عندما يستعرض المرء الجرائم الإرهابية التي ترتكبها اليوم تنظيمات إجرامية في مختلف بقاع الأرض وآخرها تلك الجريمة البشعة والمروعة التي ارتكبتها جماعة «بوكو حرام» في شمال شرق نيجيريا بخطفها 276 فتاة من طالبات المدارس في 14 أبريل الماضي وعرضهن للبيع بدعوي فرض أحكام الشريعة الإسلامية وتطبيق الحدود وإقامة دولة الخلافة وأن كل ذلك في سبيل الله، فإن عليه أن يعرف ويدرك تماماً أن من وضع بذرة هذه الفتنة وأشعلها في أرجاء العالم الإسلامي هو مؤسس جماعة الإخوان وصنمها المعبود من دون الله حسن البنا، وكاهنها الأكبر سيد قطب منذ أكثر من ثمانين عاماً، عندما قاما بتجهيل وتكفير كل المجتمعات الإسلامية المتواجدة علي سطح الأرض واستحلال حرمات شعوبها من أرواح وثروات وأعراض بدعوي أن حكامها لا يطبقون الشريعة ولا يقيمون الحدود، وأن جماعتهم فقط - وما تفرع منها من جماعات أخري - هم الذين يتعين عليهم تقويض هذه المجتمعات «الكافرة» ليقيموا علي أنقاضها ما يدعونه باطلاً بدولة الخلافة الإسلامية، وسواء من يقوم بهذه الجرائم «بوكو حرام» أو «القاعدة» أو «أنصار بيت المقدس» أو غيرهم من تنظيمات تكفيرية كثرت مسمياتها، فإن كلا يريد أن يقيم الخلافة لنفسه ولو كان الثمن المقابل مقتل ملايين المسلمين، وخراب كل المجتمعات الإسلامية واحتلالها والتحكم فيها بواسطة أعداء الإسلام، علي النحو الذي نراه في العراق والصومال وسوريا وليبيا واليمن وأفغانستان وغيرها من البلاد الإسلامية التي تمزقت بفعل هذه الفتنة التي أشعلتها جماعة الإخوان الإرهابية. من هي «بوكو حرام»؟ تعني كلمة بوكو حرام «التعليم الغربي حرام» ظهرت في عام 2002 أسسها محمد يوسف بدعوي إقامة دولة إسلامية في شمال نيجيريا عن طريق وسائل لا تعتمد علي العنف، وتمركزت عناصر هذه الجماعة في مدن بورنو ويوبي وشيبوك وجامبورو نجالا، وفي عام 2009 قُتل محمد يوسف أثناء احتجازه لدي الشرطة بعد ساعات من اعتقاله، وتولي القيادة من بعده أبوبكر شيكو الذي تعهد بالثأر لمقتل يوسف وبشن هجمات ضد الدولة. ولد شيكو في قرية شيكو بولاية يوبي في نيجيريا، ويقدر المراقبون أن عمره يتراوح بين 34 و43 عاماً وقد تلقي تعليمه في كلية ولاية بورنو لدراسات الشريعة والقانون، ولذلك أطلق عليه بعض أنصاره لقب «دار التوحيد» نسبة إلي ما يرون فيه من تبحر في العلوم الدينية، كما يجيد من اللغات الهوسا والغولاني والكانوري واللغة العربية. ومنذ وصول أبوبكر شيكو إلي قيادة الحركة، لقي أكثر من 4000 شخص حتفهم، وما يقرب من 500000 آخرين شردوا عن ديارهم، كما دمرت مئات المدارس والمباني الحكومية في المناطق التي تنتشر فيها بشمال شرق نيجيريا. وفي عام 2013 أعلن الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان حالة الطوارئ في ثلاث ولايات نيجيرية، وشنت قوات الجيش النيجيري عدة هجمات ضد مواقع جماعة بوكو حرام، إلا أن الهجمات العسكرية لم تظهر فعالية أمام تكتيكات حرب العصابات التي تخوضها بوكو حرام. عملية الاختطاف وردود الأفعال الدولية وفي مايو 2014 تصدر أبوبكر شيكو عناوين الصحف ووسائل الإعلام إثر قيام جماعته «بوكو حرام» بقتل 300 شخص تقريباً في بلدة جامبورو نجالا في آخر هجوم شنته أعقبه تهديدات صدرت من الجماعة أخيراً