عندما وفد جمال الدين الأفغاني إلي مصر واستقر بها في الفترة من 1871 إلي 1879م أعطي دفعة قوية لزعماء الإصلاح بها حيث أخذ يبث في نفوسهم روح الشهامة والاعتزاز بالنفس، ومحاربة الذل والاستكانة، كما شجعهم علي الكتابة في الصحف لأنها أقرب إلي عقول الناس وأشد تحريكاً لشعورهم، وسرعان ما أخذت الصحف السياسية طريقها إلي الظهور فأخرج »يعقوب صنوع« جريدة »أبو نظارة زرقا« التي تعتبر أول جريدة سياسية هزلية ظهرت في مصر وكان يحررها بالعامية، ويضمنها تنديداً بسياسة الخديو إسماعيل وحاشيته، كما انتقد فيها تصرفات الحكومة ونبه الأهالي لحقوقهم بصورة فكهة جذابة لاءمت روح العصر فأحرزت شعبية واسعة مما دفع الخديو إلي الإحساس بخطر الصحفية فصادرها ونفي صاحبها من مصر فذهب إلي باريس، وحررها من هناك وأرسل منها نسخاً إلي مصر. كما شجع الأفغاني »ميخائيل عبدالسيد« علي إنشاء صحيفة تنتقد سياسة إسماعيل صراحة فأسس جريدة »الوطني« وكانت ذات طابع سياسي أدبي، كما عهد إلي »أديب إسحق« بعد أن ارتبط به ارتباطاً وثيقاً بأن ينشئ جريدة »مصر« وطلب منه أن يسهم مع »سليم النقاش« في إصدار جريدة »التجارة« فصدرت في عام 1879 ولقيت رواجاً شديداً حيث لفتت الأنظار بروحها الجديدة، ونتيجة لتشجيعه أيضاً أسس سليم وبشارة تقلا »الأهرام« و»سليم الحموي«، »الكوكب الشرقي«، كما أسس »سليم عنحوري« »مرآة الشرق« عام 1879 ثم ظهرت بعد ذلك جرائد »المحروسة« و»العصر الجديد« ثم »التنكيت والتبكيت«. وقد كانت هذه الصحف تصور عواطف المصريين السياسية، وتنادي بإصلاح الإدارة الحكومية، وقد وقف الأفغاني يغذيها بالثورة، فتأثر الصحفيون بتعاليمه وكتبوا في صحفهم علي هدي من آرائه، فكان من أوائل العاملين علي تطور الروح الوطنية في البلاد، ونسب إليه بحق الدور التاريخي لأبي القومية وقد ارتبطت هذه الصحف بالحركة الوطنية ارتباطاً تاماً بحيث يصعب التأريخ للحياة السياسية في ذلك الوقت دون الرجوع إلي الصحافة. لقد كانت أحوال مصر في تلك الفترة في عصر الخديو إسماعيل أبعد ما تكون عن الاستقرار لتعقد مركزها الدولي من ناحية ولاختلال وارتباك أمورها من ناحية أخري، حيث تفاقمت الأزمة المالية، واتخذت شكلاً سياسياً بسبب إسراف الخديو المتزايد وإنفاقه مبالغ طائلة سواء في مشروعاته وبذخه أو لإرضاء الدول الأوروبية والسلطان، كما تحملت الخزانة المصرية نفقات باهظة في سبيل تسوية النزاع الخاص بمشروع القناة، ومحاولات الخديو إرضاء السلطان ورشوة رجاله مقابل فرمان تصدره تركيا بتعديل قانون الوراثة، ومنحه لقب خديو ليكون متميزاً عن ولاة الدولة العثمانية. يضاف إلي ذلك فشل مشروعاته الاقتصادية وانخفاض أسعار القطن بعد توقف الحرب الأهلية الأمريكية وما واكب ذلك من انتشار حالات الإفلاس، فاضطر إلي الاستدانة بشروط باهظة، مما أدي إلي فتح الباب علي مصراعيه للتدخل الأوروبي في شئون البلاد، وفي هذا الجو المشوب بالقلق لعبت الصحافة المصرية دورها في توضيح الأمور، وتكوين رأي عام يقف في وجه الظلم، مما أدي إلي قيام الحكومة بنفي »الأفغاني« من مصر، وإغلاق بعض الصحف الوطنية ومنها: »مصر« و»التجارة«، ونتيجة لذلك تناولت باقي الصحف أحوال البلاد السياسية بأسلوب رمزي حتي لا تتعرض للغلق، ومع ذلك فإن روح الثورة التي أيقظها الأفغاني لم تنطفئ بنفسه من البلاد أو بإرهاب بعض الصحف بل امتد أثرها، وكانت الثورة العرابية إحدي ثمراتها والتي من خلالها عادت الصحف لشرح خفايا الأمور، وزاولت نشاطها بطريقة أكثر فاعلية، واهتمت بالأحوال السياسية ذات الطابع الثوري الواضح، كما ظهرت صحف جديدة مثل صحيفة الطائف التي أسسها عبدالله النديم واحتلت مكانة مهمة بين الصحف المصرية في تلك الفترة.