تعد الانتخابات الرئاسية التى يفتح باب التقدم للترشح فيها خلال الأسابيع القليلة القادمة، هى المرحلة الثانية الهامة من تنفيذ خارطة المستقبل، التى تم بنجاح فاق كل التوقعات، إنجاز مرحلتها الأولى، بكتابة الدستور، ثم إقراره باستفتاء بلغت نسبة الموافقة عليه نحو 98% من أصوات الناخبين، وأضيف إلى ذلك نجاح الشرطة والجيش فى تطويق ملحوظ لمعاقل الإرهاب وتحطيم أوكاره وملاحقة أفراده داخل المدن وفوق جبال سيناء، والاستعادة التدرجية للأمن، رغم الخسائر الفادحة وسقوط الضحايا والشهداء، وهو ما يؤكد أن التفويض الذى منحه الشعب لقائد الجيش «عبدالفتاح السيسي» فى السادس والعشرين من يوليو الماضى، للتصدى لكل إرهاب محتمل، بعد أن هدد قادة جماعة الإخوان بتحويل مصر إلى بحار من الدماء إذا لم يعودوا إلى السلطة، قد تم الالتزام به، ويجرى تنفيذه على قدم وساق. ومنذ بات شبه المؤكد، أن يستجيب المشير «السيسى» للضغوط الشعبية التى تطالبه بالترشح للرئاسة، والحملات المضادة، لمنع حدوث ذلك تتوالى، إما بسرد مبررات بعضها يبدى حسن النوايا، بزعم الخوف على الجيش من الضعف والتفتت بعد أن تتركه قيادته الكفؤة، أو الخوف على «السيسى» نفسه من أن يفقد شعبيته إذ يتعين عليه كرئيس للدولة أن يواجه مشاكل ينوء بحملها الجبال، أو برفع شعارات ثورية زاعقة، تحذر مما تسميه الفاشية العسكرية القادمة كما يروج قادة 6 أبريل، إلا أن المؤكد أن كل تلك المبررات تصب فى نهاية المطاف لخدمة الحملة الموتورة التى تقودها جماعة الإخوان، وكتابها وميليشياتها الإلكترونية، والتى تحفل بالأكاذيب والافتراءات، وطمس الحقائق وتلوينها، فضلا عن البذاءات والسفالات التى تنطوى عليها، التى تتجاوز الهجوم على قادة الجيش، إلى كيل السباب للشعب المصرى المحب لهذه القيادة والداعم لها، لتروج فى الداخل والخارج أن الثورة الشعبية التى جرت فى الثلاثين من يونية هى انقلاب عسكرى، على أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر، لإعادة الحكم العسكرى مرة أخرى، دون النظر إلى التفاعلات التى حدثت فى السنة الأولى من حكمه، والتى كادت تقود البلاد إلى حرب أهلية، نبهته قيادة الجيش إلى مخاطرها فلم يستمع إليها، وطالبته بالاستجابة للمطلب الشعبى بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فرفض هو وجماعته بصلف وغرور، وانتهى الأمر بأن يقتاد هو نفسه فيما بعد جنبا إلى جنب مع قادة الجماعة، إلى قاعات المحاكم بتهم قتل المتظاهرين السلميين والتخابر، وفتح أبواب مصر على مصرعيها أمام جماعات الإرهاب الدولى! وظفت جماعة الإخوان الحركات الاحتجاجية لخدمة أهدافها برفع الأخيرة لشعار الجماعة: «يسقط حكم العسكر» فى ثورتى يناير ويونية، وفى الثورة الأولى مارست هذه الحركات ضغوطا هائلة على المجلس العسكرى بقيادة المشير «طنطاوى» لاختزال الفترة الانتقالية، بما انتهى إلى سيطرة الجماعة وأنصارها على مقاعد البرلمان، ثم تحالفت هذه الحركات الاحتجاجية مع الجماعة لصعود ممثلها إلى سدة الرئاسة، دون أى مراجعة للمخاطر الجمة التى أسفرت