ببيع 276 فتاة تم خطفهن من مدرسة في بلدة شيبوك شمال البلاد، الأمر الذي أثار غضباً عالمياً، وعرضت كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا المساعدة علي الحكومة النيجيرية للبحث عن الفتيات وإنقاذهن، كما عرضت الحكومة الأمريكية مكافأة قيمتها سبعة ملايين دولار للحصول علي معلومات تؤدي إلي اعتقال أبوبكر شيكو زعيم بوكو حرام، التي تثير الرعب في نيجيريا، كما أعلنت الدولتان ومعهما فرنسا عن إرسال فرق خبراء إلي نيجيريا، كذلك وعدت الصين بتوفير أي معلومات مفيدة ترصدها أقمارها الصناعية وأجهزتها الاستخباراتية إلي نيجيريا، وقد عرضت الشرطة النيجيرية من جانبها في 7 مايو الماضي 300000 دولار أمريكي مقابل معلومات تؤدي إلي إنقاذ الفتيات، وقد أرسلت بريطانيا فعلاً فريقاً من القوات الخاصة الجوية تمركز في أبوجا للمساهمة في مهمة الإنقاذ. وقد استهدف الهجوم الأخير لجماعة بوكو حرام بلدة جامبورو نجالا علي حدود الكاميرون، حيث هدم المسلحون المساكن وأطلقوا النار عشوائياً علي السكان أثناء فرارهم مما تسبب في مقتل 300 شخص طبقاً لتقديرات المسئول المحلي أحمد زانا نقلاً عن شهادات السكان، وأكد أن البلدة تركت بلا حماية لأن الجنود المتمركزين فيها أعيد نشرهم في الشمال قرب بحيرة تشاد في إطار الجهود لإنقاذ الفتيات المخطوفات، وتلقي رد نيجيريا علي الخطف انتقادات واسعة من ناشطين وأهالي الرهائن الذين أكدوا أن أعمال البحث التي سينفذها الجيش بلا جدوي حتي الساعة. وكان أبوبكر شيكو زعيم بوكو حرام قد نشر شريط فيديو قال فيه: «لقد أسرت فتياتكم، وسأبيعهن في السوق وفق شرع الله»، وأضاف: «هناك سوق لبيع البشر، ويقول الله إنه يتوجب علي بيعهن وقد أمرني الله ببيعهن، سأبيع الفتيات.. سأبيع الفتيات».. ثم أردف: «التعليم الغربي خطيئة، وأن الفتيات عليهن أن يتزوجن قسراً وليس الذهاب إلي المدرسة حسب تعاليم الإسلام»، أما المطالب التي تزعمها بوكو حرام بعد قتل المدنيين وخطف الفتيات وبيعهن - وفق شرع الله حسب زعمهم - فهي إقامة خلافة إسلامية! ومن المعروف أن جماعة بوكو حرام ذات صلة بتنظيم القاعدة الإرهابي تزعم أن ما تمارسه من أعمال إرهابية إنما بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل أكثر صرامة في دول أفريقيا، الأكثر اكتظاظاً بالسكان التي تنقسم ما بين أغلبية مسلمة في الشمال، وجنوب يقطنه مسيحيون في الغالب، ومن أجل هدف فرض أحكام الشريعة، قام أنصار هذه الجماعة الإرهابية بعد التغلب علي حراس الأمن في مدرسة الفتيات في شيبوك، بإجبار الفتيات علي مغادرة الفراش وأودعوهن في شاحنات، ونقلهن إلي أماكن غير معلومة، كما جرت عملية خطف ثانية كان ضحاياها 11 فتاة بين 12 و15 عاماً في 4 مايو الماضي، من بلدة جووزا وهي قريبة من شيبوك وقاعدة بوكو حرام، في يورنو، وحسب ما ذكرته بعض التقارير فقد لقيت اثنتان من الفتيات حتفهما جراء تعرضهما للدغات الأفاعي، كما أن 20 منهن يعانين أمراضاً حرجة، وتلاحظ أن الرئيس النيجيري استغرق ثلاثة أسابيع للبدء في جهود إنقاذ الفتيات. وكانت الحكومة النيجيرية قد تعرضت لانتقادات حادة بسبب ضعف وتأخر تعاملها مع الأزمة رغم تبليغها بمعلومات مبكرة عن توقع عملية الخطف، فقد ذكرت منظمة العفو الدولية