استيقظ من نومه يتضور عطشاً.. وبينما يفتح «الصنبور» بحثاً عن قطرات ماء ترويه، إذ بجاره قد نهض من نومه ليقود « أغنامه» التي بدأت تنشد في اللحظة ذاتها «ماااااااااااااااااااااء»!. الصنبور يقطر ماء مثل جهاز «جولوكوز» يخترق الوريد.. يضرب الشاب فوهة الصنبور بقوة ليكتشف أن «ماء» حاضرة في تلك اللحظة مع صوت أغنام جاره فقط!.. يهرول الشاب إلى الشارع.. ليجد ينبوع ماء عذب قد تسرب من «العمومي» ليروى أرضاً تحولت إلى مستنقع.. ثوان من الصمت أراد معها الشاب أن يستجمع بها قوته وقواه.. على بعد أمتار معدودات يختطف عمود إنارة «عار من الكسوة» نظراته التائهة.. العمود الذي تداعب أسلاكه مياه عذبة في قارعة الطريق يقف شامخاً مضيئاً يسقي ضياء الصباح.. ولا يزال التسريب مستمراً!.. خطوات لا تبتعد كثيراً عن «العمود العاري» - الأقرب إلى محوّل كهربائي ينتظر روح إنسان - كانت «بالوعة» الصرف الصحي هي الأخرى «عارية من الصحة».. تفضح مستوراً طالما حرص الشاب على أن يبقى سراً.. ولا يزال التسريب مستمراً!. حافلة نقل عام تقطع نظراته وتضطره لأن يغلق عينيه في مواجهة دخاناً بلون الظلام يتسرب من بين أقدام السائق الذي يتصّبب عرقاً.. ولا يزال التسريب مستمراً!. يجلس الشاب أرضاً متأملاً في ملامح سيدة عجوز حضرت للتو إلى الرصيف المقابل – أو هكذا تخيله الشاب - لكي تبيع ما لذّ وطاب من الخضراوات على جانب الطريق الذي يشهد عمليات إصلاح وترميم منذ ما يقارب العام ونصف العام.. المخلفات تغزو المكان، بينما تخاطب لافتة حكومية مصنوعة من أخشاب حكومية متهالكة جمهور المنطقة بعبارة «حافظوا على نظافة منطقتكم».. ولا يزال التسريب مستمراً!.. وسط زحام الصباح يتسرب شاباً لم يكمل العقد الثالث من عمره صوب السيدة العجوز، لتتسرب يده إلى سيدات يقفن في حضرتها.. يضربن الشاب على طريقة «شجرة الدر» دون أن تفكّر أي منهن في إيفاده لأقرب قسم تربية وتهذيب!.. ولا يزال التسريب مستمرا!. آخر الشارع - نفس الشارع - مدرسة ثانوية يهتف طلبتها في طابور الصباح «تحيا جمهورية مصر العربية».. يقف مديرها شامخاً يغرس في نفوس ما تبقى من طلبته قائمة طويلة من المحرّمات والممنوعات، متوعّداً من يخالف التعليمات بأشد العقاب.. الطلبة الذين تسرّب الكثير منهم استعدادا لامتحان السنة النهائية بعد 90 يوماً.. ليبدأوا المراجعة النهائية المدعومة من مراكز متخصصة وإعلاماً رسمياً ومستقلاً يفتخر بشعار «معنا.. امتحانك في ليلة الامتحان بين يديك».. ولا يزال التسريب مستمراً!.. معاليه يجلس في غرفته المكيفة يلوم العطشى والمرضى والمتسرّبين من الحياة بينما موظفوه قد تسربوا من بين يديه وهو في كامل قواه الجسدية والعقلية لإنجاز أعمالهم الخاصة.. ومن بقى منهم يطلب «الترضية» أحياناً، و«الفطور» في أحيان أخرى، و«الحلاوة» من سيدة عجوز فهمت أخيراً بعد أسبوع كامل من زيارة مركز خدمة المواطنين أن عبارة « فوت علينا بكره يا سيد» ما هي إلا سياسة تسريب منظمة من «سيد».. ولا يزال التسريب مستمراً!. إن تسريب «الأحاديث الخاصة».. تسريب «الامتحانات».. تسريب «الأخلاق».. تسريب «المستقبل».. تسريب «الأمل».. تسريب «العفّة»، مسئولية أولئك الصامتين عن تسريب الموارد.. تسريب «الفشل الإداري».. تسريب «الموظفين».. تسريب «التحرش».. تسريب «جماعات المصالح».. تسريب «الرعونة في تنفيذ الخطط والمشروعات». خمن!.. ما هو مشهد النهاية في فكرة الفيلم الواقعي الذي يتمنى الشاب تنفيذه تحت عنوان «تسريب»؟!.. وهل نمتلك القدرة على التنفيذ والإنجاز تحت شعار «مع وقف التسريب»؟!.