في مثل هذه الأيام من نصف قرن من الزمان، كان إصدار قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بإنشاء إذاعة القرآن الكريم، ويقول الكاتب معتز الحديدي عن الحدث ..» في أوائل الستينيات من القرن الماضي ظهرت طبعة مذهبة من المصحف، ذات أوراق فاخرة، وإخراج أنيق، حملت تحريفات مقصودة لبعض آياته، منها (ومن يبتغ الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، بدلاً من الآية الكريمة (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تماما، وكانت هذه الطبعة- رغم فخامتها- رخيصة الثمن وكان تحريفها خفيا علي هذا النحو. واستنفرت وزارة الأوقاف والشئون الاجتماعية، حينها، ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والأزهر الشريف ممثلا في هيئة كبار العلماء، لكي تتدارك هذا العدوان الأثيم علي كتاب الله، وبعد الأخذ والرد؛ تمخضت الجهود والآراء عن تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري علي أسطوانات توزع نسخ منه علي المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي وكافة المراكز الإسلامية في العالم، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه، وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابي له في عهد أبي بكر الصديق، خليفة رسول الله- صلي الله عليه وسلم» ويضيف الحديدي «وبمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود من ورائها، نظرا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات علي نطاق شعبي، فضلا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينيات من القرن العشرين. ونتيجة لما سبق، انتهي الرأي والنظر في هذا الشأن من قبل وزارة الثقافة والإرشاد القومي- المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت، وعلي رأسها الإعلامي الدكتور عبد القادر حاتم- إلي اتخاذ قرار بتخصيص موجة قصيرة وأخري متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجله المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. وبعد موافقة الرئيس جمال عبد الناصر، بدأ إرسال «إذاعة القرآن الكريم» في الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة 1383 ه الموافق 25 مارس لسنة 1964م، بمدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحا ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساء».. وبهذه المناسبة، أرى أن حالة الاستنفار التي خلفتها حادثة اكتشاف تلك الطبعة المذهبة من القرآن الكريم، ووصولاً لإنشاء إذاعة يُرتل صحيح الآيات بإشراف أمين على النص والدعوة أمر يطرح علامة استفهام تبدو منطقية وسؤال «هوه مش كان المفروض الإجراء الطبيعي، وفور اكتشاف الخطأ مصادرة النسخ المذهبة تلك، وإعلانات للتحذير من الحصول عليها وتعميم خبر كارثة تغيير آيات الكتاب الكريم، والبحث عن الجاني، ثم إصدار طبعة جديدة تجسد رد فعل محترم لتصويب ما حدث؟».. وعليه، ليه اللجوء لشكل آخر من الإصدار السمعي بإنتاج اسطوانات ثم إنشاء إذاعة تُتلى عبر أثيرها صحيح الآيات؟!.. أرى أنها الغيرة المستحقة للتشبث بصحيح العقيدة، التى رأى ساعتها صاحب القرار أن الإصدار الصوتي فضلاً عن أنه مناسب لواقع يشهد تفشي الأمية، وبالتالي تكون الوسائل السمعية هي الأقرب للوصول وتحقيق فرص أكبر للتوعية والتعليم والدعوة، فإن أمر العبث به بالتغيير أو الحذف والإضافة أمر صعب (على الأقل في تلك الفترة).. ولكن، هل نعتبر محطة القرأن الكريم بداية للتنبه لأهمية أن يكون لدينا إعلام ديني، ويسأل البعض ألم تكن محطات الإذاعة المصرية الأخرى حاشدة بتلك المواد الدينية، ويقوم على تقديمها بإعداد جيد (المذيع المحترف / المُعد المؤهل / العالم المتخصص/ رعاية الأزهر الشريف/ تلاوة للقرأن لنخبة رائعة من شيوخ العصر ...)؟، وهل كان لوجود المحطة والإنفاق عليها من حصيلة تأميم بعض الأصول وضمها لممتلكات الدولة، ضرورة؟...، وسؤال آخر: هل كان إنشاء محطة القرأن الكريم وما تلاها من قرارات لإنشاء مدارس وكليات للمواطن المسلم فقط بداية لتقسيم طائفي، ومذهبي، ثم وصولاً لتقسيمات عرقية وقبلية وغيرها من قبل آخرين وعلى أسس وأسباب تانية؟!!.. وسؤال ثالث: هوه ليه د. مرسي وعشيرته (وهم من يدعون أنهم الموكلون مش عارف من مين للدفاع عن العقيدة والشريعة الإسلامية) يكرهون عبد الناصر إلى حد قول «مرسي» جملته الشهيرة متهكماً «والستينيات، وما أدراك ما الستينيات» وهو الذي في عهده أقيم أكبر عدد من المساجد والمعاهد الأزهرية، وجامعة الأزهر، وتنظيم أكبر مسابقة لتحفيظ القرآن، فضلاً عن إنشاء إذاعة القرأن الكريم، وغيرها كثير من القرارات؟!..للحديث بقية..