عرف المصريون كلمة البرنامج الانتخابي للرئيس لأول مرة في تاريخهم قبل تسع سنوات في أول انتخابات رئاسية تعددية في 2005، ثم عاشوا "أوكازيون البرامج" لمرشحي الرئاسة في 2012، حتى أن "البرامج تشابهت عليهم". اليوم يتجدد الحديث عن لجنة من المتخصصين وعن برنامج انتخابي لمرشح محتمل لا تحوم شكوك كثيرة حول فرص فوزه. والسؤال هل يوجد برنامج انتخابي للمشير عبد الفتاح السيسي رئيساً؟ السطور التالية تحاول البحث عن "البرنامج الانتخابي للرئيس" وعن المتطوعين لكتابته، برنامج قد يُختصر في "تقدير موقف" لما تحتاج إليه مصر في السنوات المقبلة. 2005 مفاجآت مبارك في النصف الثاني من عام 2005 كان المصريون يشهدون "معجزة" من معجزات عصر مبارك، وهي ظهور البرنامج الانتخابي للرئيس. انتخابات رئاسية برائحة الاستفتاء، ورئيس مرشح للحفاظ على مقعده يعرض من قلب القاهرة الفاطمية في حديقة الأزهر برنامجه الانتخابي، بوعود لا تخلو من رطانة 24 عاما مضت، وحملة خصص لها مقرا ضخما على مسافة ليست بعيدة عن قصر الاتحادية. «الرطانة» هنا تعبير لغوي عن تلك الأرقام البراقة أحيانا أو العبارات الفضفاضة أحيانا أخرى، التي شبع منها المواطنون في عهد مبارك، لكن لم يشبع منها من أدخل في البرنامج مثل هذه العبارات: توفير فرص العمل والتشغيل ومكافحة البطالة وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية ورفع مستوى المعيشة والنهوض بمحدودي الدخل. لم يأخذ المصريون الوعود بالإسكان والمدارس والوظائف على محمل الجد، ولم يلتفت الشارع لبرنامج "العبور للمستقبل" الذي طرحه مبارك حينها بقدر اهتمامه ب "نيولوك" رئيس نزع سترته ليبدو أكثر شبابا. 2012 متاهة البرامج المتشابهة بعد سبع سنوات احتدم السباق الانتخابى فى جولته الأولى بين 13 مرشحا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. من محمد مرسي وأحمد شفيق إلى أبو الفتوح وصباحي وخالد علي والحريري مرورا بعمرو موسى، تبارى المرشحون في هوجة سياسية للترويج لبرامج بعناوين لامعة ومحاولات درء اتهامات أكثر بريقا. منافسة بين رؤى وشخصيات أسفرت عن مناظرة هي الأولى بين متنافسين. أسهم تصعد وأخرى تخبو، بينما البرامج الانتخابية يخفت ضوؤها في معركة بين من يرفع شعار "الثورة" ضد "الفلول"، ومن يرفع شعار "الحفاظ على الدولة" ضد "تغيير الهوية". تاه المصريون بين تفاصيل البرامج، خاصة وهم يتابعون أفكارا متشابهة، في برامج مرشحين متناقضين. قناة السويس، مثلا، كانت عنصرا مشتركا في برامج كل المرشحين. كتب أبو الفتوح عن "تحويل المحور من مجرد ممر ومناطق صناعية وخدمية، متفرقة إلى مركز للإنتاج والتوزيع العالمي للتجارة العالمية". وفضل عمرو موسى "تحويلها من مجرد ممر ملاحى دولى إلى مركز عالمي للتجارة والصناعة، وتقديم الخدمات اللوجستية للسفن". أما حمدين صباحي فرأى "تحويلها لميناء محورى ببين الشمال والجنوب، ومركزًا لبناء السفن ومحطات الوقود". كيف يمكن للمواطن أن يتعرف على الإجابة الصحيحة في سؤال القناة؟ 2014 برنامج أم مشروع دولة؟ رغم محاولات المرشحين الترويج لأنفسهم عبر برنامج انتخابي تفصيلي وتجربة تبدو الأولى في المقارنات بين رؤى وتصورات لمصر ما بعد يناير، إلا أن الشكل الذي انتهت إليه المعركة الانتخابية كشف أن اسم المرشح وانتماءه الأيديولوجي كان العنصر الفصل. بعد عامين من تلك «المحاولات» يبدو المرشح المحتمل الواثق من حسم السباق - وزير الدفاع الحالي- على قناعة بغياب تلك الأهمية للبرنامج الانتخابي، في حين يطالبه منافسون محتملون في التيار الشعبي أو في حزب مصر القوية بطرح برنامج للحكم عليه. تعتقد المصادر التي تحدثت إليها "الشروق" أن المشير عبد الفتاح السيسي، المرشح المحتمل، لن يتقدم ببرنامج انتخابي بالمعنى التقليدي وإنما ببرنامج "إنقاذ وطني" أو "مشروع دولة" يطرح باعتباره "رؤية توافقية" في ظل نتيجة تبدو محسومة سلفا لصالحه. "أرى أن لديه رؤية للملفات أما الخطط بتفصيلاتها فهي مهمة الحكومة"، يقول مصدر عسكري رفيع للشروق، مستدركا "المشير لا يزال يؤدي وظيفته ولم يتفرغ لفكرة البرنامج ويعمل داخل مؤسسته من الصباح الباكر حتى المساء". الحديث الدائر عن لجان شكلت وشخصيات أوكلت لها مهام مختلفة لصياغة البرنامج الانتخابي يبدو "أقرب إلى الشائعات، ومحمل على أماني أصحابه أكثر من حقيقة"، في اعتقاد المصدر القريب من الرجل، ويضيف "أنا لا أعرفهم وأنا من أقرب الدوائر له ولا نتواصل معهم ولا أعتقد أن شيئا ما مخططا في هذا الصدد". لكنه لا ينفي أن بعض الأسماء المتداولة باعتبارها قائمة على البرنامج تمت استشارتها في عدد من الملفات. "الشروق" سألت عددا ممن يتم تداولت أسماؤهم باعتبارهم مشاركين في صياغة البرنامج أو انضمامهم لفريق عمل خاص بالسيسي وكانت الإجابات جميعها بالنفي. "لم أتواصل مع أحد ولن تكون الأمور سرية"، يقول الباحث ونائب الشعب السابق عمرو الشوبكي. "الموضوع غير صحيح ولم يطرح من الأساس"، يقول خبير اقتصادي- فضل عدم كشف هويته - تم تداول اسمه ضمن بورصة القائمين على البرنامج الانتخابي. كما نفى مصدر قريب من الكاتب محمد حسنين هيكل ل"الشروق" أن يكون "مشرفا" أو "مساهما" في أي برامج انتخابية، أو حتى سمع بها. "هيكل قد يطرح التصور العام فقط"، يقول الكاتب عبد الله السناوي القريب من الصحفي المخضرم الذي عمل إلى جانب ناصر والسادات. الخبير الاقتصادي المصري الأمريكي محمد العريان، أستاذ الاقتصاد فرج عبد الفتاح، الباحث الاقتصادي أحمد النجار، رجل الأعمال المصري الأمريكي محمد الجمل، وزيرة التعاون الدولي السابقة فايزة أبو النجا، رئيس الوزراء سابقا كمال الجنزوري، لم يتم "استدعاء" أي منهم لهذه المهمة. القائمة تمتد لتشمل أسماء شديدة التباين في توجهاتها، وتجعل من الصعب أن يتصور المرء اجتماعها على رؤية توافقية تترجم في "برنامج الإنقاذ" هذا. ويحتاج معها السيسي بالتالي أن يقدم رؤية للعمل أولا قبل أن يتشكل فريق ويضع خطط التنفيذ. هل سيتبنى رؤية اقتصادية ليبرالية؟ أم ينحاز أكثر لقضايا العدالة الاجتماعية؟ هل يحافظ على العلاقة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة أم يسعى لإحياء التجربة الناصرية في سياق عالمي مختلف؟ كل رؤية لها مخططوها، والسيسي حتى اللحظة "لم يكشف عن رؤيته السياسية" في خطاباته المتتالية منذ 3 يوليو عقب الإطاحة بمحمد مرسي على وقع مظاهرات حاشدة. خطاب ورؤية منتصف الشهر "هناك ثقة عامة في الفريق السيسي، لكنه يدخل مجالا جديدا عليه هو المجال السياسي. وأهم الأمور فيه هي أن يتقدم برؤية في خطابه الأول تسبق مشروع الإنقاذ. ولا أحد يعلم الرؤية حتى الآن"، يقول السناوي. ويوضح "هناك منطقة رمادية عند صاحب القرار نفسه"، في إشارة للرجل الذي لم يحسم - رسميا- قراره بعد "بالاستجابة لنداء الجماهير"، ذلك التعبير الذي ورد بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل عشرة أيام عقب اجتماع دعم فيه ترشح السيسي للمنصب الأعلى في الدولة. توقيت الإعلان الرسمي عن ترشح السيسي لا يزال غامضا، رغم إعلانه في حوار مع إحدى الصحف الكويتية، فبينما تؤكد مصادر "الشروق"، وبعضها رسمي، أن السيسي سيخرج بخطاب قبل منتصف فبراير يعلن فيه رؤيته وخوضه المعركة الرئاسية، فإن حملات شعبية مناصرة له تتحدث عن إعلانه الترشح خلال ساعات. الحملات