أدى المشير عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية (الأحد 8 يونيو الحالي) ليتسلم مهام منصبه كرئيس لجمهورية مصر العربية، وبذلك يكون رئيساً سابعاً، وفي عهده تتم أول عملية تسلم وتسليم للسلطة في التاريخ المصري. لقد تمت مراسم التسليم وسط حضور رسمي عربي وإفريقي رفيع المستوى، في حين توارى التمثيل الغربي، رغم أنه فاز في الانتخابات بما يقارب نسبة 97% من أصوات الناخبين، لكن الدول الغربية ومثلما أعلنت في حينه اعتبرت ما قام به (انقلاباً على الشرعية!) وهي كانت تفضل استمرار الإخوان في حكم مصر . لقد حرص السيسي في خطابه الأول بعد تسلمه الرسمي لمنصبه على طمأنة كل المصريين والأمة العربية والعالم على حرصه الشديد على مستقبل مصر، ومما جاء في الخطاب: "إنني أعتزم أن تشهد مرحلة البناء المقبلة بمشيئة الله تعالى نهوضاً شاملاً على المستويين الداخلي والخارجي لنعوض ما فاتنا ونصوب أخطاء الماضي . سنؤسس لمصر المستقبل دولة قوية محقة عاملة سالمة آمنة مزدهرة تنعم بالرخاء، تؤمن بالعلم والعمل وتدرك أن خيراتها يتعين أن تكون من أبنائها ولأ بنائها" . وأكد الرئيس المنتخب احترامه لما جاء في خريطة الطريق قائلاً "سنمضي قدماً حتى تحقيق وتنفيذ الاستحقاق الانتخابي الثالث لخريطة الطريق"، مستطرداً: أعاهد الشعب المصري على أن تحترم السلطة التنفيذية دستور البلاد . وأكد السيسي أنه رئيس لكل المصريين ولا يفرق بين مواطن وآخر ولن يقوم بإقصاء أحد، متعهداً باحترام الدستور والقانون واحترام كل المصريين . وأكد الرئيس الجديد دور مصر العربي والإقليمي والدولي . يحظى السيسي بشعبية واسعة لا ينازعه فيها أي سياسي منذ ثورة العام 2011 التي أطاحت حسني مبارك، ويرى فيه أغلبية المصريين المنقذ والمخلص ورجل المستقبل . إن أبرز دلالات انتخاب السيسي تتلخص فيما يلي: * أولاً: رفض أغلبية الشعب المصري القاطع لحكم الإخوان المسلمين، الذين فاقموا خلال حكمهم الذي امتد عاماً واحداً من أزمات مصر المتعددة، وحاولوا أخونة الدولة، وسيطروا على كل المناصب الرسمية وأقصوا القوى السياسية الأخرى لمصلحة المشروع العالمي لجماعة الإخوان المسلمين . بعد إقصائهم شجع الإخوان الفصائل الإسلامية المتطرفة الأصولية الأخرى على الإرهاب، وقاموا بعمليات قتل واسعة استهدفت رجال الجيش والشرطة ومسؤولين مصريين، ووفقاً للإحصاءات قتل أكثر من 500 من رجال الشرطة في هجمات تبنت "جماعة أنصار بيت المقدس" مسؤولية معظمها . الإخوان المسلمون نسجوا خيوط التحالف مع الولاياتالمتحدة ومعظم الدول الغربية، ولذا أسفت هذه الدول لزوال حكمهم . الإخوان المسلمون يلتقون مع كل المتربصين بمصر والذين يطمحون إلى تخريبها وتمزيق نسيجها الاجتماعي وشل دورها العربي والإفريقي والعالمي . كان من الطبيعي خروج عشرات الملايين من المصريين في 30 يونيو ضد نظام الإخوان وعزل ممثلهم في قصر الاتحادية الرئيس السابق محمد مرسي، ولأن السيسي هو الذي قاد حركة الجيش التي أدت إلى التغيير في الثالث من