6 وزارات تعاقبت علي حكم مصر منذ ثورة 25 يناير 2011، حتي الآن، شارك فيها مئات الوزراء، منهم من كان له أثر، ومنهم من لم يترك أي بصمة، ومع ذلك فجميعهم يتساوون في الحصول علي «معاش الوزير»، الذي يصل إلي 3 آلاف جنيه شهرياً، تتحملهم خزانة الدولة لأكثر من 200 وزير بعد الثورة، وعدد آخر لا يوجد حصر به قبلها، أسماء قد لا يتذكر المصريون عدداً كبيراً منها، يحصلون جميعاً علي معاشات في حين يعاني الآلاف من أصحاب المعاشات أصلاً من إحراز حلم قديم بزيادة حقيقية تغنيهم عن شر السؤال، ورغم أن القانون يمنع الجمع بين معاشين إلا أن الوزراء مستثنون من هذا، حيث منحهم القانون الحق في الجمع بين معاش الوزير، وأي معاش آخر، بالإضافة إلي حصوله علي راتبه من الجهة التي يعمل بها. وهو ما اعتبره الخبراء تكريساً للفساد وإهداراً لقيم العدالة الاجتماعية، ومبدأ تكافؤ الفرص. لم تشهد مصر في تاريخها تغيرات وزارية بقدر ما شهدته خلال السنوات الثلاث الماضية، ولما كان الوزراء يقضون فيما مضي أعواماً طويلة في مناصبهم تصل لعقود كاملة، لم يلتفت أحد لقضية معاش الوزراء، لكن اليوم وبعد التغييرات الوزارية المتعاقبة بعد ثورة 25 يناير و التي وصلت إلي 6 حكومات خلال الأعوام التي أعقبت ثورة يناير. وما شهدته هذه الحكومات من تعديلات محدودة أو كبيرة، أثناء فترة عملها، وأصبح الحديث عن معاش الوزراء قضية تشغل الرأي العام، فهل وزير يخرج من الحكومة حتي لو قضي فيها أياماً معدودة يستحق المعاش الذي يقدر ب3 آلاف جنيه، في أول مربوط له؟ وهل المنصب السياسي في المقام الأول يستحق المعاش، خاصة أن صاحبه غالباً ما يعمل في مهنة أخري، يتقاضي عنها أجراً في الوقت الذي تتضخم فيه ميزانية الدولة بما جعل الرئيس عبدالفتاح السيسي يرفض التصديق عليها حتي لا تتجاوز ديون مصر حد التريليوني جنيه، وفقاً لتصريحاته الأخيرة، أصبح لزاماً علي الحكومة إعادة النظر في كل البنود الموجودة بميزانية الدولة، مهما كانت، توفيراً للنفقات، بدلاً من اللجوء لرفع الدعم عن الطاقة بما يشعل الأسواق. ورغم أننا لا نملك إحصائية دقيقة بعدد الوزراء الذين يحصلون علي المعاش خاصة بعد أن رفض صندوق المعاشات الاجتماعية للعاملين بالقطاع الحكومي تقديم أية بيانات تتعلق بمعاش الوزراء، أشار المسئولون بالصندوق إلي أن هذه الموضوع شائك، وماطلوا معنا في تحديد موعد مع رئيس الصندوق للحديث حول القواعد المنظمة لمنح المعاش للوزراء، بعد تقاعدهم من الوزارة. معاش كامل الجدير بالذكر أن الدكتور أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي في حكومة الدكتور حازم الببلاوي كان قد تقدم بمذكرة لمجلس الوزراء تحت عنوان «معاشات السادة الوزراء والمحافظين الذين لم يشملهم التعديل الوزاري»، طالب فيها بأن يحصل الوزراء والمحافظون الذين لم يشملهم التعديل الوزاري معاشاً يساوي 100٪ من الحد الأقصي لأجري الاشتراك الأساسي والمتغير مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي لم يتم ضمها للأجر الأساسي، بصرف