في أمور التعليم، كما في غيره، نحن فعلاً ندفن رؤوسنا في الرمال.. ليس بحثاً عن أسرار ماهو تحت السطح، ولكن هروباً من المواجهة.. وهذا هو اسلوب الادارة الضعيفة، وهو السلبية بكامل معانيها. وإذا كنا نتبع نفس الأسلوب أمام الوقفات الفئوية، طلباً لتحسين الأوضاع المالية للعاملين، ونعجز عن مواجهة أصل الداء.. فاننا هنا أمام تعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات نؤكد أن حكومتنا تؤجل البت في أهم القضايا التي تواجه الوطن.. في البداية، عندما قررت الحكومة مد فترة اجازة نصف العام، افتكرها البعض بسبب انتشار موجة انفلونزا الخنازير أو الطيور، أي اتخذت الحكومة هذا القرار خوفاً علي البراعم الجديدة، أكبادنا التي تمشي علي الأرض. وما ظنها البعض تعبيراً عن ضعف الحكومة وعدم قدرتها علي مواجهة هؤلاء الخنازير.. إلي أن اتضحت الحقيقة، وانكشف المستور.. وظهر أنه الخوف من عودة المظاهرات، وانتشار أعمال العنف، خصوصاً مع قرب خوض معركة الانتخابات الرئاسية.. فهل سوف يستمر تعطيل الدراسة مع اقتراب الانتخابات.. طيب وماذا تفعل الحكومة عندما تنتهي انتخابات الرئاسة.. لتبدأ الانتخابات البرلمانية؟! وإذا كانت انتخابات الرئاسة سوف تستمر الي آخر مايو القادم، علي أقل تقدير، فماذا ستفعل الحكومة وسوف تأتي بعدها انتخابات البرلمان.. هل تستمر مهزلة تأجيل الدراسة لكل هذه الأسباب؟! والمضحك المبكي في نفس الوقت أن الخسائر هنا تطول أيضاً ميزانية الدولة.. إذ إن الحكومة مستمرة في دفع رواتب العاملين بالمدارس والجامعات، وهذه الرواتب تمثل حوالي 80٪ مما تخصصه الدولة كميزانية للتعليم.. أما خسائر التلاميذ وكل الأسر.. فهي الأبشع، خصوصا في المدارس الخاصة والجامعات الخاصة.. وهاهو قد جاء موعد دفع القسط الثاني، في هذه وتلك، حتي مع تعطل الدراسة. وإذا كان الطلبة قد ابتهجوا وفرحوا بسبب هذا التأجيل،إلا أنهم سيدفعون عاجلاً أو آجلاً ثمن هذا التأجيل.. ونكاد نقول أن الطلبة فقدوا عاما كاملاً من عمرهم، بلا أي طائل.. وتدفع الأسر كامل الأقساط المالية.. كاملة!! وإذا كان الوزير للتربية ثم العالي صرح بأنه سيتم ضغط المناهج الدراسية بسبب ضياع الأسابيع، فان ذلك ينعكس علي ما سوف يحصل عليه الطالب من علم ومعرفة. وهو ثمن باهظ للغاية. وربما يخسر المدرسون الكثير بسبب ضياع أجور الدروس الخصوصية.. وربما يزداد الطلب عليهم لكي تعوض الأسر فترة التأجيل.. بتكثيف الدروس الخصوصية.. ولكننا لم نفكر أبداً في الخسارة القومية التي تصيب الوطن جراء هذا التأجيل.. ورحم الله زمناً كانت فيه الشعوب تعاني من انتشار الحروب ورغم ذلك لم تتوقف الدراسة أبداً في أي شعب متحضر.. نقول ذلك وقد عرفنا أن الحرب العالمية الأولي امتدت من عام 1914 واستمرت حتي عام 1918 ورغم ذلك.. استمرت الدراسة في المدارس. وكذلك خلال سنوات الحرب العالمية الثانية التي امتدت من سبتمبر 1939 الي مايو 1945 ورغم ذلك استمرت الدراسة، عندنا.. وحتي عند الشعوب التي كانت تحارب. هنا نسأل: هل ما تواجهه مصر الآن أشد ضرراً مما عاشته شعوب العالم خلال هاتين الحربين العالميتين.. ولذلك نعطل الدراسة عندنا، بينما لم تتعطل الدراسة عندنا، أو عندهم، بسبب تلك الحروب الطاحنة!! وعجبي.. أم يا تري تريد الحكومة ترحيل كل المشاكل الي الغد.. لتتحمل وزرها حكومات أخري غيرها.. تماماً كما تتأخر عمليات محاكمة المتهمين بالارهاب والمنفذين لهذه العمليات.. رغم أن كثيراً منهم اعترف بما ارتكبت يداه. وبالمناسبة، فإن تأجيل هذه المحاكمات وعدم حسم الأمور فيها من أهم أسباب استمرار العنف والإرهاب، وما حدث في ستاد القاهرة أمس الأول عقب مباراة السوبر الافريقي، خير دليل علي ما نقول. وياعالم.. كفاية دفناً للرؤوس في الرمال.. هذا إذا كنتم فعلاً تخشون علي حاضر هذا الوطن ومستقبله. ويجب ألا نفرح أبداً باستمرار تأجيل الدراسة.. لأن ذلك هو دليل ضعف الحكومة.. هذا ان كانت هناك حكومة بالفعل!!