ذاتها بدأت صياغة برامج انتخابية تطوعية للرئيس القادم كما تكشف حملة "كمل جميلك يا شعب" التي يرأسها موسى مصطفى موسى الذي تنازع مع أيمن نور على رئاسة حزب الغد. تقول الحملة التي جمعت ما يزيد بقليل عن 80 ألف متابع على صفحتها على فيسبوك إنها ستقدم برنامجا مصغرا للمشير السيسي يرتكز على مكافحة البطالة. بينما يعمل فريق آخر يسمى "تكتل القوى الثورية" يقوده أحمد درويش وزير التنمية الإدارية في حكومة نظيف على مشروع "هيكلة السلطة التنفيذية" بإدماجه في برنامج السيسي المرشح. المجموعة تضم خمس شخصيات شابة، منهم طارق الخولي العضو السابق في حركة 6 إبريل وعمرو عز عضو ائتلاف شباب الثورة المنحل. ويقول عز ل"الشروق" إن المشروع يتضمن "أفكارا بحلول عاجلة للتأمين الصحي والقمامة"، وكانت الفكرة منه دفع حكومة الببلاوي لتبنيه، لكن مع تسارع الأحداث رفع الملف إلى الفريق السيسي. ويوضح "أرسلنا نسخة من الرؤية الأولية للمشروع واستحسنها اللواء عباس كامل مدير مكتب المشير، ونعمل الآن على وضع الهيكل والخطة التنفيذية". لكن حسب ما فهمت "الشروق" فإن الأمور تسير وفق الترتييب المعتاد في طريقة تفكير العسكريين "أن لكل احتمال خططه"، حيث تُقدم تقارير "تقدير موقف" اقتصادي واستراتيجي وسياسي يقوم بها خبراء معظمهم ينتمون إلى المؤسسة العسكرية وترفع للسيسي بحكم منصبه. كما تعمل إلى جانبه لجنة شكلها مؤخرا لإدارة الأزمات يديرها اللواء العصار وتضم في عضويتها ممثلين عن كافة الأجهزة السيادية إضافة إلى ممثل عن وزارة الخارجية. "هناك فرق بين تقدير الموقف وبين وضع برامج وحلول يفهمها الرجل العادي، وهذا أمر يحتاج إلى وقت"، كما يقول السناوي. هل هذا هو السبب الذي يعرقل الإعلان الرسمي عن إنهاء علاقة المشير بالمؤسسة العسكرية وخوضه معترك السياسة؟ يعتقد السناوي الذي يحتفظ بعلاقة طيبة مع المؤسسة العسكرية، أن المشير "مشغول الآن بالمؤسسة العسكرية وبالترتيبات القانونية وأمنه الشخصي"، في حين يستبعد مصدر عسكري أن يكون التردد ناتج عن "ضغوط أجنبية". "هو لا يستمع سوى للإرادة الشعبية". لكن مصدر دبلوماسي رفيع يعتقد أن المرشح المحتمل "لا يتصرف بأريحية تامة خالية من الضغوط"، على حد تعبيره. المصدر المطلع على ملفات العلاقات المصرية-الأمريكية ينظر إلى الاتصالات المستمرة على مدار أشهر متتابعة - بواقع مكالمة اسبوعيا- بين وزير الدفاع المصري ونظيرة الأمريكي باعتبارها "كاشفة عن علاقة ودية بين الطرفين، وانتظامها يعني ان هناك موضوعا للنقاش لم يحسم بعد". التردد تعكسه أربعة بيانات خلال ساعات. تسريب للوكالة الرسمية ينقله التليفزيون الرسمي يتحدث عن "تفويض" الجيش للسيسي للترشح، يعقبه بيان رسمي للمتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة ينفي أية تغييرات في "المسمى الوظيفي" لقيادات المجلس العسكري لكنه لا ينفي "التفويض"، ثم بيان رسمي للجيش يتحدث عن "تكليف والتزام" للإشارة لرغبة "الجماهير" في ترشح المشير، ثم بيان رابع في المساء ينتقد تصريحات الوكالة الرسمية عن "التفويض". "خطأ لفظي من أشخاص لا تفهم في الألفاظ السياسية"، هكذا يكتفي مصدر "الشروق" بالقول دون أن يكشف مصدر هذا الخطأ. فما الذي دار ذلك اليوم في المجلس؟ وهل جرى تصويت على الموافقة بخوض المشير انتخابات الرئاسة؟ يوضح أحد المصادر العسكرية أن "النقاش داخل المجلس لا يتم بهذا الشكل ولا يحضره فرد واحد من خارجه. ولا يعلم أحد ماذا يحدث سوى من هم في داخل القاعة". لكن الثابت لديه "اننا لدينا وزير له قدر من الاحترام وناس مخلصة للقيادة. وان وجود شخصية عليها تلاحم وطني امر مهم لمواجهة التحديات القادمة".