تمر هذه الأيام الذكري الخمسون علي إنشاء "أم إذاعات القرآن الكريم" في العالمين العربي والإسلامي. التي تمثل بحق منارة الوسطية والاعتدال الإسلامي. ولم يأت هذا النجاح من فراغ وإنما نتيجة جهد مخلص ابتداء من دوافع تأسيسها للرد علي تحريف نسخ من القرآن.. يذكر أن إرسالها قد بدأ يوم 25 من مارس عام 1964. ب 14ساعة إرسال فقط. كأول جمع صوتي للقرآن الكريم في العالم الإسلامي. ثم امتد إرسالها عبر السنين إلي أن أصبح علي مدار 24ساعة يومياً. أكدت الدكتورة هاجر. سعد الدين. الرئيس السابق للإذاعة. أن شبكة إذاعة القرآن الكريم تسعي جاهدة لتحقيق الهدف الأسمي والأساسي وهو تعريف المستمع بصحيح الدين وما يحتويه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم من تعاليم تسمو بالفرد والمجتمع وذلك انطلاقا من كونها أول إذاعة متخصصة في الإعلام الديني في العالمين العربي والإسلامي تقدم خدمة إعلامية حضارية متميزة دعامتها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بما يؤكد وسطية الإسلام ويبعده عن الأفكار الهدامة المتطرفة ويرسخ حب الانتماء للوطن والحرص علي ما في الحضارة المصرية القديمة والمعاصرة من كنوز وتراث. وعن اهتمام الإذاعة بالقرآن الكريم التي تم إنشاؤها من اجله قالت الدكتورة هاجر سعد الدين: لقد جاء القرآن في قمة الأولويات التي ركزت عليها شبكة القرآن الكريم من خلال إذاعته مرتلا ومجودا بصوت مشاهير القراء وكذلك تقديم البرامج الخاصة بتفسير آيات القرآن الكريم وتوضيح معانية وقيمه. مشيرة إلي أن هناك برامج قرآنية في حفظ وتحفيظ القرآن لعل أشهرها ¢ المصحف المعلم ¢ لعملاق التجويد الشيخ محمود خليل الحصري حيث يقوم المستمعون بالترديد خلفه للقراءة الصحيحة.وهناك برامج عديدة تشرح أحكام القرآن وعلي رأسهم الشيخ رزق خليل حبة والشيخ عبدالحكيم عبداللطيف والدكتور احمد المعصراوي وغيرهم. كما أن هناك التسجيلات النادرة للقرآن الكريم العمالقة التلاوة مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفي إسماعيل. والشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ راغب مصطفي غلوش. والشيخ شعبان عبد العزيز الصياد والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمد محمود الطبلاوي وغيرهم الكثير من مختلف الأجيال والذين تركوا بصمة في الإذاعة التي ساهمت في تقديمهم للعالمين العربي والإسلامي واشارت الي انه لايمكن الفصل بين اهتمام الاذاعة بالقرآن واهتمامها بالسنة النبوية المطهرة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وكذلك تقديم الفقه الإسلامي في مجال العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية. وأوضحت أن هناك مسابقات قرآنية علي مدار السنة في المناسبات الدينية المختلفة ويتم تقديم جوائز قيمة أشهرها جوائز الحج والعمرة مع الإقامة وكذلك الجوائز المالية. كما تقوم الاذاعة بتغطية المسابقات الدولية لحفظ وتجويد وتفسير القران الكريم التي أقيمت في مصر والعالم العربي يضاف الي ذلك نقل صلاتي العشاء والتراويح طوال شهر رمضان المبارك من المساجد الكبري وكذلك نقل صلاة التهجد للعشر الأواخر من رمضان من الحرمين الشريفين. تجربة فريدة تحمل تجربة إنشاء شبكة القرآن الكريم دلالات وأبعادا ذات مغزي كبير في هذا الميدان الإعلامي. إنها تعتبر السابقة الأولي في هذا النوع من الرسالة الإعلامية ومن ثم فهي الإذاعة الأقدم علي مستوي العالم بين إذاعات القرآن الكريم أو الإذاعات الدينية بشكل عام. وتكشف عن الدور الحضاري والثقافي لمصر في محيطها العربي- الإسلامي.