يواجه قطاع الطاقة تحدياً حقيقياً فى الوفاء باحتياجات التنمية، على رغم أن مصر تتمتع بتوفر خليط متنوع من المصادر الأولية للطاقة التقليدية والمتجددة، حيث إن الزيادة المضطردة فى الاستهلاك غير الكفء للطاقة المستدامة، والتوجه السابق إلى تصدير الموارد الأولية، خصوصاً الغاز الطبيعى، أدى منذ العام 2007 / 2008 إلى بدء ظهور فجوة متزايدة بين الموارد الأولية المتوفرة للاستهلاك المحلى وحجم الطلب عليها، مما أدى إلى ظهور الحاجة إلى استيراد العديد من المشتقات البترولية والبوتاجاز التى تمثل عبئاً ضخماً على موازنة الدولة. اتفقت نتائج تقديرات أجرتها جهات مختلفة بين عامى (2008/2010) على أنه من المتوقع أن تتراوح الفجوة بين 24% - 35% من حجم الطلب على الطاقة الأولية بين عامى (2022-2030)، وهو ما يمكن ألا تتوفر إمكانات تدبيره من الأسواق العالمية أو تمويله من المصادر المحليه. يواجه قطاع الطاقة المصرى تحديات متعددة في سعيه لتحقيق إسهام مؤثر في الوفاء باحتياجات التنميه الاقتصادية والاجتماعية في مصر وتحقيق استدامتها، خصوصاً في ضوء المواد 27،32،46 من الدستور المصرى التي تلزم الدولة بتحقيق الرخاء الاقتصادى من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، والالتزام بالحفاظ على الموارد الطبيعية والاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وحماية البيئة بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة، من أهم هذه التحديات، تطوير استراتيجيات وسياسات الطاقة، وتحقيق ترابطها مع الخطط الوطنية للتنمية المستدامة، والتغلب على الفجوة المتزايدة بين موارد الطاقة وحجم الطلب عليها وتأمين إمداداتها، والتحول إلى أنماط الإنتاج والاستهلاك المستدام لموارد الطاقة للحفاظ علي البيئة، ومراجعة سياسات دعم الطاقة، مع مراعاة العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل.
وفى ضوء ما تقدم فإن ضمان توفير موارد الطاقة وتأمين إمداداتها اللازمة لتحقيق نمو اقتصادى يتناسب وأهداف خطة التنمية الطموحة لمصر، يستلزم التوجه الفورى لتضمين استراتيجيات وخطط قطاع الطاقة إجراءات حاسمة للعمل على تكثيف الاعتماد على موارد الطاقة الوطنية المتاحة، وتكثيف وتطوير أنشطة التنقيب والاستكشاف، مع إعادة النظر فى الاتفاقيات لتحفيز الشركاء، وتعظيم الاستفادة الوطنية، وإعادة النظر فى تصدير أي من الموارد الوطنية للطاقة والإبقاء عليها للمشاركة فى تأمين الاحتياجات الوطنية، والتوسع في استخدام مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وتوطين تقنياتها.. وفي الموارد المائية الصغيرة ومتناهية الصغر، والتوسع فى مشروعات التحول الى الغاز الطبيعى فى القطاعات المختلفة، وبما يتناسب والموارد المتاحة. من الثابت أن تحسين كفاءة الطاقة هو أفضل الوسائل الفنية والإقتصادية للحد من الطلب عليها وتقليل الآثار البيئية لها، ويجب أن يحظى بأولوية التطبيق فى قطاعات الإنتاج والاستهلاك كافة، مع التركيز على القطاعات الأعلى استهلاكاً والأقل كفاءة حالياً (الصناعة – النقل– المنزلى)، ومن المقدر ان تطبيقات كفاءة الطاقة يمكن ان تحقق وفراً فى الاستهلاك تباينت تقديراته بين 10% فى القطاع المنزلى وما يتراوح بين (10- 25%) فى قطاعى الصناعة والنقل. وعلى ذلك فإن الأمر يتطلب اعتماد عدد من الإجراءات يأتى فى مقدمتها: 1. تبني استراتيجية وطنية لكفاءة الطاقة وترشيد الاستهلاك تستهدف توفير10% من اجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة عام2010 بحلول عام 2022، 20% بحلول عام 2027. 