ما نتابعه هذه الأيام على الساحة الإعلامية حول مشكلة الثعبان الأقرع، واصطفاف المؤسسات الدينية الحكومية فى جبهة فقه الثعبان، يجعلنا نسرع فى مطلبنا الذي سبق وطالبنا به هنا وهو إعادة النظر فى الخطاب الديني المؤسسي أو الرسمي أو الحكومي، ولا نقصد بالخطاب المؤسسي الحكومي بالفقه المؤسسي الحديث والمعاصر فحسب، بل نعنى الخطاب المؤسسي المتوارث عبر مئات السنوات، وإعادة النظر التي نعنيها ليست التجريح أو التشويه أو لإقصاء جميع الموروث وتوابعه من الخطاب الحديث والمعاصر، بل تنقية وتنقيح وفرز وإصلاح واستبعاد غير الصالح منه أو التنبيه إلى عواره وعدم صلاحيته. وقبل أن نقدم على إعادة النظر فى الخطاب الديني الحكومي، يجب أن نجيب عن بعض الأسئلة، منها: لماذا خرج من عباءة الخطاب الديني الحكومي خطابات دينية متطرفة ومتشددة ومكفرة وخطابات تستحل دماء المسلم وغير المسلم؟، وهل الخطابات الدينية الجديدة تختلف عن الرسمية في المذهب أم فى المنهج؟، وما هو الهدف من الخطابات الدينية الجديدة؟، وما هى سلبيات الخطاب المؤسسي الحكومي التي أنكرها مؤسسو الخطابات الدينية غير الحكومية؟. كما أن هناك سؤالاً على قدر كبير من الأهمية يجب أن ننتبه إليه، وهو: هل الخطابات الدينية غير الحكومية تسعى إلى إزاحة الخطاب الحكومي وسدنته ورفع خطابهم بدلا منه؟، هل الهدف هو تبديل الخطاب وسدنته؟، هل هو صراع على من يكون خطابه هو الممثل للمؤسسة والحكومة أم الخطاب الذى يقترب من الله عز وجل وكتابه العزيز؟ المتعارف عليه تاريخيا أن ديانة الدولة الرسمية هى الديانة المنزلة من السماء والتي تفتح الباب للمؤمنين بها لدخول الجنة، وما عدا هذه الديانة فهو إما محرف أو منتج بشرى لا علاقة له بالسماء، والمتعارف عليه كذلك أن داخل كل ديانة العديد من المذاهب، وأن المذهب الذي يتبناه النظام الحاكم هو الأقرب لله عز وجل، وهو الأقرب للكتاب المنزل من السماء، وإذا جاز لنا أن نقدم نموذجا فأمامنا الدولة الإيرانية حيث يسود المذهب الشيعي الاثنى عشري، وفى مصر المذهب السني ، وفى سلطنة عمان يسود المذهب الأباضى، وكل نظام حاكم فى هذه البلدان يرى أن المذهب السائد هو المذهب الأقرب لكتاب الله، وأن ما يخالفه من مذاهب يعد تأويلا أو تجاوزا أو ابتعادا عن شرع الله، لهذا أنشأت هذه الأنظمة الحاكمة المؤسسات الدينية التي تخدم وتكرس لهذا الخطاب المذهبي، وبالطبع سدنة المؤسسات الدينية أو سدنة المذهب لا يتقيدون بالموروث الفقهي المذهبي، بل يساهمون ببعض القياسات فى المسائل المستحدثة، كما أنهم وهو الأهم ينتجون ما يخدم على سياسة الحاكم وبقاءه على رأس الدولة، وما يخدم على بقائهم هم كسدنة فى مناصبهم. والأمثلة فى هذا السياق متعددة ومتنوعة، على رأسها منح الحاكم وسدنة المؤسسات الدينية حصانة شرعية تحصنهم من الخروج عليهم أو انتقادهم أو عزلهم، مثل تشديد بعضهم على عدم الخروج على الحاكم لتجنب الفتنة، ومنها الخلط بين الاجتهاد وبين المجتهد وبين الشريعة، فتوجيه انتقادات لمنتج فقهى يعد انتقادا لشرع الله، كذلك انتقاد المؤسسة أو السدنة فيه خروج عن الملة. قاعدة التحصين أو فرض الحصانة حول الحاكم وبطانته من سدنة المذهب، هى من أولى خطوات تسييس شرع الله، وتسخيره في التكريس للنظام الحاكم، والخطوة الثانية في هذه اللعبة هى تحصين المذهب، حيث يقوم السدنة بإنتاج ما يشوه أو يكفر أو يحرم الخروج على المذهب، لأن الخروج على مذهب أو الخطاب الديني للحاكم فيه هدم للدولة، من هنا يتم تكفير أو تحريم أو تشويه من يدعون لمذهب آخر، ويتم وصفهم بالخوارج أو الروافض، لأن تغيير المذهب يعنى بالضرورة تغيير الحاكم وسدنته وبطانته ونظامه ككل. النقطة الثالثة فى تحصين الحاكم والمذهب وسدنته، الحد من حرية الاجتهاد خارج المؤسسة الرسمية، وتشويه سيرة وفكر من يقدمون اجتهادات قد تكشف ضعف بعض السدنة فى المؤسسة الرسمية، ربما بوصفهم بالجهل أو التأويل أو عدم التخصص، وإقناع الحاكم بخطورتهم على المذهب والنظام الحاكم ككل.