يشهد لبنان منذ 25 مايو الماضي خلو منصب رئيس الجمهورية بعد انتهاء فترة ميشال سليمان، وعجز مجلس النواب عن انتخاب خلفا له، لتتولى الحكومة هناك برئاسة تمام سلام صلاحيات الرئيس. وزاد الأمور تأزما بخلو منصب الرئيس اشتباك الجيش اللبناني مع جماعات من داعش وجبهة النصرة، جرت خلالها اشتباكات عنيفة دارت في عرسال مع الجيش اللبناني، وأوقع خلالها إصابات في صفوف المسلحين في وادى الرعيان وعين عطا ومحيط المهنية ومسجد أبو إسماعيل، الذي يتحصن فيه المسلحون. انقسام سياسي ويرى خبراء أن عمق الانقسام السياسي والطائفي في لبنان أدى إلى عدم اختيار رئيس جديد حتى الآن، بعد أن دعا المجلس النيابي إلى انتخاب رئيسا للجمهورية خمس مرات خلال الشهرين اللذين سبقا انتهاء فترة الرئيس سليمان ، بحسب ماينص عليه الدستور اللبناني، فشهدت جلسة انعقاده في المرة الأولى الفشل في حصول أحد من المرشحين على نسبة الثلثين المطلوبة للفوز بينما شهدت التي تليها عدم اكتمال نصاب الجلسات المحدد بغالبية الثلثين. وتتنافس مجموعتين سياسيتين أساسيتين هما قوى 14 آذار المناهضة لسوريا وحزب الله، وأبرز قياداتها سعد الحريري والزعيم المسيحي الماروني سمير جعجع المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وقوى 8 آذار المدعومة من دمشق وطهران وأبرز أركانها حزب الله الشيعي والزعيم المسيحي الماروني ميشال عون الذي أعلن رغبته بتولي منصب الرئاسة شرط حصول توافق من كل الأطراف، وهو مالم يتم. أزمات مماثلة وكان لبنان شهد في سبتمبر 2007 وحتى مايو 2008 أزمة مماثلة، إذ بقي دون رئيس حتى تدخلت فوى دولية وإقليمية، لتسوية بين الأطراف اللبنانية انتهت بانتخاب ميشال سليمان الذي كان قائدا للجيش قبل توليه النصب. كما أن فراغ آخر استمر سنتين في منصب الرئاسة خلال الحرب الأهلية من عام 1975 وحتى1990 انتهى باتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب وأجرى تعديلات جذرية على النظام السياسي اقتطعت الكثير من صلاحيات الرئيس الذي هو من نصيب الطائفة المارونية في لبنان. بينما تعود رئاسة مجلس الوزراء إلى السنة ورئاسة المجلس النيابي إلى الشيعة. عودة الحريري وحل أزمة منصب الرئيس وصل سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، إلى لبنان اليوم الجمعة في أول زيارة لبلاده منذ ثلاث سنوات، قادما من جدة السعودية، وأظهرت لقطات بثتها محطات تلفزيون لبنانية الحريري يصل إلى مقر الحكومة في بيروت حيث من المقرر أن يجتمع مع رئيس الوزراء تمام سلام، في الوقت الذي يتوقع بعض الساسة أن يكون لعودته دور كبير في إنهاء هذه الأزمة. ورحب بطرس حرب، وزير الإتصالات اللبناني، في تصريح لوسائل الإعلام بعودة سعد الحريري إلى لبنان بعد غياب قسري طويل نتيجة الظروف الأمنية التي كانت تسود البلاد”، مثمنا على مبادرة الحريري في العودة ليكون قريبا من مركز القرار اللبناني، ولا سيما في ما يتعلق بترجمة الهبة السعودية البالغة مليار دولار بصورة سريعة لمساعدة الجيش ومؤازرته في مواجهة الإرهاب”. واعتبر أن مجيء الرئيس الحريري إلى لبنان في هذا الظرف بالذات هو عودة أحد القادة الأساسيين في لبنان في ردة