تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! حكمة يجهلها البعض فتؤدي بهم الي الهلاك، بينما هم يبحثون عن النجاة! لو كانت الظروف قد سارت كما يتوقع طلعت زكريا، لكان فيلمه سعيد حركات "الفيل في المنديل"، هديته الجديدة الي الرئيس المخلوع! فقد وضع فيه كل الإفيهات السخيفة والمبتذلة واللا منطقية، التي كان يمكن ان تساهم في زغزغة المخلوع، لو أنه كان قد بقي في مكانه، بل ان طلعت زكريا كان يعد لسيده السابق مفاجأة، حيث يقوم في نهاية الفيلم بتقديم التحية العسكرية له، ولكن وا أسفاه، فقد قامت الثورة واتقلب حال الدنيا، وطار مبارك من قصره في مصر الجديدة، الي شرم الشيخ، انتظاراً لمحاكمته علي "كبشة" من الجرائم والخطايا التي اقترفها في حق شعبه! وبعد أن ايقن طلعت زكريا أن المخلوع مش راجع، وأن الثورة نجحت واستقرت رغم ما كان يأمله من فشلها، ورغم جهده الواضح في الإساءة لشبابها، لم يجد أمامه بداً، من نفاق شهداء الثورة، فأنهي فيلمه بتعظيم سلام لصورة الشهداء، علي طريقة اللواء محسن الفنجري! ولكن هل يكفي ذلك للتصالح مع الثورة؟، وهل يمكن ان ينسي أهالي الشهداء والجرحي ما قاله الممثل الهزلي في حق ابنائهم!، ولا ميت سلام يمكن ان ينسينا مافعله، خاصة أن فيلمه جاء مشوهاً "الإناء ينضح بما فيه" ويدل علي نفس مرتبكة وعقل غير سليم! الافلام السخيفة كثيرة، وقد تعودنا في الآونة الأخيرة، علي كم الهراء الذي يقدمه لنا ما يطلقون علي انفسهم نجوم الكوميديا، تعودنا ولكننا لم نستسلم، فمازال الجمهور المصري يحمل بعض الوعي، ولكن بدء موسم السياحة العربية، كان أحد اسباب الاقبال النسبي علي فيلم "سامي أكسيد الكربون" رغم بواخته، فقد جاء في المرتبة الاولي في إيرادات شباك التذاكر، ولكن هذا ليس انتصارا، فقد حقق 365 الف جنيه في اسبوع عرضه الاول، وهو رقم هزيل جدا ولكنه ثلاثة اضعاف ما حققه الفيل في المنديل! وهذا لا يدل علي ان احد الفيلمين أفضل من الآخر، ولكنه يدل علي ان الجمهور لم يعد يطيق مشاهدة طلعت زكريا بالمرة، ويفضل ان يرمي نفسه في براثن هاني رمزي! 5 أشخاص فقط كانوا في السينما..! ما هو الناس لازم تشوف افلام، والسينما لا تزال من أهم وسائل الترفيه! ورغم كل نداءات التحذير التي يوجهها الاصدقاء علي صفحة الفيس بوك، بضرورة مقاطعة فيلم "الفيل في المنديل"، إلا أنني بحكم المهنة اضطررت الي أن اضحي بنفسي واشاهده، وفوجئت بأن حفلة السادسة في سينما "نايل سيتي"، ليس بها إلا اربعة انفار وكنت أنا الخامسة، وانسحب اثنان بعد الاستراحة يبقي الباقي كام؟ حاولت أن أجنب مشاعري الخاصة، اثناء مشاهدة الفيلم، وبصعوبة شديدة فعلت ذلك وقلت لنفسي لعلي اجد فيه ما يبدد حالة الملل والضيق التي اشعر بها، ولكن في الحقيقة الفيلم لا يترك فرصة ان تكون محايدا فهو يضعك في خانة الرفض منذ المشاهد الاولي، ويجب ان ألفت نظرك الي "الفيل في المنديل" من تأليف وسيناريو وحوار طلعت زكريا نفسه! وكأن الرجل أراد ان ينتحر مع سبق الاصرار، ويبدو أنه من إخراجه ايضا، لأن بصمات أحمد البدري غابت تماما عن الفيلم، حاتقولي ما هو البدري له افلام سيئة لكن لم تكن