التطرف، المصالح الاقتصادية،العمالة.. هى أضلاع المثلث المفسر لما يطلق عليه إعلاميا جماعة «بوكو حرام» ذات الطابع الأيديولوجي المناهض للتعليم الغربي ومنه اشتقت اسمها، فكلمة «بوكو» تعنى التعليم الغربي، أما حرام فهي كلمة عربية موجودة في لغة «الهوسا» وتعني الحظر وتلك الجماعة التى تعد احدى حركات الاسلام السياسى المبنى على فكر الحاكمية ذات الرؤى المتشددة بخصوص تطبيق الشريعة الإسلامية، وهى جماعة امتنعت عن الاندماج مع الأهالي المحليين، ورفضت التعليم والعلوم والثقافة الغربية. ويطلق عليها (طالبان نيجيريا)، حيث تحمل نفس التوجه، ومؤلفة من طلبة تخلوا عن الدراسة وأقاموا قاعدة لهم في قرية كاناما بولاية يوبه شمال شرقي البلاد، تلك الجماعة تنظر الى المرأة على كونها متاعاً لا يحق لها سوى تعلم فريضة الصلاة في البيت، وعدم تمكينها من الخروج إلى المدارس للحصول على التعليم. واتخذت الجماعة من حجة القوامة على المرأة وسيلة لامتلاكها من قِبل الرجل، بحجة أن حريتها من التغريب المحرم، وتبرر هجومها المسلّح على القرى الآمنة، ونهب الغنائم وخطف الطالبات من المدارس وبيعهن إلى رجال القبائل المختلفة بأنهم في حالة حرب دائمة مع حزب الشيطان ومن هذا المنطلق تتحرك، ساعية فى نيجيريا فسادا كما حدث مؤخرا ...وعلى الجانب الآخر لا نستطيع إغفال دور المصالح الاقتصادية للغرب فى الازمة الحالية، وخاصة أن دلتا نهر النيجر تمتلك ثروة نفطية هائلة، تتربع على عرشها شركة «شل» الأنجلو هولندية، إلى جانب شركات أخرى منها توتال. وتلك الشركات تستخرج النفط والغاز هناك لمصالحها الشخصية ولا أهمية لمصالح المواطن النيجيرى البسيط، لذلك لم يكن غريبا أن الخلاف بينهم كان سببا فى وقوع حرب بيافرا 1967 1970، وكانت حصيلتها، مليوني قتيل، ملايين المعاقين، مئات المدن والقرى المدمرة المحترقة المنهوبة. تلك الحرب التى نشبت في نيجيريا نتيجة التوترات الاقتصادية والعرقية والثقافية والدينية بين مختلف العرقيات الموجودة في نيجيريا. فهى تتألف من حوالي 300 مجموعة مختلفة من قبائل الهوسا في النصف الشمالي الذي تدين غالبيته بالإسلام وقبائل اليوروبا التي تسكن المناطق الجنوبية. نصفها تدين بالمسيحية، ونصفها الآخر مسلم، وقبائل الأيبو في المناطق الجنوبية الشرقية المسيحية وكانت هذه الاختلافات السبب الرئيسي لاندلاع الحرب. وإذا علمت أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تنتج 25% من الإنتاج الصناعي العالمي وتستهلك يوميا حوالي عشرين مليون برميل نفط تنتج منها فقط ثمانية ملايين وتستورد اثني عشر مليون الباقية، منها 25 في المائة من نيجيريا فهى تستورد 1.5 مليون برميل من البترول الخام النيجيري يوميا، ستتأكد أن هناك مصلحة لأمريكا للسيطرة على نيجيريا بإشعالها الحرب مستخدمة المتأسلمين والحكام الفاسدين. وهناك العديد من كتب جان زيجلر الباحث والسياسي وعالم الاجتماع بجامعتي جنيف والسوربون تتكلم عن هذا المشهد الذى يتكرر في كل مكان في إفريقيا (الكونغووالنيجرونيجيريا) فشركات النفط تدفع أموالا لهؤلاء للحكام وتفسدهم وتدعمهم. ولعل كتابه الصادر فى 2008 «La Haine de L'Occident» كره الغرب»، «يرى بوضوح ما يحدث الآن فى نيجيريا من حروب دموية مستترة، ظاهرها غير باطنها، فمن البديهي أن وجود «بوكو حرام»، يزيد كثافة الضباب الذي يحجب حقيقة وطبيعة الحرب الدموية والسرية التي تدور رحاها في دلتا النيجر، فالذى يراه الجميع بالعين المجردة هو إرهاب جماعة بوكو حرام، ولكن الحقيقة الغائبة تكمن حول آبار وأنابيب النفط والغاز. وللأسف حتى تستطيع أمريكا تنفيذ مآربها فلابد لها من عميل فى المنطقة ينفذ خطتها، وهذا أشارت إليه صحيفة «وورلد تريبيون» الأمريكية بكشفها النقاب عن قيام تركيا بتسليح جماعات معينة في نيجيريا.. وهناك تسجيلات صوتية لمكالمة هاتفية أجراها محمد كاراكاش مدير المكتب الخاص للخطوط الجوية التركية مع مصطفى وارانك مستشار رئيس الوزراء التركي والتي كشفت إرسال الاسلحة الى نيجيريا عبر طائرات الخطوط الجوية التركية (حيث قال كاراكاش خلال الاتصال الهاتفي مع وارانك: «لا نعرف من ستقتل المواد المرسلة الى نيجيريا المسلمين أو المسيحيين» وعبر عن شعوره بالذنب، فيما ذكر وارانك مستشار أردوغان أنه لا يستطيع الاتصال به نتيجة عدم لقائه بالسيد هكان حيث يقصد هنا هكان فيدان مستشار جهاز المخابرات التركي وأبلغه بأنه سيرد عليه خلال يومين بينما طلب كاراكاش من وارانك رقم هاتف ليستطيع التواصل مع السيد هكان). تلك المكالمة أعادتنى الى كتاب آخر للكاتب جان زيجلر «سادة العالم الجدد» فهو وإن كان يتكلم بصورة أكثر شمولية لما يحدث فى بلاد العالم فإننا من الممكن تطبيقه على العالم العربى والافريقى ودوله ومنها نيجيريا، لأنه يوضح كيف يدار العالم, والعمالة التى تقوم بها المنظمات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودورهما في إفقار العالم وتجويع الشعوب واستغلالها والمساهمة بفتح الطريق للشركات العملاقة متعددة الجنسيات للتمدد والسيطرة على العالم، والدور الذي تلعبه أمريكا وعملاؤها (أمثال تركيا) من تحت الطاولة، لتدمير الدول ونهب ثرواتها، لتتركز كل الثروة في يد أقل من 1% من سكان العالم، هي 200 شركة تمتلك العالم بما فيه من دول وثروات وتضطهد الشعوب والهدف النهائي تكوين حكومة عالمية وتحويل العالم إلى سوق نخاسة كبير،تلعب فيه الجماعات المتأسلمة، أمثال «بوكو حرام» دور النخاس!