وبعد25 يناير كان هناك ماسمي بالتحالف الديمقراطي وكان يضم أحزاب وقوي من أقصي اليمين الي أقصي اليسار ثم انسحبت الأحزابا المدنية من هذا التحالف بعد الجمعة التي أطلق عليها قندهار حيث رفعت الشعارات الدينية بما يعد انتكاسة لمطالب مدنية الدولة ثم كان اخر التحالفات هو تحالف الكتلة المصرية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي كان من سلبياتها وجود أطراف ليس لديها الخبرة السياسية أو الانتخابية مما تسبب في وضع قوائم هزيلة لم يكتب لها النجاح. الفشل متوقع: وعن امكانية النجاح هذه المرة في التحالفات الحالية قال زكي يبدو أنهم قد تعلموا.. وبصراحة اذا استمرت هذه النزعة مع هؤلاء الساسة فسيكون الفشل في انتظارهم لكن اذا توحدوا حقا وتغلبت المصالح الوطنية العليا فستكون الفرصة قائمة لتعويض وتحقيق النجاح وممارسة منافسة سياسية حقيقية في مصر بين مختلف التيارات والقوي يكون المستفيد منها الوطن والمواطن مؤكدا أن التفاؤل حاليا مشروط بوحدة جميع القوي المدنية ونزول كوادرها الي الشارع بجميع المحافظات وأعماق الريف ومناقشة البسطاء في أماكن عملهم سواء الحقول أو المصانع بالعقل والحجة في مشكلاتهم وكيفية حلها وكشف النصب والدجل باسم الدين وفضحه أمامهم وأنه مالم يحدث كل هذا فستنهار هذه التحالفات ولن تحقق المرجو منها. لماذا حصد الاسلاميون الانتخابات الأخيرة: من جانبه يؤكد أحمد ماهر منسق حركة6 ابريل أن الناخبين دائما ما يختارون الأكثر تنظيما وقدرة علي الوصول للناس في الشارع وهو مايتصف به التيار الاسلامي الأمر الذي جعلهم يحصدون الأغلبية في المعارك الانتخابية السابقة قائلا( لست متفائلا بنجاح هذه التحالفات الحالية فصحيح أن هناك احزابا كثيرة تنتمي لأيديولوجيات مختلفة ولايزال هناك أحزاب أخري تتشكل وتخرج للساحة السياسية لكن حتي الان لايوجد تحالف بالمعني المطلوب لديه القدرة علي المنافسة والنجاح الأمر الذي سيجعل هناك سيطرة اسلامية في الانتخابات المقبلة اذا استمر الحال كذلك ولا لوم علي قادتهم لأن الناس لم تجد البديل القادر علي منافستهم لتعطيه أصواتها. مواجهة الخصوم السياسيين: ويرحب الكاتب الصحفي صلاح عيسي بهذه التحالفات الحزبية ويشجع علي القيام بها خاصة في ظل قيام أحزاب توحي الظروف بأنها كبيرة أو هكذا المتوقع أن تكون مثل حزب الدستور بقيادة الدكتور محمد البرادعي وحزب المؤتمر بقيادة السيد عمرو موسي, لكنه لفت الي أن خبرتنا كمصريين بالتحالفات السياسية أنها دائما ما تنشط علي مشارف الانتخابات التي ما ان تقترب حتي نجد تنسيقا بين القوي السياسية والحزبية ذات الرؤي القريبة, فدائما ما يكون التفكير فيها في وقت متأخر مع اقتراب المعارك الانتخابية من أجل مواجهة الخصوم السياسيين لكن دائما أيضا ما يحدث الخلاف بين الأطراف الراغبة في التحالف ليخوضوا الانتخابات في النهاية متنافسين بين بعضهم البعض حيث تنهار هذه التحالفات أثناء المعركة الانتخابية نفسها وتتراكم المرارات بسببها وتظل الاطراف علي خلاف حتي اقتراب الانتخابات التي تليها. ويشير عيسي الي أن المصريين لم يألفوا الاتحاد من أجل توحيد الجهود لكنه اعتبر اشكالية عدم حماس المصريين للعمل الجماعي من العيوب التي يمكن استدراكها من التجارب السابقة لتاريخ هذه التحالفات خاصة في الماضي