في بيان لها أن شهادات قاسية جمعتها تكشف أن قوت الأمن النيجيرية لم تتحرك علي إثر تحذيرات تلقتها بشأن هجوم مسلح محتمل لبوكو حرام ضد المدرسة الداخلية الحكومية في شيبوك الذي أدي إلي عملية الخطف هذه. وأكدت المنظمة في بيانها أن المقر العام للجيش في مايدوجوري تبلغ بهجوم وشيك بعد الساعة 1900 في 14 أبريل أي قبل الهجوم بنحو أربع ساعات، لكن الجيش لم يتمكن من جمع القوات الضرورية لوقف هذا الهجوم بسبب ضعف إمكاناته، وخشية مواجهة مجموعات مسلحة إسلامية أفضل تجهيزاً، وقد تمكن المهاجمون بالفعل من تخطي ال 17 جندياً المتمركزين في شيبوك والذين اضطروا للقتال وهم ينسحبون، كما اعترف الجنرال أولوكو لادي في بيان له أن القوات المتمركزة في مايدوجوري قد وقعت في كمين نصبه الإرهابيون علي الطريق المؤدي إلي شيبوك الواقعة علي بعد 120 كم من مايدوجوري، وفي بيان آخر للجيش النيجيري أن فرقتين تابعتين له قد تمركزتا في المناطق الحدودية مع تشادوالكاميرون والنيجر للتعاون مع أجهزة الأمن خشية أن تكون بوكو حرام قد نقلت الرهائن إلي أي من هذه الدول، لبيعهن في إحداها، وإن كان الرئيس جوناثان قد أعرب عن اعتقاده بأن الفتيات لازلن في نيجيريا ولم ينقلن خارجها، وأن المهاجمين يتمركزون في منطقة سامبيسا في ولاية بورنو معقل بوكو حرام. وكان الرئيس النيجيري جوناثان قد أكد في كلمته أمام المنتدي الاقتصادي لأفريقيا أن عملية الخطف هذه تشكل بداية النهاية للإرهاب ونيجيريا، ومن جانبه كشف جوردون بروان موفد الأممالمتحدة في هذا المنتدي عن مشروع يهدف لتحسين الأمن في المدارس النيجيرية، بهدف منع تكرار عمليات خطف تلميذات المدارس، وقد قدم القادة الاقتصاديون في البلد مساهمة أساسية قدرها 10 ملايين دولار لهذا المشروع الذي سيجري اختباره أولاً في 500 مدرسة في شمال نيجيريا، حيث تعيث فساداً جماعة بوكو حرام، والفتيات محرومات من التعليم والأهالي يعيشون في خوف علي بناتهن، ورأي «براون» أن مشروع مدرسة آمنة يهدف بالدرجة الأولي إلي تحديد المدارس المعرضة للمخاطر، ويشمل إشراك المجتمعات المحلية وأجهزة الأمن والأطفال أنفسهم، كما ينص المشروع علي نشر حراس أمن وشرطة إضافة إلي إجراءات للرد علي التهديدات والهجمات المحتملة الحالية علي المؤسسات المدرسية. ومن جانبه أدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عملية خطف الفتيات وطالب بسرعة إطلاق سراحهن مهدداً باتخاذ إجراء ضد هؤلاء المتشددين، وهو ما يعني إدراج جماعة بوكو حرام في القائمة السوداء وفرض عقوبات علي أعضائها. وبينما أدانت الدول الغربية هذا العمل الإرهابي بحق طالبات المدارس النيجيريات، نجد للأسف في العالم الإسلامي من يلتزم الصمت وذلك في وقت يتساءل فيه كل من في البلدان الغربية حول السبب أو الدافع الذي يلجأ من أجله المسلمون الى هذا المستوي المرتفع من العنف والإرهاب؟.. ويكيلون بالتالي الاتهامات الى دين الله بأنه «دين العنف والإرهاب»، وهكذا يرسم هؤلاء الإرهابيون بأيديهم من خلال تلك الأعمال الارهابية صورة زائفة ومروعة عن الاسلام في عيون وعقول الاشخاص في الغرب والشرق علي السواء، في حين أن الاسلام برئ تماما من كل هذه الاتهامات الباطلة التي يتسبب فيها جهلاء إرهابيون لا يفهمون