وكان لقرار نشأتها ظروف وملابسات سبقته ودعت إلي اتخاذه ففي أوائل الستينات من القرن الماضي حين ظهرت طبعة مذهبة من المصحف ذات ورق فاخر وإخراج أنيق بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آياته منها قوله تعالي: ¢ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ¢. وطبعوها مع حذف كلمة ¢غير¢ فأصبحت الآية تعطي عكس معناها تماما. و كانت هذه الطبعة رغم فخامتها. رخيصة الثمن وكان تحريفها خفيا علي هذا النحو لكن الله تولي حفظ كتابه حيث يقول:¢ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ¢ ومن ثم يهيئ من الوسائل ما يحقق هذا الحفظ. فلقد استُنفِرت وزارة الأوقاف والشئون الاجتماعية - في ذلك الوقت -ممثلة في المجلس الأعلي للشئون الإسلامية وبالتعاون مع الأزهر ممثلا في هيئة كبار العلماء - في ذلك الوقت - لكي تتدارك هذا العدوان الأثيم علي كتاب الله وبعد الأخذ والرد توصلت الجهود والآراء عن تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري علي أسطوانات توزع نسخ منه علي المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي. و كافة المراكز الإسلامية في العالم. باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف من الاعتداء عليه. وكان هذا أول جمع صوتي للقرآن الكريم بعد أول جمع كتابي له في عهد أبي بكر الصديق. وبمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود من ورائها نظرا لعجز القدرات والإمكانات المادية في الدول الإسلامية في ذلك الوقت عن إيجاد الأجهزة اللازمة لتشغيل هذه الأسطوانات علي نطاق شعبي. فضلا عن عدم توفر الطاقة الكهربائية اللازمة لها بحكم الوضع الذي كانت عليه دول العالم الإسلامي في أوائل الستينات من القرن العشرين. ونتيجة لما سبق انتهي الرأي والنظر في هذا الشأن من قبل وزارة الثقافة والإرشاد القومي- المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت. وعلي رأسها الإعلامي الدكتور عبد القادر حاتم - إلي اتخاذ قرار بتخصيص موجة قصيرة وأخري متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجله المجلس الأعلي للشئون الإسلامية. وبعد موافقة الرئيس جمال عبد الناصر بدأ إرسال ¢إذاعة القرآن الكريم¢ في الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة1383ه الموافق 25مارس لسنة 1964م. بمدة إرسال قدرها 14ساعة يوميا من السادسة حتي الحادية عشرة صباحا ومن الثانية حتي الحادية عشرة مساء علي موجتين: إحداهما قصيرة وطولها 30.75ك.ه والأخري متوسطة طولها 259.8ك.ه. لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملا بتسلسل السور والآيات كما أنزلها أمين الوحي جبريل عليه السلام علي قلب سيد المرسلين محمد صلي الله عليه وسلم. وكانت بذلك أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات المكتوبة لتحريفه حيث يصل إرسالها إلي الملايين من المسلمين في الدول العربية والإسلامية في آسيا وشمال إفريقيا. حيث كان الراديو الترانزيستور وسيلة لالتقاط إرسالها بسهولة. يصور المرحوم الإمام الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر رد الفعل الجماهيري بانطلاق صوت الوحي من محطة إذاعة القرآن الكريم فيقول في الاحتفال بالعيد العاشر لإذاعة القرآن الكريم: ¢فإني لا أزال أذكر أننا كنا ذات يوم في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية. وجاءتنا