لو طال العمر بصوت الجماهير عبدالحليم حافظ ،الذى نحتفل غدا بذكرى وفاته منذ 37 عاما كان بلغ 75 عاما.. فهل كان سيستمر فى الغناء؟!.. ولو طال العمر بحبيب الجماهير جمال عبدالناصر، كان بلغ 86 عاما، وكان حاضرا منذ أيام فى ذكرى تأسيس إذاعة القران الكريم الخمسين وقرأوا الفاتحة على روحه لانه كان وراء اطلاقها.. فهل كان سيستمر رئيسا؟!.. كثيرا ما تلح علىّ مثل هذه الأسئلة، وهذه التصورات الغريبة ربما هروبا من الواقع الأغرب، ولكن من المؤكد ان العندليب والزعيم كانا سيزالان: واحداً يغنى وواحداً يخطب.. ونفس الجماهير تسمع فقط، ولن ُيسمح لها بالغناء لأن أصواتها ليست فى عذوبة وحساسية «حليم» ولن يسمح لها بممارسة السياسة لان أحلامها ليست بمستوى وطنية وقومية «ناصر».. ولهذا فمن المؤكد ان رحيلهما المبكر أراحهما وأراحنا رغم إننا لازلنا نفتقدهما فى الغناء والسياسة!! ولا شك ان الشعب المصرى امتلأ من الغناء حتى آخره ،سواء من عبدالحليم أو أم كلثوم أو عبدالوهاب، ولذلك امتنع عن سماع الاغانى وأجبر ما تبقى من مطربين بالتوقف عن الغناء، والحال كذلك مع السياسة، حيث استمع الشعب إلى كمية من الخطب سواء من عبدالناصر أو السادات أو مبارك ما يكفى لثلاثة أجيال قادمة.. ولذلك لم يأخذ خطاباً واحداً من خطب مندوب الإخوان المسلمين فى الرئاسة محمد مرسى بجدية بل واعتبرها فاصلاً فكاهياً يساعده على نسيان كآبة الواقع المرير!! ولهذا أنصح المشير عبد الفتاح السيسى المرشح لمنصب رئيس الجمهورية أن يبتعد عن لغة الخطاب الرومانسية فى تعامله مع مصر إلى درجة يمكن ان تبعده عن واقع المصريين ولا تقربه منهم، وأيضا لا يكون متشددا عليهم ويتعامل معهم باعتبارهم مجموعة من الكسالى، لان القوات المسلحة نموذجا يحتذى فى الجدية والقوة والعمل والتضحيات، وأن كل بيت تقريبا فى مصر له رجل ينتمى لهذا الجيش العظيم.. وان هذا الجيش لم يكن أقوى وأكبر الجيوش العربية من فراغ ولكن نتاج إدارة واعية بمهامها ومسئولياتها، وبإدراكها أن قوتها كقيادة ليس كافيا ان لم يكن كل فرد من أفراد الجيش قويا بتعليمه وتدريبه ومعداته. ان البرنامج الانتخابى للمشير السيسى، الذى كشف بعض ملامحه السيد عمرو موسى مؤخرا يكشف أننا إزاء خطة أعظم من خطة أو مشروع مارشال، وهو المشروع الاقتصادي لإعادة تعمير وتنمية أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الذي وضعه الجنرال جورج مارشال رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي، حيث يتضمن برنامج «السيسى» الانتخابى خطة طموحة لإعادة بناء الدولة المصرية على أسس حديثة بالتنمية الشاملة وتحقيق العدالة الاجتماعية، واحترام الحقوق والحريات، من خلال العديد من الركائز السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية.. وهو كلام جميل ورومانسى يقترب الى حد الغناء الملىء بالأمانى والأحلام التى لا يمكن ان تتحقق سوى بالإدارة الحديثة والعلمية.. لان مشكلة مصر دائما فى الإدارة ومصيبتها الكبرى فى القيادة.. ففى حرب 48 لم يهزم الجيش المصرى فى فلسطين الأسلحة الفاسدة فقط بل السياسة الفاسدة، وفى حرب 67 لم يهزمه سوى القيادة والأغانى والخطب الفاسدة، ولم يحقق أعظم انتصاراته فى أكتوبر 73 سوى بالقيادة المحترفة والمؤهلة علميا وتدريبيا.. حتى مؤخرا لم يتمكن الجيش من حماية الدولة من الإرهاب سوى بالعلم والعمل وبكفاءة التدريب والتأهيل وليس بأغانى حب الوطن أو الخطب الحماسية.. والشعب المصرى، مثل كل الشعوب، إذا وجد قائدا يعرف كيف يدير الدولة سيشاركه فى بنائها ويجعلها من أولي الدول.. وقد فعلها أيام الفراعنة.. وبنى دولة من أعظم الدول وفوقها الأهرامات!!