شيئاً في الاسلام، الذي هو في جوهره دين الرحمة والسماحة والعلم والحرية، بل ويحث الآباء والامهات على تقديم فرص متكافئة لأبنائهم من الجنسين، من أجل الحصول على التعليم، فضلاً عن تحريم الإسلام لتجارة الرقيق. رؤية تحليلية إن ما ارتكبته جماعة «بوكو حرام» النيجيرية من جريمة إرهابية تمثلت في خطف اكثر من 200 فتاة واعلان بيعهن في اسواق النخاسة في البلدان الافريقية المجاورة، ليس استثناء في سلوك هذه الجماعات الارهابية المتطرفة دينيا، وترتكب جرائم مشابهة بل أبشع من ذلك بتعمدها قتل وصلب وسحل المسلمين الذين يعارضونهم أو حتى لا ينضموا الهيم، وهو ما تفعله التنظيمات المتفرعة عن القاعدة مثل «داعش» في العراق وسوريا، وأنصار بيت القدس في سيناء وعدد من المدن المصرية، فضلاً عن عمليات التخريب في الأهداف الاستراتيجية والممتلكات العامة والخاصة بزعم هدم الدول الكافرة وإقامة حكم دولة الخلافة، وقد ثبت أن كل هذه الجماعات ما هى إلا افرع وأذرع عسكرية لجماعة الاخوان الارهابية. وقد يكون سهلاً أن نكتفي بإدانة جماعة «بوكو حرام» لكونها بعيدة عنا جغرافياً ولا تأثير لها على منطقتنا، ولكن المشكلة أخطر من ذلك لأن ما ارتكبته وترتكبه هذه الجماعة من جرائم باسم الدين وتتاجر به لأهداف سلطوية، هو نفس المشكلة التي تعاني منها كل دولة عربية او اسلامية نُكتب في ابنائها الذين تم تلويث عقولهم بمفاهيم باطلة عن الاسلام، ثم زرعها في المساجد والزوايا والمعاهد بواسطة كوادر جماعة الاخوان وما تفرع عنها بعد ذلك من جماعات أخرى متأسلمة تنعق ليل نهار بشعارات تطبيق الحدود، وإقامة الشريعة، وإحياء دولة الخلافة، وتغيير المنكر باليد ليكون المسلم أقوى الشبان، والحكم بما أنزل الله.. إلى غير ذلك من كلمات حق يراد بها باطل، الهدف من ترويجها على ألسنة الشباب المخدوع في قادة هذه الجماعات المتطرفة ان يحولوهم الى أدوات ومعاول هدم وتدمير في المجتمعات الاسلامية، وإشاعة الفتنة في ربوعها، وبما يمكن قادة هذه الجماعات من السيطرة على السلطة والقفز الى الحكم. وبموجب مبدأ السمع والطاعة الذي زرعه قادة الاخوان قديما وحديثا في نفوس أتباعهم ثم إلغاء ملكة التفكير في عقولهم، فامتنعوا عن إعمال عقولهم فيما يعرضه عليهم قادتهم عن افكار ومبادئ هدامة لا تمت للاسلام بصلة، وعلى العكس من كل ما أمر به الله تعالى في الكثير من آيات القرآن الكريم حول التعقل والتدبر والتفكير.. منها قوله تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها» وكان من نتيجة إلغاء عقولهم أن تحولوا إلى دواب لا تعي ولا تسمع ولا تبصر عواقب ما ترتكبه من جرائم في حق المسلمين، لذلك وصفهم المولى عز وجل بشر الدواب في قوله تعالى: «إن شر الدواب الصم البكم الذين لا يعقلون»، فصاروا يصدقون كل ما يمليه عليهم شيوخهم وزعماؤهم من أفكار هدامة، وانساقوا وراءهم، حتى أصبحوا يرتكبون بأوامرهم جرائم بشعة ومخزية كالتي ارتكبتها «بوكو حرام» في نيجيريا أخيراً. وليت المصيبة وقفت عند هذا الحد، بل نجدها للأسف تمتد إلى من يطلقون على أنفسهم النخب السياسية والاجتماعية يبحثون لهؤلاء المجرمين عن مبررات، ويلتمسون لهم في وسائل الإعلام الأعذار بأنهم شباب ممزق نتيجة ما يعانونه من كبت للحريات وافتقاد