يوليو/تموز عام 2013 ووضع خريطة الطريق، فإنه يحوز هذا التأييد العارم من غالبية الشعب المصري . * ثانياً: عانى الشعب المصري انعدام الأمن منذ ثورة العام 2011 التي أطاحت نظام مبارك واستمرت في عهد مرسي الذي تفاقمت في زمنه الأزمات ولعل من أبرزها: انخفاض ملموس في قيمة العملة المصرية وانتشار الفقر وزيادة البطالة وغلاء كل السلع بما فيها الحياتية، وازداد رجالات الإخوان الذين حلوا محل كبار الأغنياء في عهد مبارك . بعد إقصاء الإخوان انتشرت العمليات الإرهابية في مصر التي عادت إلى المعاناة من التفجيرات، ولذلك، فإن هذه النسبة العالية جداً لتأييد السيسي في الانتخابات تعكس رغبة المصريين في العودة إلى الأمن والعمل الجاد الدؤوب على حل مشكلاتهم خاصة الحياتية منها . المصريون يرون في السيسي الزعيم المؤهل لحل كافة هذه الإشكالات أو على الأقل التخفيف منها في البداية على طريق حلها . * ثالثاً: السيسي يذكر المصريين بعبدالناصر . الاثنان جاءا من المؤسسة العسكرية، كما أن بين ثورة 23 يوليو 1952 وحركة التغيير التي قام بها السيسي أشياء مشتركة، فتلك قضت على الإقطاع والعهد البائد وعلى مشروع الإخوان المسلمين في تحويل مصر إلى إقطاعية لهم وللمشروع العالمي للإخوان والسيطرة على اقتصادها وخيراتها لمصالح احتكاريي الجماعة . وهذه قضت على حكم الإخوان الذين أرادوا تحقيق الأهداف نفسها، ولكن بشكل متطور هذه المرة (وهم في الحكم) . إن الحنين الشعبي المصري للمنجزات الكبيرة والعديدة في المجالات كافة، وفي السياستين الداخلية والخارجية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يتزايد، حيث عاش المصريون عهدهم الذهبي الذي امتد إلى وصول السادات إلى الحكم وتراجعه في كافة أو معظم هذه الإنجازات، وزاد من إشكاليات الشعب المصري الحياتية وتفاقم مشكلاته وتقزيم دور مصر على الصعيدين العربي والإقريقي والعالمي بعد أن كانت في عهد عبدالناصر دولة يحسب حسابها على المستوى الدولي، وكانت قبلةً لكل الدول النامية وأحرار العالم . ما زاد من حجم هذا التأثير، الصورة التي انتشرت للسيسي طفلاً يقدم باقة زهور للرئيس الخالد عبدالناصر . * رابعاً: رغبة الشعب المصري في عودة مصر إلى دورها الطبيعي العربي والإفريقي وعلى مستوى الدول النامية وعلى المستوى العالمي، فهذه الأمور جميعاً جرى تقزيمها في عهد السادات الذي استهان بانتماء مصر للعروبة ولمصلحة الدعوات الشوفينية وجعل من مصر دولة تابعة . هذا الأمر استمر في عهد مبارك وتفاقم في عهد الإخوان، لمصلحة أخونة مصر على حساب عروبتها . المصريون يرون في السيسي الزعيم المؤهل لتحقيق النهوض بمصر . لا شك أن عهد السيسي سيشهد تقارب مصر مع روسيا ودول عدة في العالم، وفي زيارة السيسي لموسكو جرى توقيع الكثير من الاتفاقيات بين الجانبين . أما العلاقات بين مصر والدول العربية فستشهد تحسناً . هذه من أبرز دلالات انتخاب السيسي، وتظل القضية الأهم للمصريين هي تحسين الظروف المعيشية لهم وتحقيق الأمن . نقلا عن صحيفة الخليج