فعل طبيعية لمسؤول كبير لحماية لبنان ونظامه السياسي والحياة اللبنانية المشتركة بين جميع الطوائف، وهي تتضمن حكما رفضا للإرهاب والتطرف باعتبار أن الرئيس الحريري هو من رواد الاعتدال في لبنان ورافضي كل النزعات المتطرفة والإرهابية. وقال: "مع ترحيبي بعودة الرئيس الحريري، أتمنى أن تكون الظروف في لبنان ووجوده بيننا منطلقا لجو سياسي جديد يساهم بصورة مباشرة في تحريك ملف رئاسة الجمهورية وفي دعم الجيش اللبناني والمؤسسات الدستورية وفي إطلاق حركة حوار جديدة واسعة قد تمكن لبنان من الخروج من الحلقة المفرغة التي يدور فيها". وأضاف:"وجود الحريري سيكون أحد العوامل الأساسية لتعزيز الحيوية داخل 14 آذار بالنظر لدوره الكبير في الحركة السياسية لثورة الأرز التي حملت شعار الدفاع عن استقلال لبنان وسيادته ووحدة العيش بين اللبنانيين والعودة إلى الدولة اللبنانية". بينما رأى النائب مروان حماده في تصريح انه "في مرحلة تتسم بسواد يحيط بالمنطقة عموما، وبلبنان خصوصا، تأتي عودة سعد الحريري الى بيروت كبارقة امل تزرع التفاؤل والطمأنينة الى مستقبل اللبنانيين الذين يرون في هذه العودة بابا من الانفراجات، تبدأ من غلبة الاعتدال على التطرف بكل اشكاله، والسماح على التقوقع، ولا تنتهي باحياء الآمال بإنجاز الاستحقاقات الدستورية، منها ما طال انتظار انجازه، ومنها ما يؤمل ان ينجز في مواعيده". البطريرك بشارة الراعي أمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قال "تشكل عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان حافزا لتضافر كل الجهود الخيرة من أجل الدفع الى الأمام بالمساعي الآيلة الى الخروج من الأزمة السياسية والإجتماعية الداخلية في لبنان". رحب رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار في تصريح اليوم، بعودة الحريري إلى لبنان قائلا"البلاد أحوج ما تكون في هذه الأوضاع، إلى تلاقي اللبنانيين وتوحدهم في سبيل تحصين الاستقرار، ومواجهة الأخطار التي تتهددها قائلا:"تساهم عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، في معالجة عاجلة وطارئة للمشاكل والأزمات التي تعانيها البلاد وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أقرب فرصة ممكنة". وأضاف:"المطلوب اليوم، وبعد عودة الرئيس الحريري من الخارج، العودة إلى طاولة الحوار، بحيث آن الأوان أن يجتمع جميع الأقطاب السياسيين تحت سقف واحد، من أجل التوافق على القضايا المصيرية التي من شأنها أن تحمي لبنان وتحصن الساحة الداخلية وتبعد شبح الفتنة الداخلية التي يحاول أعداء لبنان جر اللبنانيين إليها بشتى الوسائل الممكنة". يذكر أن المملكة العربية السعودية قررت تقديم مساعدة مالية عاجلة للجيش هناك والقوى الأمنية بقيمة مليار دولار أمريكي عقب الاشتباكات التي خاضها الجيش اللبناني أخيرا على الحدود اللبنانية السورية الشرقية في بلدة "عرسال" مع جماعات متطرفة. ولكن السؤال المطروح الآن هل تساهم عودة الحريري للبنان في إنهاء أزمة فراغ منصب الرئيس وتغلق الباب أمام النزاعات والخلافات الدائرة هناك بين القوى السياسية في هذا الشأن أم يستمر الأمر معلقا لفترة زمنية أخرى؟.