الديمقراطية وانعدام الأسوة والقدوة الحسنة في القيادات الحاكمة.. إلى غير ذلك من أعذار وتبريرات تؤدي في النهاية إلى انتصارهم للعنف والطائفية والتمزق الاجتماعي بل انهيار المجتمعات على النحو الذي نراه من حولنا على كل الساحة الشرق أوسطية. والمشكلة في الحقيقة لا تبدأ من حيث انتهى هؤلاء في نيجيريا، بل من حيث ابتدأوا، فهؤلاء الذين جمعوا السلاح والمسلحين في غزة وأرسلوهم الى سيناء وباقي محافظات مصر، وأيضاً في ليبيا فيما يسمى «بجيش مصر الحر» يريدون أن يقتحموا علينا بهم حدودنا الغربية ليقيموا ما يطلقون عليه «دولة ليبيا مصر الإسلامية» «دالم»، وفي معسكرات تدريب أخري في السودان استعداداً لاقتحام حلايب وشلاتين جنوب مصر، كل هؤلاء بما جمعوه من سلاح وتدربوا عليه ليسيحوا في محافظات مصر قتلاً وخطفاً وسحلاً وصلباً وتخريباً، لم ينتهوا إلى هذه الأفعال إلا بسبب خطاب تمدد على أساس أنه الإسلام الطاهر النقي، والعودة إلى مفاهيم العصر الذهبي في الإسلام، لا بقيمه الحميدة ومكارم أخلاقه المحمدية بل بشروط سياسية ومنهج حروب بين بلاد الكفر والإسلام، ووفق قانون أن الحق للغلبة والقوة، وحين تمتلك خطاباً يظن نفسه الحق الكامل، فعليك أن تنتصر له بالقوة، وحين تمتلك السلاح فعليك أن تترجمه بالقتل والخطف والتدمير، مطمئنا من شيوخك وأمرائك أن ذلك هو شرع الله! وهنا يفرض السؤال نفسه: أين كانت الحكومة وأجهزة التوعية في الدولة.. من سياسية وتعليمية وإعلامية وثقافية ودينية حين كان قادة وكوادر التنظيمات الدينية المتطرفة يغزون عقول شباب مصر وأطفالها منذ الصغر بالمفاهيم الدينية الباطلة، وحين كانوا يخدرونهم بهذه الحكايات والمسرحيات الوهمية؟.. وحين كانوا ينومونهم مغناطيسيا كما كان يفعل حسن الصباح قائد فرقة الحشاشين في العصر العباسي وهو يخدر أتباعه بنبتة الحشيش، ويجعله يفيق بين فتيات في الحرملك ويعيش بينهن باعتبارهن الحور العين في جنة الخلد، فيذهب في اليوم التالي حاملاً خنجراً بجسارة شديدة لينفذ أمر سيده بقتل من يريد من أعدائه.. لذلك لا يمكن أن نصف هؤلاء بأنهم مرتزقة، بل هم للأسف أصحاب عقيدة جامدة تراكمت أخطاؤها حتى سدت منافذ الحياة، فصارت تطلب الموت لنا ولهم، لذلك يمكن القول بأمانة كاملة إن الخطاب الأيديولوجي الصادر من قادة وشيوخ هذه الجماعات هو الأخطر من حمل السلاح، والدليل على ذلك أن أي محاولة تجري اليوم لتفكيك الخطاب الأيديولوجي الإخواني تقابل بذعر ومقاومة أحياناً، ويغضب أحياناً أخري لأن من ينتقدهم هو عدو للإسلام، وكأن المسلمين لا يخطئون ولهذا فإن من يهاجم هؤلاء الإرهابيين كأنه يهاجم الدين. وفي النهاية يبرز السؤال المهم: كيف يمكن أن نفصل الإسلام كشريعة سمحاء سامية القيم رفيعة الأخلاق عن المتأسلمين المتنطعين المتطرفين المتاجرين بالدين والدم من أجل السلطة والحكم؟.. الإجابة عن ذلك تتمثل في ضرورة التوعية بحقيقة الإسلام وجوهره البعيد تماماً عن دعوات هؤلاء المتخرصين وإثبات أنهم أعدى اعداء الاسلام لأنهم يضربونه من الداخل، وهذا هو السبيل الوحيد لإيقاف ماكينات تفريخ إرهابيين جدد والتي لا تزال مستمرة منذ أكثر من ثمانين عاماً في غيبة نوعية حقيقية بالإسلام، وأنه دين الرحمة وليس دين القتل والدم والتخريب.