السينما مرآة الشعوب.. مقولة تذكرتها بعد مشادة فيلم «أسرار عائلية» ومن خلالها تأكدت أننا في الكثير من الأحيان نتعامل بطريقة «أبوالعريف» الذي لا يفعل شيئا إلا الافتاء ليل نهار دون معرفة، أو السير مع «الرايجة» وادعاء القيم والمثل ومحاولة الظهور كأبطال وحامي حمي الفضيلة -عن رئيس جهاز الرقابة عن المصنفات الفنية صاحب الفتح السينمائي التاريخي «بون سواريه» أحمد عواض أتحدث - الذي هاجم الفيلم مما جعل الكثيرين يهاجمون العمل دون أن يراه أحد مدعين أن الفيلم يهدف الي تدمير قيم وتقاليد مجتمعنا الراسخة!! في حين أن الفيلم بعيد تماما عن تلك الإرهاصات غير المبررة بل العكس تماما هو عمل يستحق المشاهدة لكونه يقترب من أزمة العلاقات المثلية والتي شئنا أم بينا هناك مجموعة من الشباب يعاني منها حاليا. كل الأعمال التي اقتربت من المثلية كانت بمثابة التلميح لا التصريح، وفي الواقع تحمست للفيلم من منطلق جرأة الموضوع ولأنه عمل جديد لهاني فوزي والذي استفاد من دراسته الفنون الجميلة ودراسة الإخراج بمعهد السينما ولكنه فضل الكتابة عن الإخراج، وشجعه سيناريو محمد عبدالقادر ليصبح أولي تجاربه الإخراجية، وهذا الاختيار في حد ذاته شجاعة لأن المجتمع يهاجم تلك الموضوعات دون أن يشاهدها ويعشق دفن رأسه في الرمال أو علي الأقل اللعب في منطقة الأمان بعيدا عن الشذوذ ومشاكله، وله في الهجوم علي فيلم «عمارة يعقوبيان» الذي قدم شخصية مثلية جسدها خالد الصاوي أكبر دليل، ومن قبل كان هناك فيلم «قطة علي نار» و«حمام الملاطيلي» وإشارة للمثلية في فيلم «الصعود للهاوية» ورغم أن الرقابة طلبت حذف 13 مشهدا حتي تسمح للفيلم بالوصول الي الصالات، إلا أن تلك المشاهد لم تحذف في «أسرار عائلية»، وتم تعديل أسلوب تصوير مشهد يظهر فيه البطل في فراش أستاذ في جامعته، وحذفت جملة «احنا مفيش أمل في علاجنا وها نفضل كده» وعلي الرغم من ذلك لم يتضمن الفيلم أي انحدار أخلاقي كما ادعي من لم يشاهد الأفلام. أهم ما في الفيلم أنه تعدي مرحلة التلميح التي اعتادنا عليها في السينما المصرية في كل المواضيع الي الدخول في صميم الموضوع خاصة أنه اختار النماذج المختلفة للمثليين من كل الطبقات ومن أشخاص يبدون أنهم مكتملو الرجولة، وهو إشارة الي أن الموضوع نفسي في الأصل لا يرتبط ببعد طبقي أو اجتماعي، فهناك أستاذ الجامعة والصنايعي والذي يذهب للعمرة ويعود وهو مقتنع أن ما يفعله من الكبائر ثم يعود اليها من جديد بعد ذلك لأنه لم يعالج السبب وتعامل مع العرض الذي يجيء نتيجة للعودة من الأراضي المقدسة. شدني أيضا في كتابة السيناريو استعراض الأساليب المختلفة من الأطباء الذين يلجأ من يفكر في العلاج، فهناك الطبيبة المحجبة التي تتعامل مع القضية بأسلوب قصور فكري وتكتفي بالتوبيخ والإهانات بل إنها نفسها لا تملك جرأة الاقتراب من مناقشة موضوع الشذوذ والدخول الي صلب الموضوع مباشرة، وهناك الدكتور الذي يناقش الموضوع ويستخدم أدوية تؤدي الي إنهاك