أخشى ما أخشاه أن يهيمن منطق الثقة المفرطة فى النفس، الذى يذهب إلى القول إن المعركة محسومة سلفا قبل أن تبدأ، على الحملة الانتخابية للسيد «عبد الفتاح السيسى» وهو ما أخذ يرشح فى بعض الأفكار والأخبار والتعليقات التى تنشر، ويجرى تداولها فى بعض النقاشات السياسية، وفى البرامج الحوارية، وعلى مواقع شبكات التواصل الاجتماعى، وهى مواقع كما بات معروفا، مليئة بالأكاذيب، والفبركات والاختلاقات، التى سرعان ما تلتقطها الصحف وبرامج التوك شو، فتحول الشائعة إلى حقيقة تروج بين الناس طويلا، قبل أن يتبينوا أنها مجرد شائعة، وبرغم أن الرجل نفسه لا يقول شيئا يفضى إلى هذا المعنى، بل هو قال عكسه، حين عبر فى خطاب إعلان ترشحه، عن سعادته «أن ينجح أي من يختاره الشعب، ويحوز ثقة الناخبين»، فإن شيوع هذا المنطق ولو بنسب ضئيلة، من شأنه أن يفشل أى حملة انتخابية، أيا كانت أوراق القوة التى تمتلكها، كما ان تعدد النغمات الصادرة من أعضاء الحملة، وتناقضها فى بعض الأحيان يضعف من تأثيرها، ويوحى بعدم تناغم بين صفوفها، وهو ما يشكل عبئا وخطرا عليها! معركة الانتخابات الرئاسية الدائرة الان، تشكل حدثا محليا واقليميا ودوليا من الدرجة الأولى، ينخرط فى الاهتمام به كما غدا واضحا، الأعداء والأصدقاء، المحبون والكارهون، الداعمون والمتربصون، ولكل هذه الأسباب ولغيرها، فهى ليست محسومة سلفا بأى حال من الأحوال. فالأجواء التى تجرى فيها مثقلة بالتعقيدات والاستقطابات، والمرشحان الرئيسيان المتنافسان فيها، يحملان نفس البرامج، وينتميان لمعسكر الثورة. وإذا ما فشلت جماعة الإخوان وأنصارها فى عرقلة إتمام الاستحقاق الثانى من خريطة المستقبل، وهو الانتخابات الرئاسية، وهو فشل متوقع بطبيعة الحال، قياسا على ما جرى فى الاستفتاء على الدستور،، فالمؤكد أنها تخطط لدعم المرشح المنافس بكل الطرق الممكنة، المشروعة وغير المشروعة، كما هى العادة، لإنجاحه إن استطاعت، او لتحجيم النتائج التى سيحصل عليها المرشح الفائز فى كل الأحوال، وإفشال هذا المخطط، لا يتطلب استعدادا أمنيا فائق القدرة والكفاءة والامكانيات يمنع جماعة الإخوان من عرقلة وصول الناخبين إلى صناديق الاقتراع كما جرى فى انتخابات سابقة فحسب، بل أيضا دراسة الواقع الاجتماعى الذى تغيب عنه ثقافة الديمقراطية، وتسوده لاتزال العلاقات التقليدية التى تتحكم فى توجهات التصويت فى عدد لا يستهان به من محافظات الصعيد والوجه البحرى، وسرعة وضع البرامج التى تتعامل بشكل عملى مع هذا الواقع الذى بدأت جماعة الإخوان فى السعى لتطويعه، لصالح أهدافها، بالتهديد والوعيد وبالإغداق المالى الباهظ –من ملايين الدولارات التى تصلها فى كراتين متلتلة من أنفاق غزة، كما صرح بذلك القيادى السابق فى جماعة الجهاد الشيخ نبيل نعيم فى أحد البرامج الفضائية - على مشايخ قرى المحافظات، والشخصيات المؤثرة فيها. صحيح أن وعى الشعب المصرى قد زاد بشكل ملحوظ فى أعقاب ثورتى 25 يناير و30 يوليو، وأن اهتمامه بالشأن العام قد