بهذا السوء ولا هذا السفه! الحكاية تبدأ بعيل تخين وثقيل الظل اسمه سعيد حركات، غاوي مشاهدة مسلسلات الجاسوسية، ويحفظ تفاصيل وأحداث مسلسلي "رأفت الهجان" و"جمعة الشوان"، وعندما يكبر سعيد حركات يلازمه حبه للمسلسلات الجاسوسية، رغم انه يعمل في مجال بيع الفاكهة والخضروات، وفي محاولة مقيتة لاستغلال الاطفال يقدم السيناريو شخصية طفلة في العاشرة من عمرها "منة عرفة" لتلعب دور معلمة بلدي وتاجرة فاكهة، تهبط للحارة مع والدها وشقيقتها الكبري "ريم البارودي" وبعد عدة فواصل من الردح والغناء الشعبي المجاني يقدمه "بعرور" مع طلعت زكريا، تحدث قصة حب سريعة تنتهي بزواج طلعت من ريم البارودي التي يكتشف في الفرح انها خرساء، وعملا بنظرية ان افلام الكوميديا يمكن ان تقبل بالعبط ويخاصمها المنطق، يذهب سعيد حركات الي مقر المخابرات المصرية، ليعرض خدماته، وفي نفس الوقت "شوف أزاي" تكون المخابرات دايخة علي عميل غير محروق لترسله في مهمة الي اسرائيل، علي طريقة نادية الجندي في فيلم "مهمة في تل ابيب"! ويقوم مدير المخابرات يوسف شعبان باختيار سعيد حركات، وإرساله لإسرائيل! فيلم ملئ بالقبح والفجاجة لن اشغل بالك بتفاصيل الحكاية فهي اسخف من ان تروي، ويكفي اني تعذبت لوحدي بمتابعتها، المهم في الموضوع او السؤال الذي كان يتردد علي ذهني طوال مشاهدة الفيلم، هو: كيف يتصور طلعت زكريا والمنتج محمد السبكي ان مثل هذا الفيلم يمكن ان ينجح تحت اي ظروف! يعني لو لم تكن الثورة قد قامت واستمر الحال علي ما هو عليه، هل كان يمكن ان ينجح فيلم الفيل في المنديل؟ طيب هل لو كان طلعت زكريا قد قام بتأييد الثورة، وبات في الميدان ثلاثة اشهر مش 18 يوما هل كان يمكن ان يقبل الناس علي هذا الفيلم؟؟ حا تقولي ما فيه افلام سخيفة كتير ورديئة ونجحت، حا أقولك بس مش للدرجة دي؟ هناك دائما الحد الادني، الذي تصل الاشياء بعده للعبث! والذي زاد الطين بلة، هو هذا القبح المخيف الذي يقدمه الفيلم طوال الوقت، فقد بالغ مدير التصوير محسن نصر في استخدام اللقطات الكبيرة لوجه طلعت زكريا، ونظرا لزيادة البثور ورداءة الماكياج يتحول وجة البطل الذي يتصدر معظم المشاهد، الي حالة مرعبة من القبح! مضافا إليها تسريحة الشعر التي ظهر بها طلعت زكريا، ولا أعتقد ان هذا النموذج من البشر يمكن ان تجده في احيائنا الشعبية؟ وأعتقد ان تصرفات الصبية معه قد تصل الي الوقاحة! واضح أن طلعت زكريا أراد أن يقلد فيلم "لا تراجع ولا استسلام، القبضة الدامية" الذي قدم فيه أحمد مكي، رؤية ساخرة "بارودي" علي افلام الجاسوسية، وجاء نجاح فيلم مكي، مدعما بعدة عناصر، منها: طرافة الفكرة، وخفة ظل ماجد الكدواني البطل الثاني في الفيلم، بالإضافة طبعا لقدرات ومهارات احمد مكي المتعددة، التي تتيح له فرصة التنوع، في الأداء، أما التقليد الاعمي، الذي ينقصه الثقافة السينمائية، والحياتية فهو يؤدي حتماً الي سعيد حركات! وإذا كان طلعت زكريا يريد أن يكفر عن أخطائه في حق الشعب المصري فعليه ان يحمل نسخة فيلم "الفيل في المنديل" ويذهب بها الي شرم الشيخ، ليشاهدها صديقه المخلوع، يمكن ربنا يسهل ونخلص ونرتاح كلنا!