2. اعتماد استراتيجيات وبرامج قطاعية تتضمن الالتزام بأهداف كمية محددة لكفاءة الطاقة، إدماجها بشكل متكامل مع الاستراتيجيات الوطنية للتنمية. 3. تحديث وتطوير قواعد بيانات موثقة حول انتاج واستهلاك الطاقة فى القطاعات المختلفة، مع اعتماد مؤشرات معيارية لكفاءة الطاقة ومعدلات استخدامها لوحدة المنتج وإصدار معايير تشجيعية لذلك. 4. العمل على بناء القدرات البشرية والمؤسسية اللازمة لتوفير الكوادر والإمكانات المطلوبة لتنفيذ ما تقدم. 5. تشجيع إنشاء الصناعات المحلية، وشركات الخدمات ذات الصلة بالمجال. ومنذ الثمانينات من القرن الماضى، توجهت الحكومة المصرية إلى تنويع مصادر الطاقة، خصوصاً بدء إدخال الغاز الطبيعى إلى خليط الطاقة، تعظيم الاستفادة من المصادر المائية المتوفرة، والتخطيط لبناء عدد من المحطات النووية لإنتاج الكهرباء، فضلاً عن تطوير ونشر استخدامات مصادر الطاقة المتجددة. وقد تبنت الحكومة استراتيجية لتوفير20% من الكهرباء المنتجة من المصادر المتجددة بحلول العام 2020، حيث تم تنفيذ مشروعات ميدانية بقدرات متصاعدة، خصوصاً مزارع الرياح التى وصلت قدراتها فى العام 2010/2011 إلى 540 م.و. ويستهدف وصولها إلى 7200 م.و. بحلول عام 2020، وانتاج الكهرباء من النظم الحرارية الشمسية بقدرة 140 م.و، إضافة إلى بدء بعض القطاع الخاص بتصنيع السخانات الشمسية، وتجميع ألواح الخلايا الشمسية وتنفيذ نظمها. وعلى الرغم من ذلك إلا أن حجم انتشار تطبيقات الطاقة المتجددة مازال مقصوراً على الأهداف الإستراتيجية، الإمكانات المتوفرة لها خاصة في ضوء التطور التقني المتسارع وبدء وصول العديد من نظمها إلى حيز الاستخدام التجارى، ويقترح تبنى إستراتيجية وطنية للطاقة المتجددة لإنتاج 10% من الطاقة النهائية الإجمالية فى العام 2010 بحلول عام2022، ترتفع إلى 20% في العام 2027 وذلك من المصادر المستهلكة كافة، تتضمن الآتى: (أ) إنتاج الكهرباء بالقدرات الكبيرة، من مزارع الرياح، المحطات الشمسية الحرارية بالارتباط مع التوربينات الغازية، من محطات الخلايا الشمسية، وذلك بمشاركة من القطاع الخاص. (ب) تطبيقات الخلايا الشمسية محدودية القدرة، في المباني الحكومية والتجمعات النائية مع وضع التشريعات والمعايير التى تشجع القطاع الخاص على تبنى هذه المشروعات فى التطبيقات المختلفة. (ج) نشر السخانات الشمسية للمياه فى نسبة لا تقل عن 50% من المبانى الجديدة،20% من عمليات التسخين الصناعي مع بناء قدرات الشباب لإنشاء شركات صغيرة ومتوسطة لتصنيع وتسويق وتركيب وصيانة هذه النظم. (د) تبنى برنامج قومى لمعالجة المخلفات، وانتاج الطاقه منها في الريف والحضر: بما في ذلك إنتاج الغاز الحيوى من تطوير برامج قولبة المخلفات الزراعية ونظم معالجة المخلفات الحضرية من القمامة والصرف الصحى. يتوقف تنفيذ البرامج الهادفة كافة لنشر استخدامات نظم الطاقة الخضراء فى عمليات التنمية على إيجاد البنية المؤسسية والتشريعية الفاعلة، التنسيق على المستوى الوطنى. فضلاً عن ضرورة تشجيع البحث العلمى فى المجال وحفز المشاركة المجتمعية من خلال برامج بناء القدرات والتوعية، مع دعم الصناعة الوطنية وتشجيع القطاع الخاص على الدخول فى تنفيذ مشروعات النظم الخضراء للتنمية. ومن ذلك، تأكيد فعالية المجلس الأعلي للطاقة في وضع الاستراتيجيات والسياسات والخطط الوطنية للطاقة وادماجها في برامج التنمية الوطنية المستدامة، واعادة النظر بشكل شامل في سياسات تسعير الطاقة ومراعاة التوازن في تسعير المصادر التقليدية والمتجددة مع