تضاعف، وأن كراهيته لجماعة الإخوان باتت عميقة، وأن محبته الغامرة للمشير السيسى وتقديره لدوره الشجاع والجسور فى التصدى لفاشية جماعة الإخوان الإرهابية، وإعجابه بتدينه الوسطى المعتدل، وبوضوح رؤيته، وصدق خطابه، الذى تمتزج فيه المشاعر العاطفية، بالعوامل العقلانية، والحزم بالاستقامة وعفة القول كل هذا التقدير غذا من المسلمات، لكن الواقع يقول إن الأسرة والقبيلة والعائلة، والجيرة، والعلاقات الشخصية، تلعب دورا مؤثرا فى الانتخابات فى كل مكان ،سواء كانت انتخابات عامة أو نقابية أو حتى حزبية. ونعلم جميعا أن الظروف الأمنية السائدة لن تمكن «السيسى» من القيام بحملة انتخابية تقليدية، يجوب فيها المحافظات والقرى والأحياء، والمثل الشائع يقول «إذا لم يأت محمد إلى الجبل ،فليذهب الجبل إلى محمد» فهو يستطيع أن يلتقى عبر شبكة النت بمجموعات متنوعة من أى مكان، على ان تقوم حملته بالاتفاق مع تلك المجموعات، وتحديد موعدها، ويمكن تدارك هذا الظرف القسرى» بلقاءات مماثلة عبر مؤتمرات «الفيدو كونفرانس»، فضلا عن الاتصالات التليفونية الشخصية بمعظم الشخصيات المؤثرة فى أنحاء الجمهورية، وبين المصريين فى الخارج، وباللقاءات الشخصية على غرار استقبال السيسى وفدا من أهالى النوبة فى القاهرة. الثقة بالنفس فضيلة أخلاقية عالية القيمة، لكن الإفراط فيها ونحن نخوض حربا متعددة الجبهات، لا ضمير لها، ولا سقف لتجاوزاتها وعدوانها، تغرى بالوقوع فى الأخطاء، وتعمى صاحبها عن رؤية الحقائق التى تحيط به، وعن حجم المخاطر التى تحدق به، وتدفعه للثقة بالمحيطين به،، وتدعوه للاستهانة بقوة خصومه وأعدائه ،والتقليل من شأن النقد الذى يوجه له، وتقوده للاندفاع دون حساب للنتائج، أو تقدير للعواقب، ولكل ذلك، فالمعركة ليست محسومة, وأمام العناصر المخلصة فى حملة المشير السيسى، شهرين من العمل الشاق، الذى يسعى بدأب لسد جميع الثغرات الموجودة والمحتملة فى الحملة، والنأى بنفسها عن الوجوه التى احترفت دعم أى سلطة، والتى يعنى اقترابها من الحملة، خسارة فى الأصوات بدلا من كسبها، والاستفادة من الاقتراحات والانتقادات الموجهة إليها دون تهويل أو تهوين، ونبذ خطاب رد الفعل، والمبادرة ببيان يومى باللغتين العربية والإنجليزية عن نشاط المرشح الرئاسى، وتعليقاته وردوده على أسئلة زواره. وللإنصاف فقد كان ظهور المشير «السيسى» وهو يرتدى الزى الرياضى، ويقود دراجة فى طريق عمومى وسط الناس العاديين، مشهدا يخطف القلوب من فرط بساطته وعاديته، فضلا عما انطوى عليه من رسالة سياسية هامة، تقول، إن المرشح الرئاسى الذى يجرى تهديده، من قبل الإرهابيين ليل نهار بالويل والثبور، لايخشى التهديد، وأن مصر آمنة ،برغم العمليات التخريبية هنا وهناك، وأن المرشح لتقلد موقع الرئاسة يعيش مثل أهله، يتريض ويمشى فى الطرق العامة. وعلينا بعد أن يؤدى كل منا دوره بأمانة وبالجهد الواجب، أن يملأنا التفاؤل والآمل،بأنه سيكون هو رئيس مصر القادم، وآنئذ، تمسى يد الله فوق يد الجماعة.