محمد شومان انطلق السباق الانتخابي في مصر بين المرشحين عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي، وهو سباق غريب مقارنة بانتخابات 2012 التي اتسمت بالتنافس الشديد والتنوع والمفأجاة، بينما الانتخابات الحالية باردة وتفتقر إلى التنوع وربما التكافؤ، وقد عكست الحملات الانتخابية للمرشحين هذه السمات المحيرة، والتي تربك عملية التحول الديموقراطي وتؤكد استمرار الانقسام والاستقطاب في المجتمع. وعلى رغم عدم الكشف عن كامل استراتيجيات حملتي السيسي وصباحي وأدواتهما، إلا أن ما ظهر حتى اليوم يثير ملاحظات أولية على الحملتين، لعل أهمها: أولاً: تراجع قدرة الحملتين على التأثير في آراء الناخبين واتجاهاتهم، فمناخ الاستقطاب حدد منذ أشهر عدة اختيارات المواطنين، بالتالي تقلصت قدرات الدعاية الانتخابية والإعلام على تغيير المواقف والآراء من المرشحين، والتي توزعت على ثلاثة قطاعات تتفاوت في قوتها وتأثيرها وهي: 1- المؤيدون السيسي: يرون فيه البطل الذي أنقذ مصر من أخطار «الإخوان» والتقسيم والحرب الأهلية، والذي يجسد أيضاً الدولة والجيش، بالتالي فهو «مرشح الضرورة» لأنه الوحيد القادر على التعاون والعمل مع أجهزة الدولة لتحقيق الأمن والاستقرار وإنقاذ الاقتصاد. والمفارقة أن هذا القطاع يؤيد السيسي قبل إعلان نيته في الترشح، أو إعلان برنامجه ويضم أطيافاً اجتماعية وسياسية واسعة ومتنوعة، منهم يساريون وناصريون ورموز من نظام مبارك وليبراليون ورجال دولة ورجال مال وأعمال، والأهم قطاعات شعبية واسعة ترى فيه عبدالناصر جديد. 2- المقاطعون الانتخاباتِ ومجملَ إجراءات خريطة الطريق أو بعضها، وتتفاوت أسباب مقاطعة هذا القطاع، وتتنوع مكوناته، لأن منهم المنتمين إلى «الإخوان» أو المتعاطفين معهم، إضافة إلى بعض فئات المجتمع، خصوصاً من الشباب الذين يرفضون مناخ الانتخابات ويرون فيها مجرد مسرحية للحفاظ على الشكل وليس المضمون الديموقراطي. 3- المؤيدون صباحي: باعتباره مرشح الضرورة للقوى المدنية، والذي يجسد المعارضة ومطلب التغيير قبل 25 كانون الثاني (يناير) وبعده، ويضم هؤلاء غالبية شباب الثورة والناصريين والتيار الشعبي وعدداً من الأحزاب الليبرالية وأحزاب يسار الوسط، إضافة إلى قطاعات من الطبقات الشعبية التي يعجبها حديث صباحي عن العدالة الاجتماعية، ووضوح التزامه بالناصرية المعدلة وصدقيته. ثانياً: غلبة الطابع الرسمي على حملة السيسي مقابل غلبة الطابع الشعبي وضعف التخطيط في حملة صباحي، حيث بدت الأخيرة عفوية ومحدودة الإمكانات مع سعي دائم لتعظيم قدراتها بجهود الشباب وحرية التحرك لدى صباحي الذي تنقل في أقل من أسبوع بين خمس محافظات، وهي ميزة يفتقر إليها السيسي، والذي لا يستطيع لأسباب أمنية زيارة المحافظات وعقد مؤتمرات شعبية، لذلك ركز على عقد لقاءات مع ممثلين عن تنظيمات وأحزاب وقوى سياسية واجتماعية متنوعة في أماكن مغلقة، واللافت أن كل الأطراف المشاركة في هذه اللقاءات تتعامل مع السيسي كرئيس وليس كمرشح رئاسي، كما أن المتطوعين في حملة السيسي وأجهزة الدولة ووسائل الإعلام العام والخاص تتعامل معه بصفته الرئيس أو المرشح الفائز، وهنا تثار شكوك حول مدى حياد أجهزة الدولة والإعلام، وأعتقد أيضاً أن التعامل مع السيسي باعتباره الرئيس وليس المرشح، قد يصيب حملة السيسي بالغرور والاستخفاف بالمرشح المنافس، وهو ما قد ينعكس بالسلب على حظوظ السيسي الانتخابية. ثالثاً: إن رفض حملة السيسي الاشتراك في مناظرة علنية مع صباحي يعبر عن أحد مظاهر الاستخفاف بالمنافس، أو الخوف من تكرار الآثار والتداعيات السلبية للمناظرة الشهيرة في انتخابات 2012 بين عمرو موسى وأبو الفتوح، والتي أثرت سلباً في المرشحين نتيجة سوء تنظيمها، وربما نتيجة عدم تعود الرأي العام على هذا الشكل من النقاش والذي يتضمن هجوماً على الخصم قد لا يتناسب ورؤية المصريين الرئيسَ الفرعون، والمدهش أن حملة صباحي تطالب بإلحاح بتنظيم مناظرة من جولتين بينما ترفض حملة السيسي ربما لأنها تثق إلى حد الغرور في النصر، وربما لأنها تخشى من الآثار السلبية للمناظرة على صورة السيسي الذي تتعامل معه باعتباره الرئيس وليس المرشح، وهنا يلاحظ حرص الحملة على عدم ظهور السيسي في بث مباشر على شاشات التلفزة، حيث يجري تسجيل كل لقاءاته وحواراته الإعلامية وبثها بعد حذف بعض اللقطات والتصريحات (إجراء مونتاج) ما يفقد تلك اللقاءات التلقائية المطلوبة ويؤكد الطابع الرسمي للحملة. رابعاً: تواجه حملتا السيسي وصباحي مشكلات مختلفة مع أنصارهما، حيث تعاني الأولى: 1- فائض التبرعات والمتطوعين وغالبيتهم من الطامعين في مناصب بعد فوز السيسي. 