النظر عن مدة اشتراكهم في التأمين الاجتماعي وهي الاجتماعي، وهو ما يعني أن الوزير الذي قضي في الوزارة مدة تقل عن عام، كما ينص القانون كشرط للحصول علي المعاش، سيحصل علي معاش كامل، يتم تحديده بناء علي لجنة مشتركة من مجلس الوزراء والتأمينات لدراسة كل حالة علي حدة. واستند البرعي في مذكرته إلي موافقة رئيس الوزراء في 20/10/1993 علي منح زيادة استثنائية في المعاش لكل من السادة الوزراء الذين لم يشملهم التشكيل الوزاري في ذلك الحين، وتم ربط معاش لكل منهم يساوي كامل أجر الاشتراك مضافاً إليه العلاوات الخاصة التي لم يتم ضمها للأجر الأساسي، وذلك استناداً لنص الفقرة 3 من المادة 2 مت القانون رقم 71 لسنة 1964، الخاص بمنح معاشات ومكافآت استثنائية، مشراً إلي أنه تم تطبيق هذه القواعد علي الوزراء الذين لم يشملهم التشكيل الوزاري أعوام 1997، 200، 2004، 2006، وهو ما وافق عليه مجلس الوزراء أيضاً في 28/3/2011، إبان رئاسة الدكتور عصام شرف للحكومة، حيث تمت الموافقة علي منح معاش كامل للوزراء الذين لم يشملهم التشكيل الوزاري عامي 2010 و2011، بغض النظر عن مدة اشتراكهم في التأمينات الاجتماعية، وهو أيضاً ما وافقت عليه حكومة كمال الجنزوري في 23/6/2012، قبل يومين فقط من تقديم الحكومة استقالتها، في 25/6/2012، ونفس الإجراء اتبعته حكومة الدكتور هشام قنديل التي خلفت حكومة الجنزوري، بالموافقة علي نفس الإجراء بمذكرة تمت الموافقة عليها في 9/7/2012 بأن تطبق علي الوزراء الذين لم يشملهم التشكيل الوزاري، ذات القواعد، وهي حصول الوزير علي معاش كامل بغض النظر عن مدة اشتراكه في التأمينات. وفي 18/4/2013، صدر قرار جمهوري برقم 217 لسنة 2013، نص علي أن تكون المعاشات المقررة للمحافظين الذي انتهي شغلهم للمنصب العام بعد 23/6/2013، بما يعادل قيمة الفرق بين الحد الأقصي لأجري الاشتراك. أما حكومة الدكتور كمال الجنزوري التي تولت الحكم في 17 ديسمبر 2011 فقد تشكلت من 29 وزيرا منهم 13 وزيرا من حكومة «شريف» وتم تعيين 16 وزيرا جديدا واستمرت الوزارة في عملها حتي يوم 25 يونيو 2012 ثم تلتها حكومة الدكتور هشام قنديل في 24 يوليو 2012 واستمرت حتي يوليو 2013 جري خلالها تعديل علي بعض الوزراء في يناير 2013 ثم مايو 2013 وشملت الحكومة الأولي 37 وزيرا منهم 6 وزراء من حكومة الجنزوري وبذلك تكون حكومة «قنديل» استعانت ب31 وزيرا جديدا يستحقون المعاش وتم تغيير 10 وزراء في يناير 2013 ثم 9 آخرين في مايو 2013 وبذلك يصبح عدد وزراء حكومة قنديل 50 وزيرا جديدا. أما الحكومة الخامسة فقد شكلها الدكتور حازم الببلاوي في 9 يوليو 2013 واستمر عملها حتي 24 فبراير 2014 وتشلكت من 39 وزيرا منهم 9 وزراء مستمرون من حكومة «قنديل» و30 وزيرا جديدا. ثم تحولت حكومة المهندس إبراهيم محلب بعد استقالة حكومة الببلاوي وتشكلت من 33 وزيرا منهم 19 وزيرا قديما بينما تمت الاستعانة ب14 وزيرا جيدا فقط وتقدمت الحكومة باستقالتها عقب اعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في 