نشرت مجلة إنفرميشن كليرنج هاوس الأمريكية في 8 يوليو مقالاً مذهلاً للكاتب الأمريكي اليهودي الشريف ناعوم تشومسكي يفضح فيه صراحة دور أمريكا وأذنابها في إنشاء عصابة داعش وتسليحها والدور المحدد لها تحت عنوان «المطرقة الأمريكية حول العالم» نعرضه حرفياً علي القارئ.. يقول تشومسكي: جاء علي صدر جريدة نيويورك تايمز يوم 26 يونية صور نساء يبكين عراقياً قتيلاً وهذا القتيل أحد الضحايا الذين لا حصر لهم ممن قتلتهم «داعش» وهو اختصار لاسم العصابة المسماة الدولة الإسلامية في العراق والشام، في معركتها التي ذاب أمامها الجيش العراقي الذي سلحته ودربته أمريكا لسنين عديدة، وقد تخلي الجيش العراقي عن جزء كبير من أرض العراق في مواجهة هجمة من بضعة آلاف من العصابة المسلحة، وهو أمر ليس جديداً في التاريخ الامبريالي. وفوق صورة النساء الباكيات طبعت الصحيفة شعارها وهو «كل الأخبار الجديرة بالنشر» ولكن هناك حذف حيوي في الشعار، فكان الأحق أن تنشر الصحيفة صورة حكم محكمة مجرمي الحرب في نورمبرج ضد زعماء النازي، فهي كلمات يجب تكرار ترديدها حتي ترسخ في الضمير العام وهي «العدوان هو الجريمة الدولية الكبري والتي لا تختلف عن باقي جرائم الحرب إلا في أنها تحوي بداخلها كل عناصر الشر في الجرائم الأخري». وبجانب هذه العبارات يجب وضع كلمات المدعي العام الأمريكي في محكمة نورمبرج روبرت جاكسون الذي قال: «الأدلة التي نحكم بها علي هؤلاء المتهمين هي نفس الأدلة التي سيحكم التاريخ علينا بها مستقبلاً»، فإعطاء المتهمين كأس السم بمثابة وضع نفس الكأس علي شفاهنا أيضاً. لقد كان الغزو الأنجلو أمريكي للعراق مثالاً صارخاً علي العدوان، ويحاول المعتذرون عنه تبريره بأهداف نبيلة، حتي لو صحت لما كانت لها قيمة في تبرير العدوان. بالنسبة لمحكمة جرائم الحرب بعد الحرب العالمية الثانية، لم تكترث المحكمة بأن نوايا اليابانيين الاستعماريين كانت إقامة جنة للصينيين الذين كان اليابانيون يذبحونهم، أو أن هتلر دفع بقواته عام 1939 للدفاع ضد الإرهاب البولندي، فنفس الكأس السام هو ما نرشفه في الحالتين. أما الواقفون خارج المعسكر الأمريكي والمعادون له فلا تخدعهم الشعارات، فيقول عبدالباري عطوان رئيس تحرير الموقع العربي إن العامل الأساسي في الفوضي الحالية في العراق هو الاحتلال الأمريكي الغربي له وتأييد العرب لهذا الاحتلال، وأي ادعاء آخر هو تضليل يهدف إلي صرف الأنظار عن الحقيقة. وفي حديث صحفي مع مويرز وشركاه قال خبير الشئون العراقية رائد جرار ما يجب أن نعرفه في الغرب، فمثل كثير من العراقيين فرائد نصف شيعي نصف سني، وقبل غزو العراق لم يكن يعرف الفرق في الملة بين أقاربه أنفسهم لأن الطائفة لم تكن جزءاً من الشخصية العراقية في الضمير العام القومي، ويذكرنا رائد أن الصراع الطائفي الذي يدمر العراق بدأ بعد الغزو والاحتلال الأمريكي، فقد حطم المعتدون الشخصية القومية العراقية واستبدلوا بها شخصية عرقية وطائفية، وهو أمر جديد في العراق، والآن أصبح الشيعة والسنة ألد الأعداء بفضل مطرقة دونالد رامسفيلد وديك تشيني وزير دفاع أمريكا ونائب رئيسها خلال إدارة بوش الابن، وكثيرون غيرهم ممن لا يفهمون إلا العنف والإرهاب، والذين ساعدوا في خلق نزاعات تمزق المنطقة حالياً. وتنشر عناوين أخري عن عودة طالبان للظهور في أفغانستان، ويشرح الصحفي أناند جوبال الأسباب في كتابه الممتاز: «ليس بين الأحياء رجال طيبون.. أمريكا وطالبان والحرب بعيون أفغانية». وفي عام 2001 عندما وقعت المطرقة الأمريكية فوق رأس أفغانستان اختفي رجال القاعدة الأجانب وذابت طالبان، وفضل الكثيرون الأسلوب التقليدي وهو التأقلم والتعايش مع الغزاة، ولكن واشنطن كانت في حاجة ماسة لوجود تنظيم إرهابي لتسحقه، واكتشف الرجال الذين فرضتهم أمريكا لحكم أفغانستان أنهم يستطيعون ابتزاز أمريكا واستغلال جهلها لمهاجمة أعدائهم بمن فيهم العملاء الذين يتعاونون مع الغزاة الأمريكيين، وبسرعة أصبح البلد محكوماً بأمراء حرب شرسين، بينما حاول