2- كثرة رموز نظام مبارك الراغبين في الالتحاق بها أو دعمها، فقيادات الحزب الوطني في الريف وبعض العسكريين المتقاعدين نظموا حملات موزاية لدعم السيسي، لا تخضع غالبيتها لتوجيهات الحملة المركزية، ما يثير مخاوف من عودة النظام القديم. 3- إعلان بعض أشد المتحمسين للسيسي العداء لثورة 25 كانون الثاني باعتبارها مؤامرة خارجية، وهو ما يختلف ومواقف معلنة للسيسي ويؤثر بالسلب في شعبيته لدى قطاعات واسعة من الشباب. أما حملة صباحي، فإنها تعاني نقص الموارد المالية، والتحاق بعض الجماعات والتنظيمات اليسارية التي تتبنى شعارات معادية للجيش والشرطة وتطالب بمحاكمة المسؤولين عن قتلى الثورة والمتظاهرين، علاوة على إعادة توزيع الثروة، ما يثير مخاوف شرائح من الطبقة الوسطى التي تتعاطف مع صباحي. خامساً: أعلنت حملة صباحي برنامج مرشحها قبل الموعد المقرر لبدء الدعاية الانتخابية، ما عرضها لمساءلة لجنة الانتخابات، ومع ذلك فقد أحرزت السبق على حملة السيسي التي لم تعلن برنامج مرشحها حتى اليوم، كما لم تطرح رؤية واضحة لعلاج مشكلات مصر الاقتصادية والاجتماعية، وإنما رفعت شعارات عامة وخطاباً أخلاقياً وعاطفياً عن حب الوطن وضرورة العمل والإنتاج وتحقيق الأمن والاستقرار، وهي أهداف ومعانٍ تكررت في حوارات السيسي مع الإعلاميين وممثلي الفئات الاجتماعية. ويبدو أن السيسي يستند إلى رصيد معاركه ضد «الإخوان» وثقة الشعب أكثر من امتلاكه رؤية أو برنامجاً، كما يمتلك أيضاً أسلوباً خطابياً عاطفياً يعتمد على مفردات دينية وأخلاقية قادر على احتواء مشاعر كثير من المصريين ومنحهم الأمل والثقة في المستقبل. القصد أن الثقة في السيسي الشخص وممثل الجيش والدولة هم أكثر أهمية من البرامج والرؤى، أو الوسائل والأدوات اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار وإنقاذ الاقتصاد. سادساً: نظراً إلى ضيق الوقت بين استقالة السيسي من منصبه كوزير دفاع وترشحه، فإن حملته كثفت من ظهوره الإعلامي حتى يتعرف الناخبين إلى حياته وأفكاره كمرشح رئاسي، وربما جاء هذا التكثيف أيضاً كتعويض عن عدم قدرة السيسي لأسباب أمنية عن زيارة عواصمالمحافظات وعقد مؤتمرات جماهيرية، لكن الإشكالية أن تكثيف الظهور الإعلامي جاء في شكل مبالغ فيه وينطوي على تحيز قنوات التلفزة الخاصة لمصلحته، حيث خصصت له ساعات طويله لبث حواراته ولقاءاته، بينما لم تمنح صباحي ساعات مماثلة، ولا شك في أن هذا التحيز قد يأتي بآثار سلبية على شعبية السيسي وصورته الإعلامية. والحقيقة أن زيادة فرص الظهور الإعلامي للسيسي، وكذلك تزاحم النقابات والأحزاب وفاعليات والمجتمع المدني على حضور لقاءات السيسي يفضح تحيز الدولة وهياكل المجتمع لمصلحته ويحول الانتخابات إلى ما يشبه الاستفتاء، والأخطر أن هذا التزاحم يعيد صناعة الفرعون أو الرئيس الذي لا يقبل المساءلة، وتجدر الإشارة إلى أن السيسي كان رافضاً الترشح، وأن ضغوطاً شعبية ورسمية دفعته لتغيير موقفه. الملاحظات السابقة قد تساعد على تغيير أداء الحملتين وتطويرهما للأفضل، لا سيما أن السباق في بدايته وهناك دائماً حاجة لقياس الآثار المتوقعة وغير المتوقعة وردود أفعال الناخبين، والمفارقة أن استطلاعات الرأي العام لا تزال وليدة، وتعتمد على مصادر تمويل أجنبية أو مجهولة، وتستخدم الهاتف وعينات قومية قديمة ما يؤثر في دقتها وموضوعيتها، لأن الثقافة السياسية للمصريين لا تشجع على الإجابة عن أسئلة الاستطلاعات بحرية عبر الهاتف، من هنا فشلت استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة في توقع النتائج الصحيحة، وأظن أن هذا الفشل يقلص من ثقة حملتي السيسي وصباحي في الاعتماد على نتائج استطلاعات الرأي العام وتوقعاتها، وبالتالي يظل السؤال: ما هي البدائل المتاحة أمام كل حملة كي تقوم أداءها وتصحح منه؟ نقلا عن صحيفة الحياة