اهتم الاديب الاسباني "إميليو غرسيه غومس" بنقل بعض روايات الادب العربي الشهير الى الاسبانية، فترجم "يوميات نائب في الارياف" لتوفي قالحكيم ونشرها المعهد الإسباني العربي في مدريد عام 1956، وترجم "الأيام" لطه حسين ونشرتها احدي دور النشر الخاصة باسبانيا، كما قام بعمل دراسة عن هاتين الروايتين قام بترجمتها الى العربية "الدكتور محمود علي مكي" وقد تعرض الاديب الاسباني لتوفيق الحكيم فأوضح انه من اكثر شخصيات الادب العربي الحديث غرابة وإثارة فتحدث عن حياته منذ أن كان وكيلاً للنيابة وعمله في الارياف. ثم تفرغه للاشتغال بالكتابة ومقالاته الحافلة بالفكر العميق والمليئة بالفكاهة اللطيفة السخرية اللاذعة، وقوة ملاحظته لما يشاهده على مسرح الحياة فذكر ان لديه نزعة هجائية بها الكثير من المرارة الذائبة في فكاهة ساخرة لاذعة فكتاباته كشراب الليمون الذي أحكم صنعه، فظهرت فيه المفارقة بين الحموضة والحلاوة دون ان تضيع قيمة كل من هذين الطعمين، كما ذكر ان اسلوب الحكيم على إحكامه وروعته حديث خفيف ثائر مرن، برئ من النقض ومن الزيادة، وليس به لفظة واحدة لا يتطلبها المعني، وأن جميع عباراته تتوهج فيها العبقرية والابداع، وتتلاءم مع المعاني كما ان تشبيهاته جميعا تكاد تكون مبتكرة ثم تحدث الاديب الاسباني عن رواية "يوميات نائب في الارياف" فذكر انها عبارة عن برنامج او مشروع للاصلاح الاجتماعي أو نقد للنظم والاجراءات القضائىة التي كانت سائدة في مصر. كما أنها حكايات بوليسية متنوعة وقصة غرامية لم تتم فصولها، وعرض شائق لبعض العادات والتقاليد، وان توفيق الحكيم اختار شخصية نائب في الارياف لأسباب شخصية متعلقة بحياته هو، وأنه استطاع أن يتخذ من هذه الشخصية منظاراً معظما يلاحظ من خلاله كل دقائق الحياة المصرية في الريف، فقد سجل توفيق الحكيم دور حلاقي الصحة والقابلات "المولدات" في القري حيث يقول "إن ارواح الناس لا تساوي شيئا في مصر لأن الذين يعتبرون مسئولين عن هذه الارواح لا يسألون عنها إلا في النادر" وهذا الحكم هو ما أدلى به طه حسين حين يقول في كتابه "الأيام" "بالجزء الأول من الفصل الثامن عشر" بمناسبة الحديث عن موت اخته الصغيرة إن الاطفال يتعرضون في القري والأقاليم المصرية للإهمال الشديد حيث يهمل الناس الطبيب ويلجأون الى وصفات النساء. ولكن معالجة الموضوع لدى كل من الاديبين مختلفة من وجهة نظر كل منهما على الرغم من إبداعهما الفني فطه حسين فلاح وضحية للجهد المنتشر بين الفلاحين حيث وثق والده في حلاق الصحة الذي أفقده بصره أما توفيق الحكيم فظروف حياته مختلفة فقد كان يعمل نائبا في الريف، وتدفعه ظروفه هناك الى السخرية من الحياة ومرارتها، فيومياته قصص في غاية الطرافة والامتاع ولنكتفي بالاشارة من بينها الى الفصل الأول والحديث عن القاضي البطئ والقاضي السريع، وعن تركيب قضبان السكة الحديد، وعن نقل جهاز التليفون الحكومي، والنزاع على أسطح المنازل بين زوجة القاضي وزوجة المأمور، وعن الألاعيب والحيل الانتخابية وغيرها، ثم نراه ينتقل من ذلك الى تصوير المآسي البشرية مثل زيارته لمستشفي ومشاهدة عملية جراحية، ومشاهدة استخراج جثة من قبرها، وعن ولادة تثير الرعب في النفوس، وعن تشريح جثة بشكل تقشعر له الأبدان، وتتبين مقدرة توفيق الحكيم الادبية في جمعه بين كل هذه العناصر المختلفة، ووضعها في وحدة متجانسة، وأن يحيط كل ذلك بقصص شبه غرامية وبوليسية. وهكذا كانت رواية "يوميات نائب في الارياف" من الاعمال الفنية الفريدة التي استطاع توفيق الحكيم من خلالها ان يتحرر من القيود الادبية التقليدية القديمة، وان يمزجها بتعابير شعبية تمثلت فيها أروح الفكاهة التي تنتشر بين طبقات المجتمع الدنيا أما عن كتاب "الأيام" لطه حسين فعلي الرغم من أنه شبيه في نقده للمجتمع بيوميات توفيق الحكيم إلا أنه كان يشمل نقداً لاذعاً وعميقا للاوضاع في مصر ومع انهما شبيهان فهما صوتان مختلفا النغمات أبعد الاختلاف وإن كانت تجمع بينهما "جوقة" واحدة ولحن واحد يشدو بنقد لاذع مرير لما تتعرض له البلاد من مظاهر الفساد، وهذا النقد مع شدته وقسوته فإن الالم والحزن يبدوان فيه فهما يعرضان للمفاسد بجرأة شديدة وصريحة دون تحرج، كل ذلك بهدف علاج هذه العيوب والمشاكل والتنبيه الي ضرورة اصلاحها. وهكذا كان هذان الأثران من الآثار الفنية الخالدة التي صورت مظاهر الحياة المصرية اصدق تصوير، ومع ذلك فللأسف الشديد فإن العيوب التي تحدث عنها هذان الاثران الادبيان مازال بعضها موجودا بين جنبات بعض قري وريف مصر وربما بعض مدنها.