الكثير من أعضاء طالبان الذين لم ينجحوا في دخول النظام الجديد إحياء التمرد ضد أمريكا، ثم تناول الرئيس أوباما المطرقة بعد ذلك وأدار معركة تدمير ليبيا من وراء حجاب، ففي عام 2011 في مارس خلال انتفاضة الربيع العربي ضد معمر القذافي أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1973 بإيقاف القتال وإنهاء العنف تماماً أو الاعتداء علي المدنيين. ولكن الثالوث الاستعماري فرنسا وإنجلترا وأمريكا قرر فوراً مخالفة القرار وقام بدور سلاح الطيران للثوار ضد القذافي، وتضاعف العنف، وقام الثالوث الاستعماري بمهاجمة مقر القذافي بمدينة سرت وتدميرها تماماً، كما فعل الروس بمدينة جروزني عند نهاية حرب الشيشان، وحقق الثالثون هدفه بإسقاط القذافي من خلال بحر من الدماء، بالمخالفة لتصريحات الثالوث العلنية، وقد عارضت منظمة الوحدة الأفريقية بشدة هجوم الثالوث، وكما كتب الخبير السياسي إليكس وول في جريدة الشئون الدولية البريطانية فقد وضع الاتحاد الأفريقي خارطة طريق تنادي بإيقاف القتال والمساعدات الإنسانية وحماية اللاجئين الأفارقة الذين قتل الكثير منهم وطرد الباقي من ليبيا، وإجراء إصلاحات سياسية لإنهاء أسباب الأزمة القائمة، وتشكيل حكومة مؤقتة تضم كافة الأطراف، وتجري انتخابات ديمقراطية، وقبل القذافي مبدئياً اقتراح الاتحاد الأفريقي ولكن الثالوث رفضه إذ لم يكن مهتماً بالمفاوضة، وكانت النتيجة أن ليبيا الآن ممزقة بميليشيات متحاربة، بينما أطلق عنان الإرهاب الجهادي في معظم أفريقيا مع فيضان من الأسلحة يمتد حتي سوريا، وهناك الكثير من الأدلة علي نتائج اللجوء للمطرقة، ولنأخذ مثلاً جمهورية الكونغو الديمقراطية التي كانت الكونغو البلجيكية وهي دولة كبيرة المساحة غنية الموارد، وقصتها إحدي أكثر القصص بشاعة. كان لديها فرصة التطور بعد استقلالها عام 1960 بقيادة باتريس لومومبا رئيس الوزراء، ولكن الغرب لم يكن ليسمح بذلك، فقرر آلان دالاس رئيس المخابرات الأمريكية ضرورة إسقاط لومومبا وبسرعة، لأن استثمارات أمريكا كانت معرضة لخطر ما سمي بالوطنية المتطرفة، وبإشراف ضباط بلجيكيين تم اغتيال لومومبا وتحقيق أمنية الرئيس أيزنهاور في أن يسقط لومومبا في نهر ملىء بالتماسيح وتم تسليم الكونغو لعميل أمريكا موبوتو سيسيسيكو الذي أوصلها لدمار الأمل الأفريقي. وبالقرب من بلادنا من الصعب تجاهل نتائج إرهاب الدولة الأمريكي، هناك الآن قلق كبير من فيضان الأطفال اللاجئين من أمريكا الوسطي، وقد نشرت الواشنطن بوست أن معظم هؤلاء يأتي من جواتيمالا والسلفادور وهندوراس ولكن ليس من نيكاراجوا.. لماذا؟.. هل يكون السبب أنه عندما كانت المطرقة الأمريكية تهوي علي رأس المنطقة في الثمانينيات كانت نيكاراجوا هي الدولة الوحيدة التي لها جيش يحمي شعبها من الإرهاب الذي كانت تسانده أمريكا، بينما كانت عصابات الإرهاب تدمر الدول الثلاث الأخري التي كانت جيوشها مسلحة ومدربة من أمريكا؟ لقد اقترح أوباما برنامج مساعدة إنسانية لهذا الفيضان البشري عن طريق ترحيله بكفاءة أكثر، فهل كانت في ذهنه بدائل لترحيل هؤلاء البؤساء؟ من الظلم حذف تجارب «القوة الناعمة» ودور القطاع الخاص ومثال واضح علي ذلك قرر شركة شفرون إسقاط برنامجها لإنتاج الطاقة المتجددة، لأن الطاقة النفطية أعلي ربحاً، وأعلنت شركة إكسون موبيل من جانبها أن التركيز علي النفط قرار سليم لأن العالم يحتاج إلي نفط أكثر بصرف النظر عن تلوث البيئة!، لذلك فمن الخطأ استمرار تذكير القارئ يومياً بأحكام محكمة نورمبرج، فالعدوان لم يعد الجريمة العالمية الأولي، فلا يمكن مقارنته بتدمير حياة الأجيال المستقبلية لضمان ربح أكبر غداً. وإلي هنا تنتهي صرخة صوت تشومسكي الشريف في فضح جرائم الاستعمار الأمريكي وذيله الأوروبي، والدور الدنىء الذي يلعبانه في تسليح وتمويل ما يسمي بالدولة الإسلامية تحت قيادة المسيخ الدجال خليفة الإسلام الجديد، فهل يفيق العرب قبل أن يذهبوا إلي مقبرة الشعوب المنقرضة حافرين قبورهم بأيديهم؟ نائب رئيس حزب الوفد