القريب قائلا من الوارد والممكن والضروري في الوقت نفسه التجمع حاليا من أجل أن يكون في مصر حياة حزبية حقيقية في الفترة المقبلة. ويضيف صلاح عيسي أتمني أن تكون التحالفات والائتلافات التي نسمع عنها هذه الفترة حقيقية وبهدف الاستمرار بحيث تستفيد من التجارب السابقة خاصة مع وجود تصريحات حاليا لعدد من كبار الشخصيات مثل حمدين صباحي التي اعترف فيها بأن عدم التنسيق والتحالف في الانتخابات الرئاسية الأخيرة كان خطأ وانه لو كان قد وافق عليه استجابة لمطالبات الكثيرين لتغيرت النتيجة واختلف الوضع حاليا بصورة كبيرة الأمر الذي يشير لامكانية حدوث تغير في التفكير والتصرفات في الفترة المقبلة. التحالفات تتمركز حول المرشحين الرئاسيين يقول الدكتور محمد سعد ابراهيم استاذ الإعلام بجامعة المنيا أن الملاحظة المحايدة لنشاط التحالفات السياسية والانتخابية المصرية في الوقت الراهن تمحورت حول النخبة بوجه عام, والمرشحين الرئاسيين السابقين بوجه خاص, ومن ثم غياب النشاط والحركة علي مستوي القاعدة الشعبية في المدن والأحياء والقري والنجوع والتجمعات الجماهيرية الطلابية والعمالية وغيرها مشيرا الي أن تجاربنا مع المبادرات الهرمية التي تنطلق من العاصمة, لا تبشر بالخير سواء في أهدافها أو آلياتها أو برامجها أو نتائجها, ولكن لا يمكن انكار حاجتنا الماسة لتحالفات أو أحزاب قوية, تعيد التوازن لحياتنا السياسية والحزبية. ويوضح ابراهيم أننا حيال تحالفات انتخابية الأول يتمثل في تحالف اليسار والناصريين مع حزب الدستور والمسمي تحالف الجبهة الوطنية بزعامة الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي, والتحالف الثاني يتمثل في الأحزاب الليبرالية والمسمي تحالف الأمة المصرية بزعامة عمرو موسي, والتحالف الثالث يتزعمه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ويضم أحزاب مصر القوية والوسط والحضارة والعدل والتيار المصري, أما التيار الرابع فيتمثل في التحالف الصوفي القبطي الذي دعم الفريق أحمد شفيق في الانتخابات الرئاسية. وهكذا, لا تخلو التحالفات الأربعة من التناقضات الرئيسية والثانوية في تركيبتها وأهدافها وبرامجها وآلياتها وزعاماتها ومنها تباين وتنافر أهدافها التي تتراوح بين إعادة التوازن السياسي ومواجهة ما يسمي أخونة الدولة وإسقاط دولة المرشد والحفاظ علي هوية مصر وإقامة الدولة المدنية.. وكلها رغم تعدد شعاراتها تنطلق من فرضية غياب الداعين لثورة25 يناير عن مقاعد الحكم والبرلمان وإخفاق المرشحين المحسوبين عليها, ومن ثم يصبح الهدف الرئيسي الاستعداد لجولة جديدة في مواجهة الإخوان المسلمين لنعيد إنتاج ما حدث في الانتخابات البرلمانية والرئاسية, ونجد أنفسنا حيال أربعة تحالفات تتنافس علي48% من الأصوات في الانتخابات الرئاسية, هذا مع افتراض تماسك الكيانات داخل تلك التحالفات وعدم انفضاضها في اللحظات الأخيرة. وأكد ابراهيم أن ثقافة الكراهية السائدة في الشارع المصري, والتي تحكم تحركات وخطابات الفرقاء المتحالفين لا تبني كيانا سياسيا قادرا علي الوجود والتواصل والمنافسة, الأمر الذي يؤكد الحاجة لإشاعة ثقافة ديمقراطية تفتح الطريق أمام إعادة الدولة مدنية ديمقراطية حديثة تحترم الإرادة الشعبية والصندوق الانتخابي بعيدا عن الترصد والدعوات الانقلابية.