عن هذا التحالف الانتهازى، الذى أفقد تلك الحركات الكثير من مصداقيتها، بل إنهم يكررون الآن الخطأ نفسه، بالحديث عما يسمونه الفاشية العسكرية القادمة، لينقلها عنهم الإعلام الغربى المتحالف مع جماعة الإخوان، وتضمنها المنظمات الحقوقية الدولية تقاريرها التى يغلب عليها الطابع السياسى، وتغيب عنها المعايير الحقوقية، ليستخدم هذا وذاك لممارسة الضغوط على الدولة المصرية لصالح جماعة الإخوان وحلفائها فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدةالأمريكية، ولخدمة مشروعهم الفوضوى، وفى القلب منه تحطيم الجيش المصرى، ليصبح الجيش الإسرائيلى القوة الوحيدة فى المنطقة، وهو المشروع الذى أسقطه الشعب المصرى بمساندة جيشه الوطنى بمشروع مضاد فى الثلاثين من يونيو، والثالث من يوليو يعد الاستحقاق الرئاسى واحد من أبرز خطواته! وفى أعقاب ذلك شكل التيار الشعبى الذى أسسه المرشح السابق للرئاسة «حمدين صباحى» وفودا للدخول فى حوار مع الأحزاب والقوى السياسية،بهدف التوصل إلى تكتل بديل لجبهة الإنقاذ من جهة، تحت دعوى أنها تضم فى صفوفها رموزا من عهد نظام مبارك،ثم التوصل إلى اتفاق على مرشح وحيد للرئاسة من جهة أخرى، يمثل قوى الثورة،لأن السلطة فى الثورتين -كما قالوا- آلت لغير صناعها، وفيما هو واضح من تداعى الأحداث فإن هذه الحوارات، لم تفض إلى شىء، بعد أن جددت جبهة الإنقاذ فى اجتماعها الأخير تمسكها بالبقاء، ومع تزايد المطالبات الشعبية للمشير «السيسى» بالترشح، وتعهد «حمدين صباحى» فى أكثر من حديث تليفزيونى بدعمه له فى حال أعلن ترشحه، لكن ذلك لم يمنع من تلقف معارضى ترشح المشير «السيسى» للفكرة والترويج لها بزعم تقديم مرشح رئاسى للثورة! لم تعد القضية فى مصر الآن مرهونة بهذا التبسيط المخل: مرشح رئاسى مدنى أم عسكرى، لاسيما أن الشعب المصرى اكتوى بنار المرشح المدنى المنتخب ومن الفاشية الدينية التى تحكمت على امتداد ثلاث سنوات فى مصيره، بل هى فى الأساس مرشح رئاسى وطنى أم غير وطنى، كفؤ وصاحب خبرة ولديه رؤية، أم غير أهل لهذه المسئولية الجسيمة، تم اختبار مواقفه فى المواقع التنفيذية المختلفة التى تقلدها أم غير ذلك، عليه إجماع وطنى أم مكتوب علينا أن نكرر الأخطاء التى تم ارتكابها فى الانتخابات الرئاسية الماضية، برفض المرشحين من القوى المدنية الاتفاق على مرشح وحيد من بينهم ودعمه منعا لتفتيت الأصوات،الذى لم يخدم فى الواقع،سوى مرشح جماعة الإخوان! كان «عبدالفتاح السيسى» (60 عاما) مديرا للمخابرات الحربية التى حذرت نظام مبارك من السخط الشعبى المتزايد على نظامه، وكان أحد قادة أفرع الجيش الذى انحاز لثورة 25 يناير، وعضوا فى المجلس العسكرى برئاسة المشير «طنطاوى» الذى تعهد بالاشراف على الانتقال السلس للسلطة لحكم مدنى منتخب وأوفى بعهده، ثم بعد ذلك وزيرا للدفاع أثناء حكم الإخوان، الذى اتخذ قرارا تاريخيا جسورا بانحياز الجيش لثورة 30 يونية، وهو قرار كان من الوارد أن يكلفه حياته لولا عناية الله ودعم الشعب المصرى لخطواته، فمن غيره بعد ذلك يكون مرشحا للثورة؟!!