الإنسان وكأنه مريض اكتئاب ويطلب منه مشاهدة المواقع الإباحية وهناك الطبيب الذي يتكلم معك ولكن لا يملك حلا، بل ربما يكون هو نفسه مقتنعا بحق المثليين في الاستمرار والاعتراف بهم في المجتمع، لذلك يطلب منه التفكير في الهجرة الي دولة تحترم المثليين في أوروبا. أما الدكتور الأخير فهو يتعامل مع القضية من منظور أنه أولا ليست مرضا «چينيا» لأنه لم يكتشف «چين» للشذوذ، وأن القضية في أساسها نفسية والعلاج يعتمد علي رغبتك أنت في التخلص منها الي جانب الإشارة الي أن العلاج تتخلله مرحلة إخفاقات واردة عن الخروج من الشذوذ الي جانب أهمية الاعتراف أولا بالمشكلة من المريض والأسرة المحيطة به والمجتمع، وأعتقد أن السيناريست كان موفقا في رسم الشخصيات وعلي رأسهم شخصية البطل والتي تعاني ليس فقط نتيجة من اعتداء جنسي مستمر في الصغر ولكن أيضا من التواجد في أسرة مخوخة من أب مسافر دائما وأم أنانية غيورة لا تفكر سوي في نفسها وأخ عدواني بطبعه. وأعتقد أن الإشارة الي الأخ نفسه هو الذي اعتدي علي أخيه والتأهيل لذلك بأن له رغبات جنسية مشتعلة جعلته يقيم علاقة غير شرعية مع زميله، ثم الزواج من أي شخصية لمجرد تفريغ الكبت الجنسي، وهذا يفسر لماذا اعترض علي أخيه في مرحلة المراهقة. والأجمل أنه عندما ذهب للدكتور الذي يعالج أخاه استطاع السيناريست من خلال حواره مع الطبيب أنه مثل بعض الأشخاص الذين يمارسون الشذوذ لتفريغ الطاقة الجنسية دون الاقتناع به، وأيضا هم أشخاص لا يملكون المقدرة علي الاعتراف بمرضهم. وفي الواقع إن «أسرار عائلية» من الأفلام القليلة التي تقترب من قضية الشذوذ الجنسي وليس بالطرح ولكن بالبحث عن الحلول وهو أجمل ما في الفيلم، ويبدو أن اختيار الاسم في حد ذاته إنجاز لأنه يتكلم عن المسكوت عنه في عالمنا، وأحد «التابوهات» المحظور الاقتراب منها. ولقد شدني الاستغراق في التفاصيل الخاصة بالبطل ومنها حركة تمزيق المناديل التي يقوم البطل في العديد من مشاهد الفيلم دليل علي حالة الخجل المقترنة بالخوف من افتضاح أمره ومعرفة الآخرين بأنه شاذ لذلك لم يقم بتلك الحركة عندما تخلص من عقدة الخوف والرغبة في احتواء الأسرة له للخروج من أزمته، وأعتقد أن من عوامل نجاح الفيلم هو الممثل محمد مهران الذي أشعرني أداؤه بأزمة فترة المراهقة عند البعض عند اكتشافه بأن ميوله تجاه الجنس الآخر معدومة، والتي يتبعها دائما بعذاب الضمير ويتبعه بحالة بكاء شديد ورغبة في اللجوء الي الصلاة. الطريف أن المخرج أعلن أنه وجد صعوبة في إيجاد من يقوم بالدور خاصة بعد رفض 15 شخصا الدور، لأسباب عائلية والخوف من نظرة المجتمع له، ومن المعروف أن المخرج هاني فوزي عاشق الصدام مع الرقابة كسيناريست واستكمل المسيرة مع الإخراج، فهاني فوزي له ستة أفلام رصيده من السيناريوهات السينمائية: «أرض الأحلام - كرسي في الكلوب - فيلم هندي - بحب السيما - الريس عمر حرب - بالألوان الطبيعية» وكلها تؤكد أنك أمام إنسان عاشق للسينما المختلفة.