حكمة مصرية، عميقة فى معناها فصيحة فى دلالتها، تقول: «من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه».. لقد قفزت هذه المقولة البليغة إلى ذهنى، وأنا أتابع تعليقات وردود الفعل غير العادلة وغير المنطقية التى جاءت من الإدارة الأمريكية وبعض الدول الغربية وكثير من المنظمات المسماه بالحقوقية، تجاه الأحكام القضائية التى صدرت مؤخراً، وكان من أبرزها تلك الأحكام التى قضت بمعاقبة المجرمين المتهمين بارتكاب جرائم القتل والإرهاب بالمنيا، بالإعدام والسجن المشدد.. ورغم يقينى بأن كل تلك التعليقات المتدنية وردود الفعل المغرضة، لا تقوم على أى باعث أخلاقى أو سند منطقى، وأنها لا تستهدف إلا النيل من مصر واستقرارها، وأنها بالتالى لا تستأهل الرد عليها إلا بالسباب واللعنات، إلا أننى أعرض بعض النقاط المختصره لتوضيح الصورة لعامة المصريين، حتى لا يلتبس عليهم الأمر فى خضم ما يُروج له من تعليقات وأكاذيب قد يكون ظاهرها الرحمة ولكنها هى العذاب بعينه، هذه النقاط هى: (1) إن المتهمين فى تلك القضايا سواء من تم ضبطهم أو الهاربين منهم، لم يُحاكموا على انتماء سياسي أو مذهب دينى، وإنما حوكموا على جرائم جنائية اقترفوها عن عمد وإصرار وبوعى وإدراك تام بها، وكان الدليل عليها شاخصاً واضحاً جلياً للعامة قبل هيئة المحكمة.. كما أن الحكم عليهم بالعقوبات المقررة للجرائم الإرهابية، لم يكن لانتماء أغلبهم لجماعة وصفتها الحكومة بالإرهابية، ولكن كان لانطباق تعريف الإرهاب الوارد بالمادة 86 من قانون العقوبات، على الوقائع المادية التى ارتكبوها، وشكلت فى حد ذاتها جرائم إرهابية بحسب نصوص القانون. (2) إن عدد المتهمين فى القضايا الجنائية بصفة عامة، لا يحده سقف ولا يتوقف على ظرف، فكل من ساهم فى العمل الإجرامى صار متهماً، ولذلك فمن المتصور أن تكون جريمة قتل والجانى فيها واحد، وتكون جريمة سرقة عادية والجناة فيها عديدون، وبالنظر إلى الجرائم الإرهابية التى تم ضبطها، نجد أنها استهدفت قتل وترويع المواطنين وتدمير وتخريب المنشآت العامة والخاصة واتسع نطاقها لتشمل مدناً بأكملها، ولذلك فمن المتصور والمقبول أن يكون عدد الجناة فيها كبيراً ومتنوعاً، وبالتالى لا يسوغ عقلاً وقانوناً أن نتعجب من تقديم ألف متهم فى هذه القضية أو تلك. (3) إن القانون المصري ساوى فى المركز القانونى بين الفاعل الأصلى فى الجريمة والشريك، وبالتالى يجوز الحكم على الثانى بذات العقوبة المقررة للأول، والاشتراك فى الجريمة قد يكون بالمساعدة أو بالتحريض أو بالاتفاق أو بأى وجه آخر، ومن ثَمَّ لو أن شخصاً سرق مالاً وأخفاه لدى شخص آخر مع علمه بحقيقة الأمر، فيجوز الحكم على الاثنين بذات عقوبة الحبس المقررة لجريمة السرقة، وبالتالى فليس من المستغرب أن يُحكم بالإعدام على أى عدد من المتهمين شاركوا فى جريمة قتل واحدة، فما بالك إذا تعددت تلك الجرائم وتنوعت. (4) إن من يستغلظون العقوبات التى قُضى بهافى تلك الجرائم الإرهابية، عليهم أن يستعيدوا مشاهدها جيداً وقد سجلتها كل وسائل الإعلام، وعليهم أن يتذكروا كم كانت بشاعة وقائع القتل والتمثيل بجثث الضحايا، وكم كانت وقائع إصابة الأبرياء شروعاً فى قتلهم دون تمييز ودون خصومة، وكم كانت وقائع الحرق والإتلاف والتخريب والتدمير بقصد هدم الوطن والصعود على أطلاله. إن هذه الوقائع التى يعايشها القضاة ولا تغيب لحظة عن أذهانهم منذ اتصالهم بملف الدعوى وحتى الحكم فيها، والعدالة التى أقسموا على رفع لوائها إرضاء لله ولضمائرهم، والفهم الصحيح للقانون واعتباراته، والاستقلال الحقيقى الذى يتمتعون به، لهى الركائز الوحيدة لما يصدر عنهم من أحكام. ومن جانب آخر، إذا كانت الدولة تسعى إلى تعضيد وتطوير منظومة القضاء إعلاء لشأنه وترسيخاً لشموخه، فإننى أعتقد أن الدور الأكبر فى ذلك يقع على الهيئة القضائية دون غيرها، فأرى على سبيل المثال أنها القادرة على وضع آلية قانونية مناسبة للتواصل بين شباب القضاة بالمحاكم الجزئية ورؤسائهم من السادة المستشارين، لضمان أكبر قدر من السلامة القانونية لأحكامهم التى تمثل فى كل الأحوال واجهة القضاء المصرى، مع وضع نظام لتقدير أصحاب الأحكام غير المنقوضة، والعكس بالعكس أيضاً.. كما أنها القادرة على وقف التيار الجارف لإدخال القضاء فى غير ساحته المقدسة، من خلال الدعاوى التى يقيمها البعض لاستصدار أحكامٍ فى غير ولايته أو بعقوبات لم ينص عليها القانون، مثل دعاوى قطع العلاقات الدبلوماسية بدولة ما أو وصفها بوصف ما، أو حظر نشاط كيانات غير قائمة قانوناً، أو إسقاط الجنسية عن أشخاص أو جماعات، أو إلغاء عقود الدولة مع الغير، وما شابه ذلك من الدعاوى التى لا يتوافر لمقيمها شرط الصفة والمصلحة وهو شرط جوهرى لقبول الدعوى، إضافة إلى نتيجتها السلبية بأن تحل السلطة القضائية محل السلطة التنفيذية، وهو ما يُخل بمبدأ الفصل بين السلطات، وينتقص من هيبة الدولة واستقرارها. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل،، E-MAIL :