8 يونية الماضية ليعاد تشكيلها مرة أخري وبذلك يصبح عدد الوزراء المحالي للمعاش خلال السنوات الثلاث الماضية 210 وزراء تقريبا وفقا لمذكرة الدكتور البرعي يستحقون المعاش رغم أن معظم أساتذة جامعيون أو رجال أعمال ولهم دخل آخر ومع ذلك فالدكتور مصطفي السعيد وزير الاقتصاد الأسبق يري أن معاش الوزراء لن يضر باقتصاديات دولة تقارب ميزانيتها 400 مليار جنيه مؤكدا أن هذا حق الوزير الذي قام بخدمة الدولة ومع ذلك فقد أكد أن هذا المعاش لا يمثل شيئا خاصة أن راتب الوزير في حكومة الدكتور أحمد نظيف - وفقا لكلام السعيد - كان يصل الي 30 ألف جنيه فماذا سيمثل له المعاش الآن؟ وأضاف «السعيد»: هذه القضية يجب ألا تشغلنا كثيرا فكم عدد الوزراء الذين يتقاضون معاشا من الحكومة الآن؟ وأي كان عددهم فمجموع ما يتقاضونه شهريا لن يساوي ما يتقاضاه مدير فرع في أي بنك من البنوك. وأضاف الوزير الذي يتقاضي معاشا شهريا 5 آلاف جنيه أن معاشات الوزراء لا تكلف الدولة كثيرا وكل العاملين الذين يتركون مواقعهم يحصلون علي معاش، وما يأخذه الوزراء لن يهدد اقتصاد مصر. سياسات قديمة بينما اختلف الدكتور صلاح الدسوقي أستاذ الاقتصاد ومدير المركز العربي للدراسات التنموية مع «السعيد» في الرأي مشيرا الي أن إصرار الحكومات علي منح الوزراء الذين يخرجون من التشكيل الوزاري علي معاش هو استمرار لسياسات قديمة عاشتها مصر خلال ال40 عاما الماضية والتي كانت تحرص علي تحقيق مزايا لذوي النفوذ واستمرار مثل هذه السياسات يؤكد عدم وجود رؤية حقيقة الإصلاح حالة الفساد التي تعاني منها مصر، وإقرار غير مشروع للتفاوت في دخول المواطنين. وأضاف: موقع الوزير سياسي وليس وظيفيا ومن غير المنطقي أن يحصل علي معاش وإلا سيكون من حق نواب البرلمان الحصول علي معاش أيضا كذلك فإن المعاش يحصل عليه الإنسان بموجب قانون التأمينات والمعاشات المتعلق باستقطاع جزء من راتب العامل أو الموظف ومساهمة صاحب العمل مقابل تحديد نسبة من آخر أجر تقاضاه العامل قبل خروجه الي المعاش، وهذا لا ينطبق علي الوزراء. ويري الدكتور الدسوقي أن هذا الأمر يعد إهدارا لأموال الدولة وإنفاق أموالها بلا عائد. اختفاء العدالة الاجتماعية ويري البدري فرغلي عضو مجلس الشعب الأسبق ورئيس اتحاد أصحاب المعاشات أن معاش الوزراء يعكس اختفاء العدالة الاجتماعية من التأمينات ويؤكد أن الفساد أصبح سيد الموقف فقد تقدم الدكتور البرعي بقانون لمعاش الوزراء أثناء وجوده في الوزارة بموجبه يحصل أي وزير علي معاش حتي لو قضي يوما في الوزارة ورغم أن المعاش حق لكل مواطن إلا أن منحه بهذا الشكل لعدد من المواطنين ومنعه عن الكثير يؤكد أن المعايير التي يقيم الناس علي أساسها غير موضوعية. وأضاف: جريمة العصر هي التواطؤ بين الحكومات للاستيلاء علي أموال التأمينات ويعاني الملايين لحصول علي جزء من أموالهم المهدرة في حين يحصل الكبار علي معاشات فور خروجهم من الموقع الذي يشغلونه فهذا إهدار لمبادئ تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.