ما الذي يجري في غرف صناعة القرار في إدارة أوباما تجاه عالمنا العربي؟ . . وما هي عناصر الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة؟ بعض التسريبات المنشورة في الصحف الكبرى، وكذلك تقارير لخبراء ومحللين، رسم صورة لما تفكر فيه الإدارة الأمريكية، وتوجهاتها السياسية المحتملة تجاه المنطقة، وهي ترى أن مصر بما جرى فيها، تشكل عنصراً له تأثيره في السياسات الأمريكية، فضلاً عن تأثير مواقف السعودية، والإمارات، ودول الخليج الداعمة للوضع الحالي في مصر . وحسب ما يقرره أستاذا العلاقات الدولية بجامعة هارفرد ستيفن والت، ورينيه بلفر، فإن المناقشات لا تتوقف في كثير من الاجتماعات حول الدور الأمريكي في العالم، وبالنسبة للشرق الأوسط، فإن الولاياتالمتحدة ليست بحاجة للهيمنة بنفسها بشكل مباشر على المنطقة، لكن إن تضمن قيام طرف آخر بهذا الدور، فسيكون طرفاً محلياً . ومن بين التسريبات التي خرجت عن مداولات إدارة أوباما، ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في أكتوبر/تشرين الأول ،2013 عن لقاء نظمته سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الجديدة، مع خمسة من مساعديها بالبيت الأبيض، عن صياغة خطة لمستقبل أمريكا في الشرق الأوسط . وإن مصر كانت من بين الموضوعات التي نوقشت، باعتبارها ركناً مركزياً بالنسبة للسياسة الأمريكية . ثم تقول: إن أوباما الذي رحب بالتظاهرات في شوارع القاهرة عام ،2011 وتعهد بمواصلة دعم مطالب التغيير في المنطقة، قد إتضح له إن هناك حدوداً لما يمكن لأمريكا أن تفعله في المنطقة . وأن رايس قالت في هذا الاجتماع إن هدف الرئيس أوباما، هو تجنب أن تبتلع أحداث الشرق الأوسط، أجندته للسياسة الخارجية، والتي كان يتبعها الرؤساء الذين سبقوه . وإن الوقت قد حان لصيغة يكون فيها تراجع عما كان أوباما يتبعه قبل أحداث "الربيع العربي" . وقد اتفق المحللون الأمريكيون الذين تابعوا هذه الجلسة، على أن مصر لا تزال قوة محورية، رغم المشكلات التي شهدتها . أحد هؤلاء المحللين وهو ريتشارد هاس مدير مجلس العلاقات الخارجية، قال: إن مصر لا تزال موضع اختبار بشأن إمكان حدوث انتقال سياسي سلمي في العالم العربي عامة . ولكن حكومة أوباما تبدو صامتة إلى درجة كبيرة، وتبدو غير واثقة مما يمكن عليها أن تفعله . ويقول هؤلاء المحللون إن رايس ومسؤولين آخرين نفوا في الاجتماع أن يكون قد تم تهميش مصر، وإن السياسة الحالية تميل للمحافظة على علاقة قوية معها . وضمن المناقشات الجارية حول هذا الموضوع، يقول الكاتب شاموس كول، إن "الربيع العربي" إضافة إلى صعود روسيا، والصين، قد أحدثت تحولات في الأوضاع الاستراتيجية في المنطقة، تقلل من قدرة أمريكا على صياغة الأوضاع القائمة وإن الولاياتالمتحدة تحاول المحافظة على وضع مهيمن لها، باتباع استراتيجية جديدة، تقوم على ثلاثة عناصر رئيسية، يضعها أوباما في اعتباره، وهو يحدد التوجه الجديد لإدارته في الشرق الأوسط . وهذه العناصر هي - تناقص قدرته على التأثير في النزاع بسوريا - وتحول الحكومة الجديدة في مصر عن تحالفها التقليدي مع الولاياتالمتحدة - وإن الشرق الأوسط يتغير بسرعة . ويضيف الكاتب أن العلاقة الوثيقة مع الحليف في مصر، كانت تتضعضع أمام عيني أوباما، وأن العلاقة تتوتر بعد أن اتهمت الحكومة الجديدة في مصر، إدارة أوباما، بالتحيز لمصلحة الإخوان، واتخاذ السعودية والإمارات مواقف داعمة لمصر . أيضاً - كتب دنيس روس مساعد الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، مقالاً بعنوان: "أوباما في الولاية الثانية، والشرق الأوسط"، قال فيه إن إدارة أوباما، يجب أن تفهم حدود قدراتها، بالنسبة للتأثير في التغييرات في الشرق الأوسط . ويجب عليها أن تحدد مواقفها وأهدافها بطريقة لا تخلق فجوة، بين أهدافنا المعلنة، وما نستطيع أن نفعله بالفعل . إن هذه النماذج للمناقشات الجارية في الولاياتالمتحدة، ترسم صورة للموقف الأمريكي، من جانبيه اللذين يتمثل أحدهما في طريقة التفكير الرسمية لإدارة أوباما، ويتمثل الثاني في رؤية الخبراء والمحللين . ويستخلص منها جميعها، ما قيل عن احتياج الولاياتالمتحدة لضمان قيام طرف آخر محلي، بدور خدمة الهيمنة لأمريكا على المنطقة . وهو طرف لديه استعداد تام لأن يضع نفسه في خدمتها على حساب وطنه، مثلما فعلت "جماعة الإخوان" . وأن ما يدفع إدارة أوباما إلى ذلك، هو إدراكها أن قدراتها محدودة على التأثير في اتجاهات الأحداث . ثم أن اهتمامها بالطرف الآخر المحلي، هو جزء من استراتيجية جديدة لأوباما في سياسته الخارجية، تتجه نحو اهتمام أكبر بالتواجد الاستراتيجي في آسيا، بحيث لا يريد أن تستهلك طاقة إدارته، أحداث الشرق الأوسط، طالما سيكون له فيها وكلاء يؤدون الدور لحسابه ثم أن السياسة التي اتبعها أوباما في التحيز للإخوان، ضد إدارة الشعب المصري، قد وضعته في مأزق، سببه عدم انصياع مصر لضغوطه، ووقوف دول الخليج معها . بينما تدرك المؤسسات السياسية الأمريكية أن مصر قوة مركزية، ليس في مصلحة الولاياتالمتحدة، التفريط في العلاقة معها . نقلا عن صحيفة الخليج