البشري بأن الدولة قررت إنشاء إذاعة خاصة بالقرآن الكريم. وسرنا هذا النبأ سروراً عظيماً. لكننا لم نقدر أثره في نفوس المؤمنين حق قدره. وتبين ذلك في صورة واقعية يوم أن بدأت المحطة تذيع. لقد كان يوماً مشهوداً!! في ذلك اليوم الأغر سمعنا القرآن المرتل في كل شارع مررنا به. وكان أصحاب المحلات التجارية يستمعون إلي الإذاعة في متاجرهم. وربات البيوت يستمعن إلي الإذاعة في بيوتهن. والجميع في فرح غامر. وفي استبشار واضح". ومن الواضح أن المخطط الإعلامي لإنشاء إذاعة القرآن الكريم لم يضع في اعتباره منذ اللحظة الأولي أن تقتصر الخدمة الإعلامية لهذه الإذاعة علي المستوي الوطني بل قصد امتدادها إلي مستوي الدائرة العربية والإسلامية لتغطي برسالتها شمال أفريقيا والدول الإسلامية في آسيا ومن ثم خصصت موجة قصيرة منذ اللحظة الأولي لتحمل علي جناحها رسالة الإذاعة الجديدة إلي تلك الأصقاع وعلي منوال هذه السابقة المصرية المباركة توالي إنشاء عدة إذاعات للقرآن الكريم في داخل العالم العربي بل وفي خارجه كما في استراليا ولهذا تعتبر إذاعة القرآن الكريم من وسائل القوة الناعمة لمصر في الستينيات كما كان لها دور مهم في أثناء حرب 1973. كما كانت من أوائل إذاعات القرآن الكريم في العالم العربي ونواة التأسيس لإذاعات مماثلة في البلدان العربية والإسلامية باعتبارها أول إذاعة متخصصة في الإعلام الديني في العالم العربي والإسلامي. رؤساء الإذاعة تولي رئاسة إذاعة القرآن الكريم علي مدار نصف قرن ثمانية رؤساء ترك كل منهم بصمة في قصة نجاحها وهم بالترتيب: الشاعر محمود حسن إسماعيل الذي شب علي حفظ القرآن الكريم. وانتقل من قريته إلي القاهرة. والتحق بكلية دار العلوم التي كانت حينذاك تسمي ¢ دار العلوم والأدب ¢. وحصل علي ليسانس دار العلوم في عام 1936م. وعمل أول ما عمل محرراً بالمجمع اللغوي. ولم يلبث أن انتقل للإذاعة.وقد تولي رئاسة ¢إذاعة القرآن الكريم¢ حين بدأ إرسالها في 29 مارس 1964م حيث بدأت بإذاعة القرآن مرتلا بصوت خمسة من كبار القراء علي فترتين لمدة 14 ساعة يوميا وخلال رئاسته لإذاعة القرآن وفي عام 1966 أضيفت إليها برامج دينية بنسبة 5% من نسبة الإرسال إلي القرآن الكريم.وكان محمود حسن إسماعيل إلي جانب مسيرته الإعلامية شاعرا وأديبا كبيرا وكان شعره موضوعاً لعدة رسائل جامعية باعتباره لوناً فريداً في الشعر العربي المعاصر لواحد من أبرز شعراء التجديد. وثاني رؤساء إذاعة القرآن هو الدكتور كامل البوهي الذي حصل علي ليسانس الآداب من جامعة القاهرة عام 1953م.وحصل علي الدكتوراه من جامعة بلجراد بدأ عمله مذيعا بالإذاعة عام 1954م. وهو أحد مؤسسي إذاعة القرآن الكريم عام 1964م وثاني مدير لها وقام بالتدريس بكلية الدراسات الإسلامية وكلية اللغة العربية والمعاهد العليا للخدمة الاجتماعية وقدم العديد من البرامج منها "رأي الدين - يا أمة الإسلام - القاموس الإسلامي - في روضة الرسول" وكما أعد وقدم للتليفزيون عددا من البرامج من أهمها "في نور القرآن - الدين المعاملة - حديث الروح" وثالث رؤساء الإذاعة هو: عادل محمد عبد الرحيم القاضي.وهو حاصل علي الماجستير في العلوم السياسية. ورابع رؤساء الإذاعة فهو:محمد علي أحمد الشناوي.وخامس الرؤساء "عطية السيد" .وسادس الرؤساء هو الدكتور عبد الصمد محمد دسوقي.وسابع الرؤساء والمرأة الوحيدة التي تولت رئاستها هي الدكتورة هاجر سعد الدين. أما الرئيس الثامن فهو إبراهيم فرج مجاهد.الرئيس الحالي هو: محمد عويضة.