ايلاء الاعتبار للابعاد الاجتماعية للتنمية، واعتماد سياسات تحد من الاستخدام غير الرشيد للطاقة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وتشجع التوسع في استخدامات الطاقة المتجددة في المشروعات الجديدة، خصوصاً الصناعة، واستصلاح الأراضي، مع الالتزام بنسبة للطاقة الجديدة في كل صناعة خاصة كثيفة الاستهلاك. يجب أن تتضمن خطة التنمية برنامجاً موسعاً لرفع كفاءة الطاقة فى الصناعات التحويلية، حيث إنها هى أكبر مستهلكى الطاقة في الصناعة (12% من الاستهلاك الاجمالي للطاقة) وعلي ان يراعى البدء بالصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة وهى صناعات الحديد والصلب والدرفلة، صناعة الأسمنت وصناعة الألومنيوم، العمل على تبني مفهوم الصناعة الخضراء، ودمج اساليب الإنتاج الأنظف في صلب السياسات الصناعية، وتطوير فرص إعادة استخدام النفايات الصلبة والسائلة فى الصناعة، خصوصاً الاسمنت كوقود بديل للحرق فى الأفران، وذلك لحل مشكلة النفايات وتأمين طاقة بديلة رخيصة، تحسين إجراءات الصيانة والتشغيل والمتابعة الدورية للمعدات الحرارية والكهربائية المستخدمة لذلك، مع خلق بيئة مواتية لقيام القطاع الخاص بالاستثمار في المجال. ورفع كفاءة الطاقة فى القطاع من خلال: (أ) تحسين إدارة المرور عن طريق: (1) تطوير وتعزيز وسائل النقل الجماعى داخل المدن بما فى ذلك حافلات النقل العام، والاستمرار فى التوسع فى شبكات المترو، وتنفيذ مشروعات لمد شبكات السكك الحديدية بين المحافظات، مع التوجه لكهربتها. (2) وضع ضوابط تشريعية لتقنين امتلاك السيارات، والحد من استيراد المركبات الملوثة للبيئة، وكذلك وضع وإنفاذ قوانين صارمة للمرور على الطرق مع تخصيص حوارٍ مرورية للشاحنات. (3) إنفاذ الاشتراطات الواردة فى قانون البناء بالنسبة لإنشاء الجراجات فى جميع المبانى الجديدة.
(ب) التوسع فى استخدام الغاز الطبيعى فى المركبات: (1) تبنى برنامج قومي للتوسع فى تحويل المركبات التى تعمل بالبنزين للعمل بالغاز الطبيعى، وأن يتضمن ذلك تحويل 50% من سيارات التاكسى ،20% من سيارات الميكروباس حتى عام 2022 /2023. (2) تطوير مواصفات الوقود السائل، خصوصاً إزالة الرصاص من البنزين، وتركيب أجهزة تحكم ملائمة فى الانبعاثات. (3) اعتماد وتطوير برامج الصيانة وإعادة تأهيل والتفتيش على المركبات مع وضع معايير واضحة لحدود الانبعاثات المسموح بها. ج : النظم الخضراء فى قطاع االمباني - قطاع الإسكان هو ثالث أكبر القطاعات المستهلكة للطاقة النهائية، حيث وصل استهلاكه إلى 18.8% من إجمالى الطاقة النهائية عام 2010/2011، و42% من للكهرباء المنتجة وعلى ذلك يجب ايلاء الاعتبار للنظم الآتية: (1) العمارة الخضراء: النظر فى تضمين قوانين البناء المعايير والاشتراطات التى تسمح بنشر أساليب العمارة الخضراء للحد من الأحمال الحرارية للمبانى وتوفير الأجواء الملائمة داخلها، لخفض استهلاك الطاقة في التكييف. (2) تحسين كفاءة الإنارة: الاستمرار فى برامج نشر استخدام وحدات الإنارة عالية الكفاءة، وإصدار حوافز تشجيعية للصناعة المحلية لإنتاج ونشر استخدام هذه اللمبات لتحقيق انتشار واسع لها. (3) السخانات الشمسية للمياه: اعتماد برامج وطنية لنشر استخدام السخانات الشمسية للمياه فى مصر، مع اعتماد الحوافز التشجيعية اللازمة لدعم الصناعة المحلية فى المجال. (4) كفاءة الطاقة فى الأجهزة المنزلية: إصدار المواصفات القياسية وأساليب الاعتماد اللازمة لتشجيع نشر استخدام الأجهزة عالية الكفاءة والترويج لها، رفع الوعي العام في المجال.